خلاف بين شريكين يتحول إلى فضيحة تزييف

زلزال عنيف يهز تجارة التحف القديمة

TT

أصابت حالة من الصدمة الشديدة «مايكل سميث»، مصمم الديكورات البارز في «لوس انجليس»، إثر تلقيه اتصالاً هاتفياً في مطلع أبريل من صديق له من لندن أخبره فيه أن «جون هوبز»، 62 عاماً، تاجر التحف اللندني المشهور بحيازته لقطع أثاث انجليزية وأوروبية فائقة الروعة وأسعاره الخيالية، يواجه اتهامات من جانب خبير الصيانة والترميم الذي عمل معه على امتداد فترة طويلة ببيع قطع مزورة. وأكد «سميث» أنه فزع لمجرد التفكير في إمكانية أن تكون القيمة الحقيقية للصندوقين المصنوعين من خشب الماهوغاني، اللذين ابتاعهما لصالح خبير مالي من كاليفورنيا وتم وصفهما في إيصال الشراء بقطعتين رفيعتين من الأثاث الانجليزي يرجع تاريخهما إلى حوالي عام 1830، بعيدة كل البعد عن القيمة المدفوعة.

وربما تكون مخاوف «سميث» مبررة، حيث تشير السجلات التفصيلية والصور الخاصة بالقطعتين اللتين ابتاعهما والمقدمة من جانب «دينيس بجنز»، خبير الترميم الذي عمل مع «هوبز» على مدى 21 عاماً، أنه تم صنعهما بين عامي 2004 و2006، باستخدام مواد مسروقة من خزانة ملابس قديمة. وقال «بجنز» إن التكلفة الفعلية للقطعتين بلغت حوالي 55.000 دولار، بينما وصل المبلغ المطلوب إلى 365.000 جنيه استرليني (736.000 آنذاك)، ما يمثل مضاعفة للسعر بنسبة تتجاوز 1000%. إلا أنه في نهاية الأمر، نجح في دفع 450.000 دولار. يذكر أنه منذ حوالي ستة أسابيع، نشرت صحيفة «صنداي تايمز» اللندنية مزاعم «بجنز» ونفي «هوبز» الشديد لها. والآن، يبدو أن ما بدأ كنزاع مالي مرير بين الرجلين تحول إلى مصدر قلق بالغ لهواة اقتناء التحف ومصممي الديكورات الداخلية بمختلف أنحاء العالم.

في الواقع، لا تعتبر القطع الزائفة والمنسوخة بالأمر الجديد داخل مجال بيع التحف القديمة، لكن الاتهامات الموجهة إلى «هوبز» ـ التي تتضمن لائحة زبائنه أمثال مصممي الأزياء «أوسكار دي لا رنتا» و«فالنتينو» ـ حال التحقق من صحتها ستمثل مؤامرات خداع انطوت على مستوى غير مسبوق من الجرأة. بدأت فصول الخلاف بين التاجر وخبير الترميم في سبتمبر. وطبقاً لما صرح به «روبرت»، نجل «جون هوبز»، فإنه كان بسبب محاولة والده التدخل في نزاع قضائي قائم بين «كارلتون هوبز»،51 عاماً ـ شقيق «جون هوبز» وشريكه السابق في نشاطه التجاري ـ و«بجنز». وأضاف«روبرت»، في إطار رسالة بعث بها عبر البريد الالكتروني، انه:«بعد ذلك قرر «دينيس» أن كلا من «جون» و«كارلتون» يتآمران ضده».منذ نشر «صنداي تايمز» مقالات تتناول هذه القضية في الشهر السابق، لجأ بعض هواة اقتناء التحف إلى دار «كريستي» للمزادات، مطالبين إياها بتقييم قطع قاموا بشرائها من «جون هوبز»، وذلك حسبما صرحت المتحدثة الرسمية باسم الدار. بالمثل، أشار «دافيد إتش. ويلسون»، الخبير البارز بمجال ترميم وتقييم قطع الأثاث المقيم بـ«نيو جيرسي»، إلى أنه سافر إلى انجلترا في أواخر ابريل السابق، بناءً على طلب من حفنة من العملاء الخصوصيين لتقييم بعض التحف التي يملكونها. وقال:«أثارت العديد من القطع قلقي. لذا فإن شكوك عملائي قائمة على أساس قوي». أما داخل نيويورك، فقد انتشرت الأقاويل بسرعة بشأن هذه الادعاءات على امتداد الشارع الخامس و«بارك أفنيو». ومن جانبه، علق «تيري ميليراند»، تاجر التحف في نيويورك ورئيس القسم الأوروبي بمحلات «سوذبي» للأثاث سابقاً، على الأمر بقوله:«جميع الأثرياء كانوا يشترون قطعا من جون أو كارلتون أو كليهما». يذكر أن «كارلتون» يبيع التحف القديمة حالياً في نيويورك، وقد نشب خلاف بين الشقيقين وقاما بحل شراكتهما التجارية عام 1993. وأوضح «ويلسون» ان «جون» رسم صورته على الصعيد العام باعتباره تاجرا رفيع المستوى، و«ذلك هو السبب وراء شعور الناس بصدمة بالغة. لقد كانوا يدفعون مبلغاً إضافياً، مفترضين أنهم من خلال ذلك يضمنون الحصول على الأفضل». واستطرد بأن العديد من كبار مصممي الديكورات في نيويورك أنفقوا أموالاً ضخمة تخص عملاءهم على قطع ابتاعوها من «هوبز»، من بينهم «جوان بابلو مولينو». أما «مولينو» فأكد أن «الأشياء التي عرضها جون كانت دائماً فريدة من نوعها وتتميز بالمرح والخيال الذي أعشقه، بدلاً من قطع الأثاث الانجليزي بنية اللون الرتيبة». وأضاف:«عندما أتسوق من أجل مشاريعي، لا أشتري بهدف الاستثمار، وإنما أقدم على شراء قطعة ما لأنها تحكي قصة داخل الغرفة. هناك بند في العقد الخاص بي ينص على أنني لست مسؤولاً عن التحف التي أشتريها. إنني أعلم الكثير عن التحف، لكنني لست خبيراً بها». على الجانب الآخر، أبدى مصمم ديكورات آخر في نيويورك، رفض ذكر اسمه، قدراً أقل من التفاؤل، حيث قال:«إن هذا الأمر محطم للأعصاب. لقد أنفقت الملايين بمحلات جون هوبز. والآن أتوقع الزج بي في السجن». إلا أن مصمم الديكورات، الذي رفض الكشف عن هويته خشية رفع عملائه دعاوى قضائية ضده، أكد عدم ندمه على اختياراته من الناحية الجمالية، موضحاً أن محل «جون هوبز» تميز دوماً بمعروضاته فائقة الجمال. على الجانب الآخر، ألغى «سميث»، مصمم الديكورات المقيم في «لوس انجليس»، صفقة الصندوقين المصنوعين من الماهوغاني، منوهاً بأن عميله «سعد بالقرار» وأكد «سميث» انه شعر بصدمة بالغة جراء هذه التجربة، مستطرداً أن: «شراء التحف يمثل آخر تجارة باقية تقوم على الثقة، فأنت تشتري الأشياء بمجرد التصافح باليد. ومن المخيف أن يسيء شخص ما استغلال هذه الثقة». أما «روبرت كوتريير»، مصمم الديكورات البارز في نيويورك، فقد أعرب عن غضبه العارم إزاء «هوبز»، مؤكداً أن القضية تعد:«خيانة هائلة للثقة. إن أحداً لم يشكك قط في نزاهته من قبل. هذا أمر مثير للأسى». على الجانب الآخر، أصر «هوبز» على أنه استعان بـ«بجنز» فقط في عمليات الترميم وصنع نسخ مصرح بها من التحف، موضحاً أن «بجنز»:«قام بصنع نسخ من حين لآخر، مرة كل عامين عندما يوجد مثلاً 10 كراسي ويرغب عميل ما في الحصول على 14، لكن (النسخ) تتم صناعتها بناءً على طلب العميل. إنها ليست زائفة، وإنما مجرد نسخ». إلا أن السجلات الخاصة بورشة «بجنز» تحكي قصة مختلفة تماماً، حيث تكشف الصور كيف أنه قام بتحويل قطع أثاث بسيطة وغير مكلفة نسبياً إلى تحف رفيعة المستوى. وعلق «بجنز» بالقول:«إن الأمر يعد بصورة أساسية إعادة كساء»، حيث تبدأ بقطعة رخيصة، ثم:«تستخدم أفضل مواد يمكنك الحصول عليها وتقوم حرفياً بكسو تصميمك الجديد بهذا الهيكل». من ناحية أخرى، تم توثيق صنع أحد أبرز إبداعات «بجنز» وهو عبارة عن مكتب مصنوع من خشب الماهوغاني عام 2006 عن طريق مجموعة من الصور التي تم التقاطها قبل وأثناء وبعد انتهاء العمل في المكتب. وتتوافق الصور النهائية مع مكتب عرضه «جون هوبز» اخيراً للبيع وبصحبته ورقة تحمل وصفاً له باعتباره ينتمي إلى بداية القرن التاسع عشر على نسق القطع التي أنتجها «مارش آند تاثام»، موضحة أن هذا المحل «أحرز نجاحاً كبيراً في اجتذاب أفراد الطبقة الارستقراطية والعائلة المالكة. ومثلما كان شائعاً بين الجهات الأخرى البارزة على صعيد صنع الأثاث خلال تلك الفترة، نادراً ما حدد المحل منتجاته بوضع ملصق أو علامة تجارية عليها».

إلا أن «بجنز» طرح تفسيراً مغايراً لغياب ملصق تجاري عن المكتب مفاده أنه هو الذي قام بتصميمه. وطبقاً لما قاله «بجنز»، فإن المواد والعمل تكلفا قرابة 100.000 جنيه استرليني، ما يعادل 180.000 دولار. أما السعر الذي طلبه «هوبز» مقابل المكتب فكان 1.2 مليون جنيه استرليني (قرابة 2.4 مليون دولار)، وهو سعر ربما يبدو غير منطقي حتى لو كانت الخلفية التاريخية للمكتب غير مشكوك فيها، إلا أنه لا يعد فريداً على هذا الصعيد، حيث سبق وأن سجل مكتب منسوب إلى «مارش آند تاثام» باعته دار «كريستي» للمزادات عام 1993 سعراً قياسياً وصل إلى 1.76 مليون جنيه استرليني. وأكد «بجنز» انه حتى قيامه برفع دعوى قضائية ضد «هوبز» لم يكن على دراية قط بأن منتجاته يجري بيعها باعتبارها تحفا قديمة، مستطرداً:«إنني مذهول تماماً». واخيراً، عرض «هوبز» زوجا من المرايا الملونة، بالإشارة إلى أنها «إيطالية الصنع وتنتمي للقرن التاسع عشر»، مقابل 58.000 جنيه استرليني (115.000 دولار). وبمجرد أن وقعت عينا «بجنز» على صورة المرايا، ادعى أنها كانت في الأصل أطرا بسيطة خالية من الزخرفة وأنه قام بإضافة عناصر جديدة عليها، منها ألواح مزخرفة.

يذكر أن ادعاءات «بجنز» ضد «هوبز» اتسعت لتشمل قطع أثاث تم بيعها في إطار مزادات نظمتها دار «كريستيز» ما بين عامي 2005 و2007. وأضاف «بجنز» أن زوجاً من المرايا، التي بيعت في نيويورك في مايو 2005 مقابل 192.000 دولار باعتبارها اسبانية الصنع وتنتمي للقرن الثامن عشر، تم صنعها في الأصل من ألواح مرايا قديمة، ربما تنتمي لمقصورة إحدى الكنائس. وفي سبتمبر 2007 باعت دار «كريستيز» في لندن لمشتر واحد مكتبين حملا أوصافا اعتبرها «بجنز» زائفة. أما المتحدث الرسمي باسم دار «كريستيز»، «توبي أنسيك»، فقال:«إننا نتعامل مع هذه المزاعم بجدية بالغة وسوف نراجع أي بضائع تثير قلقنا ونتخذ الإجراءات المناسبة حيالها». لكنه رفض توضيح ما إذا كانت الدار تنتهج سياسة تحذير أي شخص يقدم على شراء قطعة أثاث يشكك صانعها المزعوم في صحة تاريخها المعلن. واكتفى «أنسيك» بالقول:«إن تعاملاتنا مع عملائنا سرية، لكننا سنتخذ الإجراءات المناسبة بناءً على نتيجة مراجعاتنا». علاوة على مصممي الديكورات والعملاء، يبدو أن ادعاءات «بجنز» سببت القلق لتاجر آخر على الأقل، وهو «كارلتون»، شقيق «جون هوبز»، الذي يبيع الأثاث القديم الخاص بقصر اشتراه عام 2002. وقد دفعت إدعاءات «بجنز» «كارلتون» لإصدار إعلان صحافي في 7 مايو يعرض فيه توفير «تقييم على يد أحد الخبراء المستقلين والمعتمدين لأي من المواد التي تم شراؤها من شركته خلال الأعوام الـ15 الماضية، من دون تحمل العميل أي تكلفة». كما عرض البيان إعادة المال المدفوع مقابل الحصول على أي قطعة «يتم التوصل إلى أنها موضع شك من حيث صحتها التاريخية أو درجة الترميم التي خضعت لها». إلا أن البيان لم يحدد المعايير التي على أساسها سيتم تحديد ذلك.

وربما تكون أحد الأسباب التي دفعت «كارلتون» للسعي لطمأنة عملائه بخصوص علاقته بـ«بجنز»، ذلك أنه رغم رفض الأخير تحديد أي أسماء أخرى بخلاف «جون هوبز»، مبرراً ذلك بدواع قانونية، فإن السجلات المعروضة أمام المحكمة المدنية العليا بولاية نيويورك تكشف أنه رفع دعوى قضائية ضد «كارلتون هوبز» في أكتوبر 2007 في إطار نزاع حول ملكية العديد من قطع الأثاث. وتضمنت السجلات شهادة خطية من قبل «ستيفاني رنزا»، مديرة الشركة التي يمتلكها «كارلتون هوبز»، حول علاقة العمل التي ربطت بين «كارلتون هوبز» و«بجنز» على امتداد 20 عاماً والتي كانت قائمة في أواخر عام 2005 عندما كان «كارلتون» يدفع إلى شركة «بجنز» «قرابة 25.000 جنيه استرليني شهرياً» مقابل أعمال ترميم. من جانبهم، لم يشعر غالبية مصممي الديكورات، خصوصا المعنيين بالقضية بالصدمة إزاء الصلات القانونية والمهنية التي ربطت بين «كارلتون» و«بجنز». ويبدو أن الإعلان الصحافي الذي أصدره «كارلتون» لطمأنة عملائه وإبعاد نفسه عن إدعاءات «بجنز» ضد شقيقه، قد أثار لدى البعض الشك في إمكانية تورط «كارلتون» بصورة ما في عمليات التزييف.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»