فيراغامو .. زعيم المنتجات الباذخة المصنوعة في إيطاليا

تصميمات تبرز قدرة الدار على فهم قواعد الكيمياء والفيزياء والتأثيرات النفسية للألوان

من حقائب الدار الموجهة للرجل
TT

تقول النكتة إن تبذير الأغنياء وصل إلى حد أن أحدهم اشترى سيارة فاخرة وعاد بعد شهر إلى وكالة السيارات طالبا تبديل السيارة بأخرى من نفس الطراز، إنما أفخر وأغلى ثمنا فاستغرب البائع وقال: «لكن لم يمض شهر على شرائك لهذه السيارة؟، فرد الثري: «لقد امتلأت النفاضة بأعقاب السجائر»!. ويقال إن الملابس المترفة تملكها الآن شركات الاستثمار، لا مصممو الأزياء، وأغلب الأسماء المشهورة في عالم الموضة هي ماركات معروفة تباع بأسعار خيالية، لكن منتجاتها تصنع أحيانا في الصين، وفي نفس المعامل التي تصنع فيها سلع مماثلة رخيصة الثمن، لأسباب اقتصادية وتجارية.

في إيطاليا، تتبع دار سلفاتوري فيراغامو سياسة مختلفة، إذ أصبحت تركز اهتمامها في السنوات الأخيرة لا على المنتجات الباذخة (أو ما يسمى باللوكس)، بل على المنتجات البالغة البذخ «سوبر لوكس»، وهذا يعني أنها مصنوعة في ايطاليا على يد حرفيين ايطاليين مهرة. في الماضي كان سوق المترفين محصورا على الطبقة الارستقراطية وصفوة المنعمين، إلا أن عصر العولمة قلب الكثير من الأمور والمفاهيم، إلى حد أن المصممين الأوائل، مثل بول بواريه أو جان لانفان لا يمكن أن يتعرفا على السوق بشكله الحالي. فقد اختفت دور الأزياء التي تملكها عائلات تفتخر بالنوعية الجيدة والمصداقية، إلى درجة أن ابزيم بعض أحزمة البيوت العالمية يتم صنعها في مالي والنيجر بأفريقيا، وبعض ملابس بيوت أزياء أخرى تصنع في دولة موريشيوس الاستوائية الجميلة بالمحيط الهندي.

وتجدر الإشارة إلى أن دار فيراغامو لا تعرف بأزيائها فحسب، بل أيضا بمنتوجاتها الجلدية، مثل الأحذية التي تقبل عليها نجمات السينما العالمية، إلى جانب الملابس الرجالية، التي تحرص أن تستعمل فيها الكشمير الفاخر، وحقائب اليد من جلد التمساح، فضلا عن العطور والنظارات والفنادق، وربطات العنق، التي لا يزال القسم الأكبر منها بتصميم كلاسيكي، مع إدخال نوع محدود من الأشكال النحيفة في عروض الأزياء التي شهدتها ميلانو قبل أسبوعين لإرضاء الزبائن الشباب الذين يفضلون العودة إلى نماذج ربطات العنق التي انتشرت في الستينات. واعتبارا من أول العام الحالي دخلت الدار مجال الساعات الفاخرة، وستبدأ بيعها في بعض محلاتها المنتشرة في 60 بلدا في العالم بأسعار تتراوح ما بين 1200 إلى 4000 يورو (أو 1760 إلى 5880 دولارا). وهي ساعات أشرفت على صنعها شركة تايماكس السويسرية المتخصصة. وتشمل ساعات حصرية لعدد محدود من الموديلات التي يطلبها الهواة الأثرياء، بحيث لا يتعدى إنتاجها مائة قطعة ستكلف الواحدة منها ثلاثين ألف يورو (أي 44 ألف دولار)، لأنها تستعمل المعادن الثمينة والمجوهرات. وقد صرحت أنيت اولسن، رئيسة شركة تايماكس، حين وقعت الاتفاقية الخاصة مع دار فيراغامو في الصيف الماضي، أن هذه الساعات ستكون عنوانا للأناقة والبذخ في صناعة الساعات، ورد عليها مايكيل نورسا، المدير التنفيذي لدار فيراغامو، بأنه سيركز انتباهه على الأسواق الآسيوية، لأن المهتمين بالساعات الفاخرة هناك يحبون مزيجا كامل الأوصاف من الجودة والإبداع والابتكار. لكن في حال راودتك الفكرة باقتناء أو التفرج على إحدى تلك الساعات، فعليك الانتظار حتى يتم عرضها في معرض مدينة بازل الذي سيقام في شهر ابريل (نيسان) المقبل، في سويسرا، أو امتطاء الطائرة فورا إلى روما، حيث بدأ بيع بعض القطع مسبقا.قصة مؤسس الدار، سلفاتوري فيراغامو، كأي قصة نجاح مثيرة للإعجاب. فقد ولد بالقرب من نابولي في مدينة بونيتو عام 1898 من عائلة بسيطة بلغ عدد أفرادها 14 طفلا، وصنع أول حذاء لأخته وعمره تسع سنوات، قبل أن يبدأ العمل في نابولي ولم يتجاوز عمره 12 عاما. بعدها هاجر إلى أميركا وجرب حظه هناك متخصصا في صنع الأحذية لنجمات هوليوود من مثيلات ريتا هيوارث، انجريد برغمان، آفا غاردنر، اودري هيبورن، ومارلين مونرو، كما عرف تعلق زوجة الرئيس الأرجنتيني ايفا بيرون بالأحذية التي صنعها خصيصا لها في الخمسينات. عاد فيراغامو إلى ايطاليا في عهد موسوليني واستقر في مدينة فلورنسا، مدفوعا بتوفر اليد الحرفية الماهرة، وبقي فيها حتى وفاته عام 1960. ولحسن الحظ لم تؤثر وفاته في الدار التي بقيت صامدة، بل تطورت بشكل كبير، رغم أنها بقيت ملكا عائليا. فزوجته هي الرئيس الفخري للشركة حتى اليوم، وابنه فيرتشو هو الرئيس الفعلي، أما كبير المصممين فهو ماسيميليانو جورنتي، الذي يبلغ 37 سنة من العمر ودرس في معهد التصميم والتسويق في فلورنسا. كان سلفاتوري فيراغامو من رواد الصناعيين الذين ارتبط الذوق والبراعة الايطالية باسمهم، وكان من أوائل مصدري الأحذية النسائية والرجالية إلى الولايات المتحدة ثم إلى اليابان وبعدها بلدان الخليج. وامتازت أحذيته بالنوعية الجيدة وباتساع عرض بعض الأنواع التي تلائم الأقدام العريضة مثلما عرف عن ماركة بالي السويسرية للأحذية، خصوصا أن المؤسس أفنى حياته في البحث عن الراحة في الحذاء والمقاسات الصحيحة التي تجمع بين الجمال والأسلوب العملي. يذكر أن فيراغامو جرب ابتكار كافة أنواع الكعب النسائي وأساليب الهندسة المعمارية حين فرض الحصار الاقتصادي على ايطاليا بعد احتلالها للحبشة (اثيوبيا) عام 1935، ونقصت المواد الأولية المستوردة آنذاك، فاختبر عدة طرق لتعويض الجلود، كما استعمل الخشب في الكعب وغطاه بقماش الجرسيه، واستعمل الفلين المنتزع من قنينات الزجاج، فربطه ببعضه ثم غطاه بالجلد، وقد استلهم من الحرفيين في فلورنسا وسائلهم وحيلهم في التزيين واستعمال الموزاييك البيزنطي.

ونظرا لهذا التاريخ كان لا بد أن يخصص لهذا المبدع وداره متحف، افتتح في عام 1995 في قصر سبيني فيروني بفلورنسا، بالقرب من المخزن الرئيسي لدار فيراغامو، الذي بناه في القرن الثالث عشر ممول البابوات الذين حكموا ايطاليا. شعار المتحف «الإبداع في الألوان» يبرهن على البراعة الفائقة في استخدام ومزج الألوان في حوالي 400 تصميم معروض بتوقيع دار فيراغامو، كما يبرز قدرة المصمم على فهم قواعد الكيمياء والفيزياء وحتى الآثار النفسية التي يعكسها استخدام لون أو مزيج معين. فاللون الأرجواني كان يرمز أيام الرومان إلى القوة السياسية، أما الأصفر فكان ثوب الإمبراطور في الصين بينما يرمز اللون الأسود إلى التواضع والحرص والإغراء بآن واحد. أحذية فيراغامو استعملت ألوانا مختلفة وتميزت عن غيرها بغنى التنوع فيها، الذي كان وليد تأثيرات الحركات الفنية المتحررة من القيود في الرسم في كاليفورنيا ونابولي، التي أثرت أيضا في الألوان التي اختارها لملابسه الجاهزة. افتتح منذ العام الماضي متجرا بالقرب من متحفه اسمه «ابتكارات الفخامة الأزلية» يبيع نسخا حديثة معدلة للحقائب والأحذية التي صنعها لنجمات هوليوود وايطاليا، فهناك الآن حذاء باسم «آفا»، إشارة إلى آفا غاردنر، وآخر باسم «صوفيا»، إشارة إلى صوفيا لورين، وغيرهما. وقد عرض متجر هارودز المعروف في لندن بعـض تلك المنتجــات قبل أشهر.