الوداع الأخير

إيف سان لوران.. الثائر الذي غير حياة المرأة وحول الفانتازيا إلى واقعية

TT

هل تبدو لك هذه النقوشات الهندسية والفنية أو تلك المستوحاة من الأزهار والحيوانات، والفساتين الرومانسية أو المنسابة، والإيحاءات الروسية، مألوفة؟ إذا كان الرد بالإيجاب، فإنها للمصمم الذي أرسى لك خطوط الموضة العصرية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي وجعلها أكثر ديموقراطية بإعطائنا ما يسمى حاليا «الملابس الجاهزة». هذا المصمم هو إيف سان لوران، الذي خسرته الموضة الأسبوع الماضي. أسلوبه لم يغير وجه الموضة فحسب، بل حياة المرأة ككل، فقلما توجد امرأة في العالم ليست بحوزتها قطعة مستوحاة منه، وأكبر دليل على هذا القول، البنطلون، الذي اصبح قطعة اساسية في خزانة كل واحدة منا بغض النظر عن العمر والاسلوب والمكانة، والفستان "الترابيز" الضيق عند الصدر ليزيد عرضه بالتدريج إلى الركبة. وعندما يوصف أي مصمم بأنه ثوري، فقد يكون في الأمر بعض المبالغة من باب الحماس، لكن في حال إيف سان لوران، فهذه حقيقة لا نقاش فيها. فهو أول مصمم جعل المرأة تبدو أصغر من سنها بتصاميمه المنسابة "الترابيز" التي كلفته وظيفته في دار «ديور»، وهو أول من أدخل الملابس العملية مثل الجاكيت العسكري والسافاري منصات العروض العالمية، وأول من ابدع البنطلون وأنثه، وأول من أدخل الأقمشة المترفة بألوان غنية من الشرق وافريقيا، كما أنه هو الذي اعطانا الخصر العالي، والملابس «السبور» والعطور الموقعة باسم مصمم عالمي والأحذية عالية الساق التي تغطي الركبة، لكن الاهم من كل هذا، هو من أعطانا ما أصبح يعرف بموضة الشوارع الكبيرة، عندما قرر ان يجعل الموضة متاحة لشرائح اكبر عوض ان تبقى مقتصرة على «الأزياء الرفيعة» وعلى النخبة. هذا عدا انه ألهم العديد من المصممين من أمثال جون بول غوتييه وجون غاليانو، وباعتراف الثنائي الإيطالي دولتشي اند غابانا، فهما لا يبدآن تصميم أي تشكيلة جديدة من دون ان يكون كتاب يضم اعمال إيف سان لوران على طاولتهما، كذلك الأمر بالنسبة لباقي المصممين الشباب، بدءا من ستيلا ماكارتني وستيف ماكوين إلى مايكل كورس وكالفن كلاين، الذي ذهب مرة إلى أبعد من الاستلهام إلى التقليد مما كلفه آلاف الدولارات. اللافت في مسيرة هذا الفنان ذلك الصراع بين حياته الشخصية وحياته العملية، بين رقته وقوته، وهي ازدواجية انعكست على أعماله، وبالذات على تلاعبه بمفهوم الأنوثة والرجولة. لم يكن يخفى على احد تفاصيل حياته الخاصة، ولم يكن يخفى ايضا على أحد انه كان فنان معذبا، خصوصا أن رفيق عمره ودربه، بيير بيرجيه، أكد هذه الحقيقة بقوله: «لا يجب الاعتقاد بأن إيف سان لوران كان سعيدا، لكن القول انه كان تعيسا ايضا مبالغ فيه وإن كان أقرب إلى الحقيقة. لقد كان غير راض وقلقا..كان رجلا يجد صعوبة في الوصول إلى مبتغاه لأنه كان يتوخى الكمال». المدهش أنه رغم عذاباته الشخصية وخجله ورقته الزائدة التي تسببت في انهيار عصبي بعد عشرين يوما فقط من التحاقه بالجيش، كان ثوريا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لم يستمد قوته من بندقية بل من مقص سخره لتغيير وجه العالم، تارة بتفصيل لوحات تزين اجساد النساء في العالم كله، وتارة بإبراز جمال المرأة السمراء بالشكل والصورة، وهو ما فشل فيه شكسبير نفسه رغم قصيدته المشهورة «الجمال الأسود». إيف كان أول من استعان بعارضات افريقيات في عروضه، ليس هذا فقط، فقد تمرد أيضا على استاذه، كريستيان ديور، بتغيير اسلوب الدار تماما بعد موته، من خلال أولى تشكيلاته المعروفة بـ «ترابيز» التي طغت عليها الأشكال المنسابة والمثلثة التي محت الخصر تماما، مع أنه كان الجزء الذي ركز عليه ديور وارتبط بالدار حتى أصبح اسمها مرتبطا بما يعرف في العالم حاليا بـ «دي نيو لوك». نعم فاستغناء الدار عنه لم يكن حسب المصرح به انهياره العصبي بقدر ما كان خروجه عن تقاليد الدار وإرثها، خصوصا وأن اسمه بدأ يغطي على اسم المؤسس. طبعا استغل إيف ثغرة في العقد وحصل على مبلغ محترم كتعويض ساعده على تأسيس داره الخاصة مع شريكه بيير بيرجيه وأحد رجال الأعمال الأمريكيين. لم تكن هذه خيانة بالنسبة له، فهو كان يدرك أن الوقت يتغير، فقد كان يتمتع برؤية مستقبلية هي التي أرست موضة الستينات والسبعينات بل وحتى الموضة العصرية كما نعرفها اليوم. في يوم دفنه رثاه رفيق دربه بيير بيرجيه بالقول انه إذا كانت كوكو شانيل هي التي أثرت على النصف الأول من القرن العشرين، فإن إيف هو الذي ساد في نصفه الأخير. ما يحسب له انه لم يدخر وسعا لكي يرضي المرأة ويرقى بها إلى أعلى المستويات، سواء تعلق الأمر برسم لوحات فنية على فساتينها، أو التوجه بخياله إلى أماكن بعيدة لم يدخلها أحد قبله، ومن هذه الرحلات جاءت سترة السافاري والألوان الدافئة والمتضاربة إلى درجة إحداث الصدمة اللذيذة لعشاقه. ولا شك انه هو الذي فتح عيون المصممين على ان هناك آفاقا أخرى يجب استكشافها وعلمهم معنى الشجاعة. الجميل فيه ايضا انه لم يدع يوما أن كل شيء يطرحه من بنات أفكاره، فقد كان منفتحا على تغيرات العصر وأيضا على أعمال غيره، يأخذ منهم الفكرة ويصوغها على طريقته فيحملها إلى مستوى أجمل وأرفع لا يتقنه سواه. فكرة الصين، مثلا، مأخوذة من كوريج، والتطريزات الشرقية الغنية مأخوذة من بول بواريه، لكنه بمجرد ان لمسها حتى تحولت إلى ملكيته الخاصة.

* الموضة تنعى أمير الموضة

* المصممة كارولينا هيريرا:«ألهم معظم المصممين الذين أعرفهم، كان عبقريا في استعماله الألوان.. صحيح انه كان غريب الأطوار وكان فانتازيا، لكن بداخله كان رجلا بكل معنى الكلمة ومثقفا.. لقد كان إنسانا راقيا وهو ما يبدو واضحا في اعماله».

* البير إلبيز، مصمم دار «الانفان »:«كان أسطورة، قد لا يكون معنا اليوم بجسده، لكن عمله سيبقى حيا، فهو لم يغير الموضة فحسب، بل صورة المرأة ايضا، وهذا لن يموت أبدا. فهو الذي صاغ مفهوم الملابس الجاهزة، وباستلهامه من الفن والموسيقى وكل ما يتعلق بحياتنا اليومية، حول الموضة إلى فانتازيا واقعية».

* فرانسوا بينو، الرئيس التنفيذي لمجموعة «بي.بي.آر»:«بموته فقدت الموضة الفرنسية والعالم أجمع عبقريا نجح لوحده أن يحقق ثورة. فقد استطاع ان يحافظ على التقاليد والكلاسيكية وفي الوقت ذاته حدد خطوطا جديدة للأناقة الفرنسية. لقد ودعنا أكثر من مصمم فذ، لأننا في الواقع فقدنا فنانا استطاع ان يرقى بالأزياء إلى مصاف الفنون الجميلة، ونجح في التعبير عن التطورات والتغييرات الحاصلة في المجتمع من خلال إبداعاته».

* المصمم المخضرم هيبار جيفنشي:«لقد كنت معجبا به كثيرا، فقد حقن الموضة بالكثير من الشباب والإبداع. عندما فاز بالجائزة الأولى في مسابقة «مجلس الصوف الدولي» كنت من بين الحكام، وكان معملي هو المكان الذي نفذ فيه الفستان الفائز. أتذكره دائما مؤدبا ومتواضعا وأعطى الكثير. طبعا ككل فنان كانت له أعمال أقوى من أخرى، لكن كل شيء كان يلمسه كان رفيعا وفي غاية الاناقة».

* المصممة دونا كاران:«كان ايقونة عالمية، إذ نجح فعلا في ان يغير وجه الموضة بنقلنا إلى أماكن لم يأخذنا إليها أحد قبله. كان دائما صادقا مع نفسه وبما يؤمن به، سواء كان هذا من خلال توكسيدو أو التلاعب على مفهومي الرجولة والأنوثة. لم يكن يخاف ان يجرب أشياء جديدة، وكانت شجاعته ملهمة للعديد من المصممين».

* المصممة دايان فون فورستنبورغ:«إيف سان لوران هو الذي ترجم فانتازيا المرأة العصرية وأعطى نساء العالم تلك الاناقة الباريسية. كل امرأة تلبس إبداعاته تشعر بأنها أنثى حقيقية..كان ملهما».

* المصممة دوناتيلا فيرساتشي:«لقد فقدت الموضة أيقونة اخرى، أكثر ثورية، لكن سيبقى اسلوبه إلهاما للعديد من المصممين. عندما انسحب من ساحة الموضة، تقاعد برقي.. لم نعد نسمع عنه. إنه فعلا أيقونة وإن كان الكثير من الغموض لا يزال يحيط به، وهو أمر نادر».

* المصمم أوسكار دي لارونتا:«كل شيء لمسه كان رائعا: ذوقه الخاص وديكور بيته، لا يمكن مقارنة أي شيء أبدعه بغيره»

* المصمم مارك جايكوبس:«عندما قدمني بيير بيرجيه إلى إيف سان لوران، كانت لحظة عظيمة وفارقة في حياتي، لقد كان دائما قدوة وبطلا بالنسبة لي. هناك العديد من المصممين المهمين بالنسبة لي، لكنه كان الأهم من الأحياء. لقد نجح في ما لم ينجح فيه آخرون، ألا وهو ايجاد أسلوب جديد يصعب تحديده، لأنه عبارة عن أناقة في أرقى حالاتها فيها لمسة وحشية، أنوثة وإثارة..شيء اسمه حضور إيف سان لوران».

* المصممة فيرا وانغ:«أعتقد اني لا أزال في حالة ذهول. لقد دخلت عالم الموضة بسببه، فقد عشت في باريس بالقرب من داره، وكانت والدتي تعشق أعماله وهي التي جعلتني اعشقه ولم يتعد عمري الـ16 سنة».

* المصمم الكسندر ماكوين:«لقد كان السبب وراء رغبتي في أن أصبح مصمما. بالنسبة لي، فإن الموضة يجب ان تتوقع الآتي والمستقبلي، وهو الأمر الذي قام به في الستينات والسبعينات..لقد كان عبقريا ورجلا أحترمه كثيرا وأحاول ان أكون مثله».

* المصمم ستيفانو غابانا (دولتشي أند غابانا):«أنا حزين جدا لأني لم التق بإيف سان لوران، المصمم الذي كتب فصلا مهما في تاريخ الموضة، لكنه كان ملهما لنا إلى حد ان اسلوبه هو الذي شجعنا ان نبدأ في تصميم أزياء نسائية بلمسات رجالية ناعمة. كلما عكفنا على تصميم مجموعة جديدة، تكون كتب عن أزيائه على طاولتنا».

* المصممة ستيلا ماكارتني:«إيف سان لوران كان بطلا بالنسبة لأي مصمم..لقد حلمت دائما ان أكون نسخة نسائية من «إيف سان لوران».

* المصممة سونيا ريكييل:«كان فنانا كبيرا وكان أنيقا للغاية. لقد فهم الموضة وكان له حضور قوي، فهو الذي حمل راية الموضة الفرنسية عاليا وكنا كلنا سعداء بان نتبعه».