دور الضيافة في مراكش.. تنويع في الديكورات ومحافظة على الأصالة

تقترح على نزلائها الاختيار بين شهرزاد وكينيدي ومارلين ودالي وأوناسيس

تتجلى نقطة قوة دور الضيافة في محافظتها على الطابع التقليدي للمعمار
TT

لا تتميز دور الضيافة بمراكش بمحافظتها على أصالة المعمار التقليدي المغربي، فحسب، بل إنها استطاعت أن تضمن لنفسها تنويعاً على مستوى الديكورات والأثاث، تماشياً مع الحاجة التي صار يتطلبها تسويق خدماتها السياحية، وفي الوقت ذاته مسايرة تنوع جنسيات وثقافات الزوار القادمين من مختلف بلدان العالم، الشيء الذي يتطلب تلبية مستمرة لتوقعاتهم، حتى لا يكون الزبون بصدد دار تقليدية مستنسخة، تشعره بالرتابة.

ويبدو أن أول تنويع على مستوى الخدمات التي تقدمها دور الضيافة، توزعها إلى خمسة أشكال وأصناف، حيث نكون مع «الدار»، «الرياض»، «القصر»، «القصبة»، و«الفيلا»، وهي تشترك جميعها في أنها مساكن لها طابع وشكل تقليدي، يوجد معظمها بالمدينة القديمة، وسط الأحياء الشعبية، فيما يوجد بعضها الآخر في منطقة «النخيل» وفي منطقة «أوريكا».

ويبقى الديكور، الذي يؤثث ويميز كل دار ضيافة عن الأخرى، أبرز تنويع يمكن التوقف عنده، حيث نكون مع تنوع داخل وحدة التسمية.

وتعتبر دور الضيافة في مراكش، التي اقترب عددها من الألف، مؤسسات خاصة للإقامة لها طابع سياحي، وتتميز بطبيعتها الخاصة وقدرتها الاستيعابية المحدودة ووجودها في بيئة لها وجهة تراثية وسياحية مهمة.

وتتجلى نقطة قوة دور الضيافة في محافظتها على الطابع التقليدي للمعمار، حيث يحس المقيم، أو النازل، فيها كما لو أنه يستعيد عوالم ألف ليلة وليلة وسحر الشرق الذي ظل يداعب خيال الغربيين، الشيء الذي يؤكد أن إعادة الاعتبار إليها كنمط سكني جاءت تلبية لحاجة الأجانب، الذين كان لهم فضل إعادة الاعتبار لهذه الدور، بعد أن كان معظمها متروكاً للضياع والخراب.

ويبدو أنه بقدر ما تتوحد دور الضيافة في مرجعية تقليدية من حيث الشكل العام للمعمار، فإنها تختلف في ديكوراتها وطريقة تأثيثها، وأيضاً، في بعض التفاصيل والجزئيات البسيطة التي يمكن أن ترتبط بطبيعة الزبائن والموقع، بشكل خاص. وهو تباين يمكن رده إلى نمط تفكير أربابها والحرية التي يمنحونها لأنفسهم لأجل تهيئة دور تتوافق وأذواقهم على مستوى الديكور والأثاث. وتلتقي معظم دور الضيافة في استثمار سماء المدينة بزرقتها وأسطح دورها القديمة، كما تشترك في السجاد الذي يبسط على الأرض في لوحات تجمع أصالة التاريخ بفن رسم يتوسط بالخيوط والألوان التي يغلب عليها الأحمر بشكل عام.

وتتميز غرف وأجنحة دور الضيافة بطابعها الشرقي، في الغالب، وغالباً ما تعلق فيها لوحات تساير شكلها العام، الشيء الذي يفتح الأعين على ما تحيل عليه وما تحركه في النفس والخاطر من ذكريات وأحلام. أما في الصالونات الصغيرة، التي تتوسط هذه الدور، فنكون مع تقليد يروم «تحديث» ما يوضع رهن إشارة النزلاء، عبر ديكورات يتم الإصرار على جعلها تنطلق من روح البلد والمدينة قبل أن تمنح هامشاً للتقريب بين مختلف الثقافات، أفريقية أكانت أم آسيوية وأميركية، وذلك بما يحقق تنوعاً في التفاصيل والديكور داخل وحدة دور لها طابع المعمار التقليدي المغربي.

ويعتبر «المنزل العربي» أحد أبرز وأجمل نماذج دور الضيافة في مراكش. وكان في الأصل من المطاعم القديمة بالمدينة، قصدته، منذ فترة الحرب العالمية الثانية، شخصيات مشهورة، نذكر من بينها ونستون تشرشل وبول بولز وإرنست همنغواي والملكة إنغريد (ملكة الدانمارك).

وخلال عقد التسعينات من القرن الماضي، اضطرت مالكته الفرنسية، بعد ان وجدت صعوبة في أن تفتح أبوابه يومياً، إلى نقل ملكيته إلى مالك جديد احتضن المطعم تاريخاً وفكرة ومشروعاً للمستقبل. لم يكن المالك الجديد سوى الأمير الايطالي فابريسيو روسيليو، الذي شرع في بداية عام 1994 بتوسيعه وتجديده بتحويله إلى منزل بكل ما للكلمة من معنى، محافظاً له على كبرياء التاريخ ومؤثثاً له بما يلخص لفخامة الفنادق. لم يكتف الأمير فابريسيو بالمطعم، بل أضاف إليه «رياضاً» مجاورة، علاوة على الدار التي كانت تسكن بها المالكة السابقة للمطعم. وبعد سنتين من الإصلاح والترميم، استقدم خلالها الأمير الإيطالي حرفيين مغاربة مع حرص شديد منه على أن يتابع ويسهر على إصلاح الدار بنفسه مع منحها صبغة عربية خالصة تكون وفية لاسم «المنزل العربي»، عبر استعمال صباغة «تدلاكت» الحمراء اللون والجص والخشب. واحتراماً لذاكرة المكان واستثماراً لرمزيته التاريخية، احتفظ روسيليو لـ«المنزل العربي» بنفس الاسم، لكنه اختار لغرفه وأجنحته أسماء تبدو كما لو أنها خرجت للتو من بين دفاتر حكايات «ألف ليلة وليلة». فعند زيارته نتعرف إلى غرف وأجنحة تحمل أسماء «علي بابا»، «شهرزاد»، «سندباد»،«شمس»، «نهار»، «نور»، و«جعفر» مثلاً، مع صالون خاص بكل غرفة أو حتى سطح ينفتح على سماء مراكش بزرقتها الدافئة.

وتبدو كل الغرف والأجنحة وفيّة لبذخ حكايات «ألف ليلة وليلة» بألوانها وسحرها، لكنها تضيف إلى كل ذلك بعضاً من تكنولوجيا الحداثة عبر شاشات التلفزيون ومكيفات، على الخصوص، إلى جانب حمام «بلدي». وتماشيا مع اسمه، يتميز «المنزل العربي» بابتعاده عن الطابع العصري للديكور، مع أخذه بألوان تراثية تساير شكل سائر الغرف والأجنحة والصالونات.

وإذا كان «المنزل العربي»، الذي يوجد في حي باب دكالة، على بعد خمس دقائق من ساحة جامع الفنا الشهيرة، قد اختار لنفسه اسماً عربياً، وأعطى لغرفه أسماء تحيل على الحضارة العربية الإسلامية، فإن فندق «لوتيس أمبر» اختار لنفسه اسماً بلكنة غربية، كما أنه أعطى لغرفه وأجنحته أسماء غربية، ومنح جدرانه لوحات يستحضر معظمها بورتريهات ومناظر تتوزع بين المغربية والغربية أو الآسيوية، علاوة على أن صباغة «تدلاكت» لم تقتصر على اللون الأحمر المراكشي، حيث نكون مع اللون الأسود، كما هو الشأن مع المدخل المؤدي إلى مكتب الاستقبال. وهو سواد تعلق عليه لوحات، منها ما يحيل على الرسام الإسباني «بيكاسو».

وفي الوقت الذي تحتفظ فيه قاعة «المطالعة» ببعض اللون المراكشي، من خلال لوحة تنقل لفناني موسيقى كناوة، فإن البهو، الذي يقود إلى جناح «كينيدي» وغرف «غوته» و«ماو» و«مارلين»، يجعلنا بصدد لوحات لبورتريهات من الهند لا نعرف أسماء أصحابها، أو لمشاهير من نجوم العالم المعاصر، أمثال «مارلين مونرو» و«جاكلين كينيدي».

ويلتقي «المنزل العربي» و«لوتيس أمبر» في قربه من جامع الفنا ومن فرصة التمتع بمشهد بانورامي يمتد على أسطح المدينة القديمة وصومعة الكتبية، في احتفاء تام بزرقة السماء وسحر الليل.

وليس «رياض لوتيس أمبر» إلا واحداً من سلسلة دور ضيافة «رياض لوتيس»، التي تتكون من ثلاث «رياضات» وفيلتين بمراكش و«رياض» رابعة بمدينة الصويرة، تشترك كلها في أنها تحيل في ديكوراتها على فنان واحد قام بتشكيل ديكوراتها، هو أنطوان فان دورن، الشيء الذي يجعلها تشترك، إلى حد بعيد، في التصميم وشكل التأثيث، الذي يستحضر نمطاً متقارباً.

وكما هو الشأن مع «رياض لوتيس أمبر»، تأخذ أجنحة وغرف «رياض لوتيس بيرل» و«رياض لوتيس بيرفيلاج» و«رياض لوتيس أومارين» و«فيلا لوتيس سافينيو» و«فيلا لوتيس إيفا» أسماء مشاهير ونجوم الغرب والعالم، أمثال «نيوتن»، «دالي»، «جيمس موريسون»، «فيلليني»، «ماريا كالاس»، و«أوناسيس»، مع العلم أن أسماء «أوناسيس» و«ماريا كالاس» و«كينيدي» أطلقت على الأجنحة الأغلى، فيما أعطيت الأسماء الأخرى للغرف، لكنها كلها تشترك في انفتاحها على حداثة التلفزيون والفضائيات والانترنت، الشيء الذي يجعل النزلاء يعيشون بعضاً من ليالي «ألف ليلة وليلة» بطابع ولون معاصر.