شباب لبنان.. كلما زاد المدخول تضاعف المصروف

بين التوق إلى الرفاهية والصعاب المادية

TT

هوايات مكلفة، سيارة أحدث طراز، آخر تقليعات الهاتف المحمول، آخر صرعات الموضة من الماركات العالمية، اضافة الى ضرورة السهر أسبوعيا والخروج للترفيه عن النفس، كل هذا اصبح من الأولويات التي تدغدغ أحلام بعض شباب لبنان، لكن كما يقول المثل الشعبي:«العين بصيرة واليد قصيرة». ففي حين نجد ان هذه التفاصيل أصبحت مهمة لدى بعض الشباب وكأنها من الأساسيات التي لا بد منها، نجد ان القدرات المادية المحدودة لا تساعد على تحقيقها في كثير من الأحيان. وحتى في هذه الحالة تبقى عصية على الإلغاء وتخضع الى تعديلات تندرج ضمن ما قد يطلق عليها «برمجة الرفاهية». وهكذا يدخلون في صراع مع الديون التي تتراكم يوما بعد يوم ومع توقهم الى الاستمتاع بحياتهم.

ولا يحول تفاوت المستويات الاجتماعية دون سعي البعض من الجنسين للحاق بركب هذه الظاهرة، ويتجلى الاختلاف في كثير من الأحيان في كيفية التطبيق فقط. ففي حين تبقى عناوين الاهتمامات العريضة مشتركة بين كل الفئات، يظهر الاختلاف في نواح أخرى، مثلا في طبيعة الأماكن التي يتوجهون اليها بحسب كلفتها المادية. كذلك ما يتعلّق بالسيارات التي يعتبر وجودها رمزا للرفاهية والتميز عمن لا يمتلكها لسبب أو لآخر. يقول سامر (21 عاما):«لا أزال أتابع دراستي الجامعية. ومتطلباتي الدراسية والحياتية تحتاج الى ما لا يقل عن 400 دولار شهريا بما فيها قسط المعهد الموسيقي، حيث امارس هوايتي المفضّلة، وطبعا لا ننسى الخروج مع الاصدقاء والسهرات الأسبوعية. وبما أنه لا يمكنني أن أعمل بموازاة دراستي، فلا بدّ لي من الاعتماد على والدي للحصول على هذا المبلغ شهريا». هكذا يختصر سامر «مصاريفه الشهرية»،لكنّه يعترف في الوقت نفسه بأن هذا المبلغ قد يرتفع ويصل الى حد 500 دولار، اذا ظهر ما لم يكن في الحسبان، من هدية يوم ميلاد صديق أو دعوة الى عشاء أو غداء وغيرها من الأمور التي ترفع الفاتورة الشهرية «حينها أضطر للاستعانة بإخوتي العاملين، لتخفيف الحمل قليلا عن أبي».

وتعزو الأستاذة في كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، إلهام كلاب البساط، توق الشباب بشكل عام واللبنانيين منهم بشكل خاص الى الرفاهية الى الانتشار العالمي للنزعة الاستهلاكية، الأمر الذي حوّل كل السلع الاستهلاكية الى ضروريات. وتعلق:«عدم تقديم المجتمع اللبناني أشياء مهمة للشباب يجعلهم يتحوّلون الى اهتمامات أخرى تعطيهم احساسا بالقيمة النفسية والمعنوية. فالشراء هو نوع من دواء لإسكات الوجع والضياع، رغم وجود التعارض الواضح بين القدرة الشرائية ورغبة الشراء المتزايدة».

«كلّما زاد المدخول، تضاعف المصروف»، بهذه الكلمات تعبّر هالة 25 عاما التي تعمل في أحد المصارف منذ ثلاث سنوات عن طبيعة حياتها. وتقول:«بين الوجبات الغذائية التي أضطر في بعض الأحيان إلى تناولها خارج البيت، والأزياء وحاجاتي الخاصة ومصاريف السيارة وقسط الكومبيوتر الشهري، اضافة الى فاتورة الهاتف المحمول، مع ما يرافقها من مصاريف أخرى كالخروج مع الاصدقاء مرّة أو مرّتين أسبوعيا، تصل الفاتورة الشهرية الى صرف كل المدخول الشهري الذي يبلغ 650 دولاراً». وتؤكّد أنه قد لا يكفيها في أحيان كثيرة للإيفاء بكل هذه المتطلبات، بل تضطر الى طلب العون من والديها لسد الفراغ المادي. لكن وضع سامر وهالة قد يراه بعض زملائهما أفضل بكثير من أوضاعهم، على اساس انهم يرزحون تحت عبء المصاريف بدءا من دفع إيجار غرفة بالقرب من الجامعة مرورا بمتطلبات الدراسة وصولا الى كلفة التنقلات، وآخرا وليس أخيرا، أدنى مقومات العيش من الطعام والشراب. هذه هي حال ريم، 21 عاما، التي تقيم مع صديقاتها في سكن للجامعة وتتقشّف في توزيع مصاريفها التي لا تزال، وفي ظل صعوبة الحصول على وظيفة، تنتظر آخر الشهر ليرسل لها والدها مبلغاً لا يتعدى 200 دولار في أحسن الأحوال. وعن الفجوة الحاصلة في المجتمع اللبناني بين متطلبات الشباب المتزايدة، والواقع الاقتصادي المتردي، تؤكد «البساط» التعب النفسي الذي يعيشه هؤلاء بسبب النظرة السائدة، وهي ربط السلعة بمبدأ عدم الاستغناء عنها، اضافة الى التكنولوجيا المكلفة والتي دخلت بدورها صلب دراساتهم وأسس تقدمهم، وبالتالي فهم يعملون جاهدين وبصعوبة كبيرة للحصول عليها في ظل الغلاء المستشري الذي يمنع عليهم امتلاكها بسهولة.

وهذا ما يؤكده ناجي ( 22 عاما)، الذي يحاول جاهدا برمجة مصاريفه بما يتلاءم مع مدخوله المادي، فهو يتابع دراسته الجامعية ويعمل مدرّسا في الوقت عينه، ويقول موضحا:«اتخذت قرار الاعتماد على نفسي منذ أن بدأت دراستي الجامعية، اي منذ ثلاث سنوات، وهذه مسؤولية مضاعفة تفرض علي توزيع مدخولي المادي بما يتلاءم مع متطلباتي الجامعية وحياتي الاجتماعية، لذا فان مصروفي الشهري لا يقل عن 350 دولاراً». ويفصّل ناجي توزيع حاجاته الشهرية على الشكل التالي، بين خمسين وستين دولاراً شهريا للتنقلات، وحوالي 42 دولارا للهاتف الخلوي و40 دولاراً للاشتراك في النادي الرياضي، وما لا يقل عن 50 دولاراً لشراء قطعة ثياب واحدة. ويعلق:«هذه الأمور تعتبر من الثوابت التي لا يمكن التلاعب بها شهريا، لكن بالطبع هناك مصاريف أخرى أيضا مهمة للترفيه عن النفس، ولكن نحاول قدر الامكان تقليصها بما يتلاءم مع قدراتنا المادية. فمثلا الخروج مع الأصدقاء مرتين أسبوعيا يتطلّب دفع حوالي 15 دولارا في كل مرّة بالحد الادنى، اضافة الى مصاريف أخرى تظهر بين ليلة وضحاها من دون أي حساب مسبق». ويشير ناجي الى أمر مهم وهو عدم قدرة الشباب اللبناني على ممارسة هوايته التي أصبحت حملا ثقيلا ومتعة مكلفة لا خيار له الا شطبها من اللائحة: «أميل الى ممارسة هواية الصيد، ولكن تكلفتها المادية العالية جعلتني أعزف عنها الى حد ما وأكتفي بمزاولتها فقط مرتين في الشهر». وفي حين تضع «البساط» الحياة التي يعيشها عدد كبير من الشباب اللبناني في خانة الترف نظرا لاشتمالها على أمور اضافية فرضها الواقع المجتمعي حيث يعيشون، تعتبر أن هناك هوّة كبيرة بين المصاريف التي يتكبّدها السواد الأعظم منهم، والتي تصل الى معدّل وسطي هو 300 دولار أميركي شهريا، ومداخيلهم المتدنية، خصوصا أن الحد الأدنى للأجور استقرّ منذ سنوات عدة على ما يقارب 235 دولارا.