المكتب المنزلي.. مملكة خاصة

المكاتب المنزلية تحتل المرتبة الرابعة في قائمة المرافق المهمة

أليساندرا غولدنر في مكتبها
TT

مفهوم المكتب المنزلي حتى وقت قريب كان يعني شيئا مختلفا، مقارنة بما هو عليه اليوم، حسب قول مصمم الديكور نيل زيمرمان. ففي مطلع عقد التسعينات عندما بدأ يعد تصميماته الخاصة بمكاتب منزلية كان الاعتقاد السائد لدى كثيرين ان «مكتب المنزل» هو المقر الرئيسي لشركة، كما ان العمل من المنزل في ذلك الوقت كانت تحيط به بعض الانطباعات السلبية، باستثناء بضع حالات مثل الكتابة. ويقول زيمرمان: ان المفهوم الذي كان شائعا في المخيلة العامة، هو ان الذين يعملون من المنزل هم عادة الذين جرى تسريحهم من العمل او الذين لا يستطيعون الاستمرار في وظيفة او انهم يؤدون وظائف هامشية وليست مهمة. ولكن طبقا لمعلومات جمعها مركز ديرينغر الاميركي للبحوث عام 2006، فإن ما يزيد على 28 مليون اميركي كانوا يعملون في ذلك الوقت من منازلهم، وزاد عدد هؤلاء بنسبة 10 بالمائة، مقارنة بعددهم عام 2005 و40 بالمائة، مقارنة بعددهم عام 2002. وتشير معلومات جهات متخصصة في التصميمات المنزلية ان 7 من 10 اميركيين لديهم الآن مكاتب في منازلهم، إذ سجلت زيادة بنسبة 112 بالمائة منذ عام 2000، كما تشير نتائج مسح أجرته جهة متخصصة في مجال التشييد والتصميمات المنزلية الى ان المكاتب المنزلية تحتل الآن المرتبة الرابعة في قائمة المرافق المهمة داخل المنازل الجديدة. وأشارت المصممة مارلين زيلينسكي سيراتو الى انه بالإضافة الى التقنيات الجديدة التي ساعدت على انطلاق ثورة العمل من المنزل، هناك زيادة في خيارات التصميم كجزء من السبب في التغيير في هذا الاتجاه. وقالت مارلين: ان المكاتب المنزلية قبل سنوات كانت تحتوي على أشياء تقليدية، مثل الطاولات الصغيرة والكبيرة المصممة اصلا للكتابة فقط، اما الآن فإن هناك نجارين ومصممين متخصصين في أثاث المكاتب المنزلية من مصادر متنوعة. افتتان اميركا بالترف خلال السنوات الاخيرة، أدى إلى ظهور ما تعتقد مارلين انه رمز يعكس العمل الدؤوب والشاق الذي يتحمله الشخص لشراء منزل تزيد قيمته على المليون دولار. وازداد بين الرجال على وجه الخصوص الطلب على جمال وروعة تصميمات نهاية القرن الماضي، مثل الطاولات والجدران المغطاة بالألواح الخشبية، فضلا عن عدد قليل، يأمل في منافسة المكاتب المغطاة جدرانها بألواح شجر الجوز لآليس كاندر كابيلو، مثل مؤسس ومدير «كابيلو كابيتال كوربوريشن»، الذي زيّن المكان بتحف مثل السيوف والبنادق ورؤوس الحيوانات وتحف ومقتنيات رجالية اخرى. ويضم المكتب، الذي يقول كابيلو: ان تكلفته تتراوح بين 300000 و350000 دولار، مجموعة قديمة من 36 شطرنج وعدة كرات أرضية و1800 عصا من مختلف دول العالم وآلاف الكتب القديمة. الألواح الخشبية التي تغطي جدران المكتب كانت اصلا في قلعة بجنوب فرنسا. هذا ويضم المكتب ايضا مدفأة من الحقبة الامبراطورية يقول كابيلو: انها صممت لواحد من مقار إقامة نابليون وطاولة من عام 1848 ولوحات عسكرية ورسومات لحيوانات من القرن التاسع عشر، بالإضافة الى شاشتي بلازما كبيرتين يقول: انهما لمشاهدة مباريات كرة القدم الاميركية مع الاصدقاء. يقول ايريك هايم، وهو مصمم وصاحب «مانهاتن كابينيتاري»: ان الرغبة في مثل هذه المساحة لا تقتصر على المليونيرات فقط، بل كل الرجال. وكان عدد من المنتجين قد عرض أثاث للمكاتب المنزلية من هذا النوع مثل شركة كلاريندون، التي تنتج خزانات جدران على اساس تصميمات انجليزية تعود للقرن السابع عشر، وتقوم الشركة بتصميمات مطورة وتقدم مقابل مبلغ 20000 دولار طاولات مكتب وكرسي ومكتب للكومبيوتر ورف للكتب وخزانة جانبية وموقع للأجهزة الترفيهية يضم شاشة تلفزيون مسطحة بحجم 60 بوصة. للنساء أشياؤهن أيضا: يقول المصمم كريتسوفر لويل: ان المكان الوحيد الذي كانت تعمل فيه المرأة ظل على مدى سنوات مشتركا بينها وبقية الاسرة، إلا ان المصممين بدأوا حديثا يأخذون بعين الاعتبار حاجتها إلى فراغات للعمل على أساس متساو مع الرجل، وبدأ مصممو الديكور فعلا على اتخاذ الخطوات لابتكار ما يرضي حسبما قالت هامبتون. لكنها أضافت: «نحن بحاجة إلى إجبار النساء كي يقمن بذلك».

وهذه هي الحال مع كريستين جاورز من «موفنغ آرتس بروجكتس» من فرقة الإنتاج للرقص في مانهاتن. فقد ظلت تعقد اجتماعات الفرقة في غرفة نومها أو في المطبخ. وقالت جاورز: «حقل الرقص مرن والناس المعنيون فيه هم وديون وغير رسميين».

لكنها حينها انتقلت هي وزوجها روبرت فريدمان إلى شقة بالقرب من باوري في يونيو بادرت إلى تكليف المعماري بيل سوك من مكتب التصميم «ترويسي سوك ديزاين غروب» في مانهاتن كي يضيف غرفة فوق السقف كرستها تماما للعمل، بعيدا عن الأمكنة المزدحمة التي يستخدمها ولداها اللذان يبلغان من العمر الخامسة والتاسعة.

العنصر المهم الآخر الذي يجعل الفراغ مناسبا للعمل هو توفر خزانات كافية: فهي تمتلك كابينة خاصة للملفات، حيث تستطيع أن تحفظ كتاباتها، وأرفف خاصة بكتبها الكثيرة حول الرقص. وأضافت مكتبا اشترته من محل للاثاث القديم قبل عشرة أعوام بجرارات يمكن سحبه بسهولة. وبلغت تكاليف البناء مع رخصة البناء أكثر من 30 ألف دولار بقليل حسبما قالت جاورز.

وتقوم بعض المحلات التجارية حاليا ردا على احتياجات النساء لفراغ خاص بمكاتبهن بتوفير منتجات خاصة لمتطلباتهن. ومؤسسة «أوفس ديبوت» المشهورة بدعم الشركات الصغيرة التي هي في طور النشوء، أدركت أن أكثر من نصف زبائنها هم من الجنس اللطيف، وحاليا تزداد المشاريع التجارية التي تمتلكها النساء بمعدل مرتين أكثر من غيرها، وهذا ما دفع هذه المؤسسة إلى إضافة خطوط إنتاج جديدة للأثاث بما فيها مجموعة «لويل كوللكشن» التي باعت كثيرا إلى حد أن الشركة تطور حاليا أثاثا خاصا بالنساء من حيث الحجم والمقاييس تحت اسمها الخاص حسبما قال ريتشارد دايموند نائب رئيس شركة «اوفس ديبوت».

تكنولوجــيا عاليـــة ومخفية عن الأنظار:أدى التطور الهائل في مجال التكنولوجيا الرقمية أن يضع أمام المصممين تحديات جديدة مع مساعيهم لابتكار فراغات عمل مريحة، خصوصا للزبائن الذين يقتضي عملهم استخدام أدوات متعددة. يستخدم لي أونكريش، مدير شركة «توي ستوري 3»، كومبيوتر ماك برو مع شاشتين في مكتبه البيتي بمارين كاونتي في ولاية كاليفورنيا. وسبق لأونكريش أن عمل في شركة بيكسار المنتجة لأفلام الكارتون، أي أنه يستخدم في مكتبه البيتي أجهزة إعلام رقمية وكاميرات وأجهزة تصوير «سكانر» وجهاز طبع أبسون مع لوحة تحكم تسمح له بتحويل بيته يعمل وفق نظام الاتمتة للتكيف مع الحرارة وتكييف الهواء والإضاءة ونظام الأمن من أي مكان داخل البيت.

وقال اونكريش: «أنا من المهووسين بالأجهزة الالكترونية لكنني لا أحب أن أجد نفسي محاطا بها. حينما أعمل أريد أن أشعر بذهن صاف. وأنا لا أستطيع أن أجد نفسي وسط الفوضى».

ومن أجل الحصول على مساحة فارغة للعمل، تعاقد اونكريش مع مارك دوتكا مصمم الديكور الداخلي الذي يدير شركة تصاميم «ان هاوس ديزاين ستوديو» في سان فرانسيسكو. ونجح هذا الأخير في تقديم حل يتمثل في تخصيص ثلثي الغرفة إلى فراغ عملي يمكن صاحبه من الوصول إلى أي شيء يحتاج إليه من دون النهوض من مكانه.

وصنع المكتب والخزانات من ماكوري وهو خشب غريب يحبه أونكريش لدفئه وحبيباته. ويخفي الخشب الرفوف القابلة للسحب والتي تحمل عددا كبيرا من المكونات السمعية والبصرية مع جرن خاص بإدارة الأسلاك يقع تحت المكتب. وقال دوتكا إن عمل الخزانات بشكل لا تتحدد بحجم معين لما هو مخزون، خصوصا أن اونكريش يجدد هذه العناصر من وقت إلى آخر وبأحجام ومقاييس مختلفة.

ولإعطاء الفراغ المكاني شكلا بصريا مقبولا تمت تغطية الجدار المعاكس والامتداد للمكتب بخشب اليوكاليبتوس وهو أخف بكثير من خشب ماكوري. أما آخر البصمات فتشمل وضع مصطبة، حيث تجلس لورا سنتوري، زوجة اونكريش، مع رفوف على الجدار بالقرب من المكتب مع مقعدين دوارين يستطيع أطفالهما الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة والثامنة والعاشرة أن يسحبوها حينما يحتاج اونكريش إلى استشارة ما.

وبالنسبة لهذا الأخير فإن أفضل جزء من الغرفة التي كلفته أقل من ستة أرقام ليس هو ما يمكنك أن ترى، بل ما لا يمكنك أن ترى. وأضاف: «انت تدخل إلى الغرفة ولا ترى أي شيء عدا عن شاشات الكومبيوتر».

* خدمة «نيويورك تايمز»