منى بزاري.. من الهندسة إلى صياغة حلي تحكي قصصا من التاريخ والثقافة العربية

قلادة من مجموعة «أمل» - من مجموعة «أمل»
TT

هجرت مصممة الحلي منى بزاري علوم الهندسة من أجل عشقها للفضة والأحجار الكريمة، مركزة على تأريخ التراث العربي والمصري في قطع حلي خفيفة ومميزة تفتخر كل من ترتديها بهويتها العربية.

كانت بزاري تريد من البداية أن يكون لها لون مختلف، لأن «عدد مصممي الحلي كبير» كما تقول.. «لهذا قررت البحث عن طريق جديد للتميز». وتابعت أنه على «الفنان أن يبحث دائما عن أسلوبه الخاص، ويبتعد عن التقليد والنمطية، لأنه بهذه الطريقة وحدها يمكن أن يتميز عن غيره ويبدع منتجا جديدا ومختلفا في السوق». من هذا المنطلق، حرصت على أن تضيف لكل قطعة تنفذها قصة وحكاية، «حتى تكتسب روحا خاصة وتربطها بصاحبتها علاقة حب وفي الوقت ذاته تعكس شخصيتها وهويتها العربية عموما والمصرية خصوصا».

شعرت منى بزاري منذ الطفولة بأنها تحب الأحجار؛ إذ كانت تستمتع عندما تصطحب والدتها لشرائها من محلات صغيرة في أسواق لندن، أثناء رحلة العائلة السنوية، وعندما تعود، تجلس ساعات من دون أن تشعر بمرور الوقت وهي تنحت وتصوغ عقودا وأساور. عندما كبرت، زاد اهتمامها، لا سيما بعد انتقال عائلتها للإقامة في دبي. هناك بحثت في أسماء الأحجار ومعانيها ودرست كيف تمزج أنواعا معينة، لتخرج القطعة بشكل يثير إعجاب كل من يراها، وإن استهدفت في البداية صديقاتها وقريباتها وكأنها تجس نبض السوق من خلالهن.

تخصصت بزاري أساسا في هندسة الكومبيوتر بالجامعة الأميركية بالقاهرة، إلا أنها كانت تتمنى دائما دراسة الفنون، وهي أمنية تحققت لها بعد تخرجها، فقد شعرت بأنها تميل أكثر إلى تصميم المواقع على الشبكة العنقودية، وتهتم بالتفاصيل ومزج الألوان والشكل الجمالي، الذي ترتاح له عيناها أكثر من أي شيء آخر. وبعد فترة قررت ترك كل هذا وبدأت رحلة العودة إلى عشقها الأول الذي تركته لفترة من الزمن. انتقلت للإقامة بالقاهرة، والآن تقضي معظم أوقاتها في ورشات الحلي في الأزهر والحسين، ورغم مرور سنوات، فإنها لا تزال تشعر بأنها في بداية الطريق. فـ«الخان عالم مكتمل الأبعاد والتفاصيل داخل قاهرة المعز، فهذه الحرفة دروبها واسعة وممتعة؛ إذ ما إن بدأت فيها، حتى وقعت في غرامها إلى الأبد» كما تقول.

لكنها تعيد الفضل في نجاحها وما تعلمته من علوم وأساليب غيرت نظرتها إلى الأمور وفتحت لها عالما من الأفكار غير التقليدية، إلى سنوات الدراسة في الجامعة الأميركية. تؤكد أنه لولا دراستها فيها لما تعلمت ما تعلمته.. «فمنها جاءتني فكرة مزج الثقافات المختلفة في مشروعي الذي أعمل عليه حاليا، ويعتمد على خلط مفردات من الفولكلور البدوي، بزيه الشهير المطرز بالخيوط الحمراء، مع الخاتم الهندي (أرسي) الذي يتميز بتصميم فريد عبارة عن دائرة كبيرة من المرايا، كانت ترتديه العروس يوم زفافها، وتستطيع من خلاله رؤية عريسها. فقد كان من غير المستحب أن ترى العروس عريسها قبل الزفاف من باب جلب الحظ».

وأضافت بزاري إلى الخاتم التقليدي شكل الهلال العربي والأجراس الصغيرة التي تميل إلى الفلكلور البدوي، لأنها لاحظت أنه يحظى بالقبول من قبل المصريين تحديدا. وتشير إلى أن الفلكلور البدوي كان مرة أخرى ملهم مجموعتها «دق الوشم» الذي يمكن القول إنها محاولة لفك طلاسم رموزه الكثيرة، حيث بحثت في منشئه وأصله ما بين الريف والصحراء، لتختار في النهاية بعض الرموز كالإبريق والهلال والقوس للتركيز عليها.

لكن منابع إلهامها تمتد إلى الخطوط العربية والرموز الإسلامية التي تقتبسها من المساجد الأثرية والمباني القديمة، فضلا عن أن تأملها ما حولها من مفردات كانت وراء ولادة مجموعة «أمل» التي استوحتها من شجرة في حديقة منزلها، ظنت أنها ذبلت ولا أمل في نموها مرة ثانية، ثم لاحظت ذات صباح فرعا صغيرا أخضر ينبت من جانب فيها.. حينها علمت أن «الأمل هو الشعور بالحياة بعد أن تتملكنا مخالب اليأس».

أما تركيزها على مادة الفضة، فتعيده إلى انبهارها بالثنائيات التي لا تنتهي في حياتنا، كالشمس والقمر، والليل والنهار.. وكيف أن أشكال الفاكهة والخضراوات لم تُخلق عبثا، وأنها إذا ما تجانست بشكل جمالي تصبح قطعة فنية راقية من الفضة والأحجار. وقد حققت هذه المجموعة نجاحا تجاريا كبيرا، وبيعت بعد تنفيذها بأيام قليلة من طرحها في السوق..

ومع ذلك، تبقى طموحات بزاري كبيرة، وعلى رأسها التسويق للعالم حتى يتعرف على الهوية العربية عموما، والمصرية خصوصا، بكل ما فيها من تفاصيل وجماليات ثقافية وتاريخية وفنية.