من أجل البيئة

صراع الضوء.. بين مصابيح النيون والمصابيح التقليدية

TT

حينما اقترح لويد لفاين عضو مجلس كاليفورنيا في السنة الماضية أن تصبح ولايته الأولى في أميركا التي تمنع استخدام المصابيح البراقة التي تهدر الطاقة، استقبلت فكرته بردود فعل غاضبة.

وقاومت الشركات المنتجة لهذا النوع من المصابيح فكرة منع هذه التكنولوجيا بالكامل. كذلك عارض المناصرون للحريات الشخصية فكرة أن تقوم الحكومة بتحديد أية مصابيح يجب أن يستخدمها السكان في بيوتهم، بل حتى بعض انصار البيئة الذين أيدوا التحول نحو استخدام مصابيح النيون (الفلورية) معبرين عن تحفظاتهم حول فرض استخدام مصابيح تحتوي على الزئبق بينما لا توجد إجراءات للتخلص منها بطريقة سليمة.

لكن أكثر المعارضين بشدة هم أولئك الذين يخافون أن تحول مصابيح النيون بيوتهم إلى محطة وقود. وكان الاحتجاج قويا إلى الحد الذي لم تصل مسودة القانون إلى مكتب الحاكم أرنولد شوارزنجر. في الوقت نفسه ومع تصاعد القلق تجاه التسخين الأرضي، راحت ولايات أخرى تدفع لجنتي مجلسي الشيوخ والنواب باتجاه تبني قضية الإضاءة على المستوى الوطني منذ الربيع الماضي.

وبعد أكثر من 8 أشهر من المداولات بين الكونغرس وممثلين عن شركات المصابيح ومنظمات معنية بحماية البيئة، صدر قانون جعل شرط أن تكون المصابيح أكثر كفاءة على مستوى استخدام الطاقة جزءا من مسودة قانون خاصة بالطاقة صادق عليها الكونغرس ووقع عليها الرئيس بوش في 19 من ديسمبر الماضي.

وخلال الفترة التي ستبدأ بعام 2012 ستصبح كل المصابيح الجديدة بشكل يجعلها تستخدم طاقة أقل مما هي عليه الآن بنسبة تتراوح ما بين 25 إلى 30% للإضاءة نفسها. ومع حقيقة أن مصابيح النيون هي الوحيدة التي تستهلك 70% أقل من المصابيح الأخرى حاليا وتعمر وقتا يصل إلى 10 أضعاف المصابيح العادية، فقد لا يكون أمام الأميركيين خيار آخر سوى القبول بمصابيح النيون كجزء من المستقبل.

لكن هناك الكثير من المعارضين لذلك. تقول كاث براندون التي تعمل في مجال العناية الصحية: «أريد أن استخدم مصابيح النيون وأريد أن أساهم بأقصى درجة ممكنة في حماية البيئة، فأنا أعمل من البيت، وأقوم بتدوير القمامة وأحاول تنفيذ كل المهام معا كي لا أضطر أن أحرق وقودا إضافيا».

لكن السرعة التي تصمم وتنتج فيها شركات الإضاءة مصابيحها لا تسير بنفس سرعة المشرعين والبيئويين في القبول بمصابيح النيون. وقال ميتشيل ستاينبرغ مؤسس «Lee"s Studio» وهو محل في مانهاتن متخصص بتصاميم المصابيح: «يكره المصممون مصابيح النيون وأنا أكرهها. الجمال في مصباح الإضاءة هو ما يمنحه من دفء، إذ يعود بنا إلى النار. أنا مقتنع أن الناس لديهم شعور فطري تجاه النار، نحن نحب الشمس، ونحن الألوان الدافئة، لكن هذه المصابيح حتى مع تحسنها لم تصل إلى نفس جمال المصباح المشع».

ويعني التخلي عن الإضاءة بالمصابيح المشعة، بالنسبة للعديد من الناس، التخلي نوعية محبوبة لها صلة بالبيت لصالح التوهج الضوئي الساطع الموجود داخل المؤسسات. وعدد الخيارات المطروحة مع الأشكال الغريبة لمصابيح النيون الصغيرة مع المعلومات المربكة التي تأتي معها لم تشجع الناس كثيرا لتجريبها.

وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلتها متاجر وال ـ مارت لرفع نسبة مبيعات مصابيح النيون المصغرة منذ أواخر عام 2006 ما زالت تشكل أقل من 20% من كل مبيعات المصابيح.

وفي محاولة لتقرير ما اذا كانت الاضاءة الكفوءة من ناحية الطاقة هي سيئة كما يعتقد شتاينبيرغ وآخرون، أو ما اذا كانت بعض المصابيح ذات الطاقة الكفوءة يمكن أن تلقي ضوءا على منضدة بجانب السرير أو على جدار في غرفة الجلوس، طلب قسم الهاوس أند هوم من عدد من شركات التصنيع تقديم عينات من منتجاتهم. وتعين على المصابيح أن تعمل على قاعدة الرأس الحلزوني وتكون ملائمة للاستخدام في داخل الغرف، وطلب من شركات التصنيع ان تختار الموديلات التي تعتقد انها اقرب في الضوء واللون الى المصابيح البراقة التقليدية.

وبعد أن جمعت المصابيح، طلب من هيئة عاملين في «نيويورك تايمز» أن تحكم على نوعياتها. ووضعت مصابيح المناضد السيراميكية مع أخرى بظلال بيضاء في نهايات منضدة طويلة ذات مصابيح براقة تقليدية بقوة 60 وات لغرض المقارنة.

واثار أول مصباح جرى اختباره وهو من انتاج «تي سي بي» لمؤسسة هوم ديبوت تأوها جماعيا. وعلى الرغم من أن البعض احبوا اشعاعه وبياضه والطريقة التي يختفي بها غطاؤه الخارجي رفضه آخرون باعتباره حادا بالمقارنة مع اضاءة المستشفيات.

أما خيار سيلفانيا في التصاميم البيضاء المشعة فكان اقل شعبية. وانتقد اعضاء الهيئة اللون. وعندما جرى تجريب مصابيح النيون الصغيرة تزايدت الشكوى. وبدا المصباح من جي. إي بقوة 15 وات «أزرق مزعجا»، بينما اثار المصباح الصغير من سيلفانيا الازعاج. وقال احد المختبرين ان المصباح الصغير من ماكسلايت «جعلني اشعر بالقلق».

وقد انجذب أعضاء لجنة التحكيم بالطريقة التي تغيرت بها بشرة المحرر الذي كان يغير المصابيح من لون الى آخر.

وأصوات الذبذبة الخفيفة الناجمة عن الكثير من مصابيح النيون الصغيرة وبينها مصابيح جي. إي وانيرجي سمارت وسيلفيانا تي سي بي، ازعجت اعضاء الهيئة كما فعل الوقت الذي استغرقته بعض المصابيح لتضيء.

وهناك عدد قليل من المنتجات المثيرة للاهتمام على نحو خاص، مثل ايبولب الذي يبدو بمظهر مستقبلي وهو من اميركان لايتنغ انداستري، التي تستخدم تكنولوجيا الحث، وهي صيغة قديمة من الاضاءة تستخدم احيانا في أماكن يصعب الوصول اليها مثل سقوف الأنفاق. ويستخدم المصباح الذي تبلغ قيمته 50 دولارا قوة اقل بنسبة 80 في المائة بالمقارنة مع المصابيح البراقة وفقا لما تقوله الشركة المصنعة، ومن المتوقع ان يستمر لمدة 50 الف ساعة، أو فترة أطول بخمسة امثال بالمقارنة مع الكثير من مصابيح النيون الصغيرة. ويعود السبب الى حد كبير الى المغناطيس المدور الذي يساعد على اعادة تدوير الكهربائية. وتحمس أعضاء هيئة التحكيم بشأن مصباح النيون القليل الاضاءة وهو من انتاج جي. إي اذا ما أخذنا بالحسبان ان مثل هذه المصابيح يصعب العثور عليها حتى الفترة الأخيرة. ولكن بدلا من الانتقال السلس من الظلمة الى النور كما تفعل المصابيح البراقة فقد عمل بصورة أكثر شبها بمصباح ذي ثلاث درجات: عالية ومنخفضة ومغلقة.

والموضوع الآخر للاثارة كان مصباح «فاروكس من ليمنيس لايتنغ» التي تستخدم الصمام الثنائي الذي يطلق الاضاءة. وهذه التكنولوجيا التي تعمل برقاقة اشباه موصلات أكثر كفاءة من اضاءة النيون الصغير. ولكن بسبب ان الصمام الثنائي الذي يطلق الاضاءة يعمل في اتجاهات مختلفة فانها تستخدم على سطوح الشقق مثل الجدران أو لوحات الاضاءة.

وتعتبر ليمنيس واحدة من الشركات القليلة التي افلحت في تطبيق التكنولوجيا للمصباح ذي الرأس الحلزوني ولكن الهيئة اشتكت مما تبدو عليه الاضاءة من لون اخضر، خصوصا عندما تسلط على الجسم.

ولم يكن الموقف السلبي من نصيب كل المصابيح. فقد فضل اعضاء لجنة التحكيم الضوء الذي تطلقه مصابيح الهالوجين التي تستمر لفترة ضعف فترة مصابيح النيون، وتتطلب طاقة اقل من اجل انتاج وتوزيع البدائل، وبالتالي فهي أكثر كفاءة. هناك موديل من مصابيح هالوجين الكهربائية (فيليبس هالوجين) يجسد جمال وتلبية معايير توفير الطاقة، وهناك إجماع على الإعجاب بمصباح «ايلوجيك» المتوهج الذي يتسم بجمال لون الضوء (اصفر باهت) كما انه مريح للقراءة والدفء، ويعمل المصباح لفترة أطول بـ50 في المائة مقارنة بالمصابيح الأخرى، كما أن حجمه اصغر بنسبة 30 في المائة ويستخدم كمية طاقة أقل بـ5 في المائة مقارنة بالمصابيح المتوهجة الأخرى. على الرغم من هذا، فإن هناك عددا من المصابيح الكهربائية المتوهجة وجدت قبولا فضلا عن تصميماتها الجذابة. اعتبر «تي سي بي هوم سوفت وايت»، على سبيل المثال، «ضوءا دافئا وجذابا»، فيما اعتبر «تي سي بي سبرينغ لايت/سوفت وايت» «اكثر دفئا من المصابيح الكهربائية البراقة». ثمة قبول عام أيضا لـ«ماكسلايت سبيراماكس» الذي اعتبر نوعا جيدا ونظيفا من المصابيح الكهربائية. في إطار تجريب مصباح النيون صغير جرى تغيير الغطاء القماشي للمصباح بغطاء كرتوني غير شفاف، وتغير لون الضوء على الجدار كما تغير أيضا شكل الأغراض الموجودة حوله وكذا درجة دقة الظلال على نحو جيد والعكس أيضا. ويقول واحد من الذين اجروا التقييم ان ذلك بمثابة تذكير بأن الأمر الأكثر أهمية هو كيفية انتشار الضوء في أنحاء الغرفة. وقال آخر انه يجب النظر إلى كل المتغيرات، مشيرا إلى انه ليس هناك مصباح كهربائي يناسب كل الأوضاع. يقول مصممون وخبراء ان الطريقة الصحيحة للتفكير في الضوء تتطلب تجاوز مجرد البحث عن مصباح كهربائي يساعد على توفير الطاقة إلى التأكد من تطبيق التكنولوجيا الصحيحة. ويقول بول اوستربروك، مدير وصاحب فرع شركة «هولتكوتر» الألمانية في الولايات المتحدة، ان الضوء لا يعني أي شيء إذا لم يضعه الشخص في المكان الذي يحتاجه. مصابيح النيون الصغيرة الدافئة ربما تكون اكثر فائدة في إضاءة غرفة كاملة، على سبيل المثال، إلا ان ضوء النيون لا يعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها ضوء الهالوجين، لذا فإن مصباح هالوجين واحد يمكن وضعه في المكان الصحيح هو أفضل خيار وأكثر طريقة مناسبة لتوفير الطاقة. ويقول المصمم البريطاني توم ديكسون ان السياق الذي يستخدم فيه الضوء هو الجانب المهم وانه من الضروري التفكير جيدا في الطرق التي يتم بها توجيه الضوء إلى الموقع المرغوب فضلا عن وضعه في المكان الملائم. وأضاف ديكسون قائلا ان اتباع الطريقة الصحيحة في توزيع المصابيح التي تساعد على توفير الطاقة يضمن إضفاء جمال على المكان، ويرى أيضا ان أي شخص يحتاج إلى خلط مزايا الضوء في عالم اليوم، مؤكدا انه يمكن استخدام مصابيح النيون في كل أشكال الإضاءة المطلوبة مع تحديد موقعين يمكن ان يستخدم فيهما ضوء الهالوجين. ويرى ديكسون ان المشكلة الرئيسية لمصابيح النيون الصغيرة تكمن في رغبة الشخص في التغيير، وأضاف قائلا ان نفس الشيء حدث عندما حلت مصابيح الغاز محل الشموع. كما قال أيضا ان نوعية الإضاءة مختلفة تماما وان ثمة حاجة إلى بعض الوقت لكي يعتاد عليها الناس.

ربما يكون التعديل ليس بالصعوبة التي تخيلها البعض، إذ ان المنتجين الذي لا يزالون يسعون إلى توفير نوعية إضاءة أفضل يتسابقون أيضا لتطوير مصابيح النيون والهالوجين كي تطابق المعايير الجديدة. وأشار إلى انه ربما تتوفر مستقبلا أنواع متعددة من المصابيح الكهربائية التي تساعد على توفير الطاقة.

وقال مصمم أوروبي آخر هو ريتشارد سابر، انه يعتبر نفسه شخصا تقليديا في مجال الضوء والإضاءة، على الرغم من انه ساهم في تقديم مصباح الهالوجين المنزلي «تيزيو» عام 1972 و«هالي» بعد 33 عاما. لدى سابر أفكار محددة حول الضوء بصورة عامة «فعلى سبيل المثال ضوء القطب الشمالي خلال اليوم دون ان تكون هناك شمس هو النوع الوحيد الذي يعكس اللون الطبيعي». وحول ضوء مصابيح النيون قال ان ثمة مشكلة أخرى إلى جانب لونها تتمثل في انتشار الضوء، فيما ضوء مصابيح النيون يأتي من نقطة محددة. لعله من المفاجئ ان تكون كل مصابيح منزله في ميلانو قد استبدلت بمصابيح نيون صغيرة، مبررا هذا بان زوجته تدرك المشاكل البيئية، موضحا انه لم تترك أمامه أي خيار فيما يتعلق بنوع المصابيح الكهربائية المستخدمة في المنزل، علما بأنه لم يكن متحمسا في بداية الأمر، لكنه الآن يقول انه يفضل ضوء النيون التقليدي، وأنه تعود على الوضع الجديد.

* خدمة «نيويورك تايمز»