«كيبس باي».. تلوين الغرف الصغيرة بالجنون والفنون

عندما لا يمكنك خلق مساحة.. يمكنك خلق مناخ عام

TT

دخلت الجهود الرامية لإحداث تحول درامي وقوي بـ«مانهاتن هاوس»، وهو مبنى باهت اللون يقع بشارع «إيست 66»، إلى آخر يعبر عن رفاه وفخامة الماضي، مرحلة جديدة منذ بضعة أسابيع.

في أمسية من الامسيات الهادئة، جثا «لاري لاسلو»، مصمم الديكورات الداخلية المحنك، على ركبتيه يفكر في طريقة لتحقيق ذلك. كان «لاسلو» واحدا من بين 22 مصمما تم منحهم غرفا داخل ست شقق، يمكن لهم إضفاء بصماتهم الشخصية ورؤاهم الفنية عليها، استعدادا لمهرجان «كيبس باي» المتخصص في تصميم الديكورات الداخلية. يذكر انها المرة الأولى، منذ 36 عاما، تتم فيها إقامة المهرجان، الذي سيبدأ في 22 مايو، داخل مبنى للشقق بدلاً من منزل كبير. وأكد هذا الاختيار على حقيقة مهمة يدركها سكان مدينة نيويورك وأصبحت تشكل واقعا مؤلما في كل مكان، وهي أن العقارات محدودة الحجم باتت واقعًا لا مفر منه. وعلق «لاسلو» على الأمر قائلاً:«في مانهاتن، لديك غرفتك الصغيرة وعليك أن تحبها لأنها كل ما تملك. لا يمكنك خلق مساحة، لكن بإمكانك خلق مناخ عام». وتمثل الحل الذي ابتكره «لاسلو» لهذه المسألة في صنع محارات ذات لون أبيض لامع داخل المساحة التي منحت له. وقال:«أحب الأبيض الذي يتوفر على انعكاسات ألوان أخرى»، مشيرًا إلى قطع من الأثاث جلدية، خضراء اللون وكرسي أرجواني اللون أيضا. على مدار عقود، شكل مبنى «مانهاتن هاوس» الممتد بين الطريقين الثاني والثالث وشارعي 65 و66، رمزا لنمط معين من الحياة داخل المدينة. ويبدو في الواقع، بشققه البالغ إجمالي عددها 583، كمدينة قائمة بذاتها. من جانبه، أشار «ليثجو أوبسورن»، مدير «كاسا ديل بيانكو ستوديو»، وهي شركة تحظى بشهرة كبيرة في مجال المفروشات، إلى الوصف الذي اعتاد سكان المبنى إطلاقه عليه، وهو «حجرة انتظار السماء». أما «توم شرير»، مصمم الديكورات الذي يعيش بالقرب من منطقة «جراميرسي بارك»، فيصف المبنى بأنه «كان دوما الخطة البديلة»، بمعنى أن الأفراد كانوا يتجهون إليه عندما يعجزون عن تنفيذ الخطة الأصلية، وهي التمتع بحياة جيدة في نيويورك لعدم توافر الموارد المالية اللازمة لذلك. من المنظور المعماري، بدا المبنى للأفراد غير المعتادين على مبادئ «المدرسة الحديثة» قبيحًا وباهت اللون. أما بالنسبة للمصممين المعماريين المولعين بالحداثة، فالمبنى بمثابة أيقونة فريدة صممها «جوردون بنشافت» بشركة «أونجز آند ميريل» وتم بناؤه عام 1950. وشكل المبنى نموذجًا لما سيكون عليه الشكل المعماري للمباني السكنية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي تغلب عليه الفخامة والأناقة. بمرور السنوات، فقد «مانهاتن هاوس» بهاءه. إلا أنه في الوقت الراهن يمر بعملية إعادة تشكيل كامل، وبات المعنيون بتطويره يصفونه الآن بمبنى يدل على الرفاهية. ويأتي مهرجان «كيبس باي» في إطار عملية التطوير التي تنظمها «دولي لنز»، مقاولة المبنى، و«هاريت وينتراوب»، مسؤول العلاقات العامة بمدينة نيويورك الذي تولى منذ أمد بعيد مسؤولية تسويق المهرجان. ولا تزال نقاط الجذب في «مانهاتن هاوس»، كما كانت دومًا، تمتعه بقدر كبير من الضوء وحسن التصميم، ويحاول المعنيون بتطوير المبنى تعزيز هذه العناصر من خلال ضم شقق. لكن رغم تمتع المبنى بنسبة عالية من الإضاءة، حيث يصل ضوء الشمس إلى أجزاء كبيرة منه، إلا أن مستوى ارتفاع السقف به ما زال عند ارتفاع ثمانية أقدام ونصف القدم. كما أن وحداته السكنية تتشابه بدرجة بالغة تجعل المعيشة به أشبه بالعيش داخل صناديق بيضاء. علق أحد المصممين المشاركين، «فيليب جوريفان»، على الأمر بقوله «في نهاية اليوم يذهب كل مقيم بالمبنى إلى ذات الصندوق».وفي محاولة للتخلص من هذا التشابه، لجأ «جورفان» لتغطية سقف الغرفة التي اضطلع بوضع تصميماتها بطبقة من مادة «الفينيل» يطلق عليها «إكستنزو» تلمع مثل ورنيش «اللك»، لكن عند ملامستها تتموج مثلما يحدث لسطح الماء عند لمسه. وأوضح «جورفان» أن تكلفة ذلك بلغت 4.000 دولار فقط، مشيرًا إلى أن تكلفة بناء سقف مصنوع بالفعل من مادة «اللك» يتكلف ما يتراوح بين 25.000 و30.000 دولار. ومن أجل تحقيق تناغم مع المظهر الجديد للسقف، عالج «جورفان» الحوائط بمادة تدعى «بوشيه» تتميز بمظهر يشبه القشرة الخارجية للأشجار أو جلد الفيل، حسب وصفه. من جانبه، تساءل «جيف لنكولن» ما الذي يمكن أن يفعله المرء بصندوق أبيض؟ وللتغلب على ذلك، قام بتغطية جدران غرفة مكتبه بورق كرتوني مقوى ومموج الشكل يحمل لوناً بنياً لامعاً. على الجانب الآخر، قام مصممو الديكورات الخاصة بشركة «برلي كيتون هاليداي»، وهي شركة استرالية مقرها مدينة سيدني، ومن المقرر أن تفتتح مكتباً لها العام الجاري في نيويورك، بتغطية جدران المكتب بلون أرجواني شديد اللمعان، حتى الأرضيات. من ناحيتهما، كلف كل من «ماثيو وايت» و«فرانك ويب» الفنانة «كلير غراهام»، وهي فنانة معروف عنها عشق العمل بأغطية الزجاجات والقطع المعدنية، بتغطية جدران غرفة نومهما بأغطية العلب المعدنية. وبالفعل، نجد على الجدران الأغطية المعدنية وآثار قطع آلة فتح المعادن على الحرف الخاص بها، الأمر الذي ذكر «وايت» بأسقف القصور الهندية المغطاة بالمرايا. أما جدران الشقة التي أوكلت لـ «سارة بنجر» فتم طلاؤها باللون البرتقالي، بينما تبدو حجرة المطبخ أشبه بالبيوت المشمسة المطلة على البحر في ميامي. وبصورة عامة، تتمحور معظم أفكارها حول الحياة في المراكز الحضرية وكيفية الهروب من حياة المدينة. من ناحيته، حاول «ستيفن ميلر سيغل» خلق ظلال برونزية لجدران شقته المصنوعة من الورق اللاصق ذي النقوش «الفينيسية». وفي حجرة المعيشة بالغة الفخامة، وضع «سيغل» منضدة قيمتها 300.000 دولار وشمعدانا من طراز «فليكس أجوستيني» بقيمة 24.000 دولار. يذكر أنه في مهرجان «كيبس باي» عام 1999، تخيل «سيغل» غرفة نوم لـ«هيلاري كلينتون»، وأشار إلى أن المتطوعين مزقوا اللوحات التي كتب عليها «السناتور هيلاري كلينتون». وقال:«لقد حان وقتها الآن. أعتقد أنه إذا تولت النساء السلطة، سيصبح العالم أفضل، من دون إفرازات إضافية لهورمون «التستستيرون». إنني رجل وأعلم كيف نحن».

أما في حجرة المكتب التي صممت ديكوراتها «سارة ستوري»، فيوجد على الأرضية تمثال للبُوءة ميتة، ومن الواضح أن الغرفة جرى تصميمها من أجل امرأة لا تعبأ بـ«التستستيرون» ولا تخشى الأسلحة النارية. وأوضحت «ستوري» قائلة «لم أرغب في تصميم حجرة أشبه بغرف الملابس. النساء أكبر بكثير من مجرد خزانة مليئة بالأحذية». وأشارت «ستوري» إلى أن تمثال أنثى الأسد يخص جدتها التي كانت واحدة من الصائدين البارزين في ما مضى. وعلى الحائط، علقت صورة بالأبيض والأسود رسمها الفنان «جاي أروتش» لامرأة تميل برأسها للخلف وتبدو وكأنها فاقدة الوعي. وعلقت «ستوري» على الصورة بقولها «أنت تعلم بما تفكر، مثل «ماذا سأفعل بهذا الرجل»؟.

خدمة نيويورك تايمز