عالم خاص من الفن والتصميم

«ممر ميلدرد» ببنسلفانيا.. فيه يوقد الفنانون ملكاتهم الإبداعية ويتعلمون كيف يعيشون منها

حصلت بوت على مائدة معدنية فرنسية في الشرفة لتستفيد منها في تصميم محل للمقتنيات الأثرية في منقطة سوهو بمدينة نيويورك. منضدة تعود للقرن التاسع عشر مغطاة بقطعة أثرية مصنوعة من القطن
TT

بَوْن شاسع بين التقدم الذي يشهده العالم في القرن الواحد والعشرين، وهذا الممر الذي يمتد لمسافة نصف ميل بين الأشجار والنتوءات الصخرية في التلال التي تقع في شمال ولاية بنسلفانيا الأميركية. ينتهي ما يُسمى بـ«ممر ميلدرد» بمنعطف، وهناك ترى العديد من المباني المصنوعة من الخشب يصعب تحديد الوقت الذي بنيت فيه.

شيدت مصممة الأزياء والفنانة مورجان بوت هنا موطنا للفن يُعد تجربة حية في الفن والتصميم والحياة. يبدو المكان كما لو كان «مستعمرة فنية» تحاكي بعض مؤسسات القرن العشرين، مثل رويسكروفت وكلية بلاك مونتين. وفي قلب هذا المكان تضع الفنانة بوت اللمسات الأخيرة على منزلها. يقول جورج كولومبو، وهو فنان وصانع أفلام يعيش في نيويورك ويزور «ممر ميلدرد» بصورة مستمرة، إنه بفضل رؤية بوت الإبداعية، يظهر «ممر ميلدرد» كمسرحية رائعة متناسقة، ويضيف: «تصنع مورجان عالمها الخاص كما لو كان باقي العالم غير موجود. فهو مطبوع بأسلوب حياتها الخاص وكل هذا يتميز بتناسق ملحوظ». ويحيط بهذا المكان العديد من المباني المعمارية والمناظر الطبيعية التي بناها فنانون يزورون هذا المكان، بل ويقيمون فيه، في بعض الأحيان. فهناك خيمة كبيرة للفنانة آمي يوز التي تعيش في نيويورك، وبيت صنع من غصون الأشجار للنحَّات والمصمم سكوت كونستبل، الذي يعيش في أوكلاند بولاية كاليفورنيا. وهناك أيضا حديقة جميلة صممتها بوت ومعها مارك ديون بالتعاون مع مجموعة من طلبة الفن في جامعة يال، ومبنى لديون يبدو كما لو كان مقبرة قديمة بها شواهد مصنوعة من الغرانيت والرخام عليها أسماء عدد من علماء الطبيعة الأميركيين البارزين. وبالطبع، نلاحظ أن روح بوت هي المسيطرة على المكان. وخلال الفترة من 1985 حتى 2001، التي تحول فيها التصميم والموضة والفن من النمط الصاخب إلى نمط معتدل يجسد الحداثة الجديدة، كانت بوت تسير ضد التيار، وقامت بتصميم المقتنيات الموسمية وسلسلة من المحلات في مدينة مانهاتن يتسم جميعها بالنمط الريفي. في تصميمها للكثير من ملابسها، تستلهم بوت أفكارها من الملابس التي ميزت فترة الكساد الكبير، فهي تلبس فستانا إنجليزيا يعود في تصميمه للقرن الثامن عشر وبنطالا كبير الحجم له حمالات. ويظهر في المحلات التي صممتها بالكامل نفس النمط الريفي، فالشبابيك والأبواب المميزة له وأرضية مصنوعة من الطين الجورجي وكراس قديمة وستائر وضعت في شمع العسل. (النحل وشمع العسل فكرة متكررة في تصميمات بوت، فقد كان أبوها نحَّالا في المناطق الريفية بجورجيا). وتقول بوت، التي تبلغ الآن من العمر 51 عاما: «الأمر ليس مجرد حنين للماضي أو محاولة لإعادة هذا الماضي، فأنا أعتقد أن كل هذه الفترات الزمنية تأتي لأذهاننا لتساهم في خبراتنا الحالية والمستقبلية».

وتضيف: «أهتم بالمستقبل وكيف سيكون، فأنا أهتم بابتكار مستقبل من خلال التاريخ والفن والحضارة المادية». وقبل هذا كله، تؤمن بوت أن على الفنان أن يبتكر في نسق المكان الذي يحيا فيه، وأن يحيطه بنفس الدرجة من الاهتمام الذي يوفره لعمله. رأت بوت أن هناك إمكانية للقيام بهذا عام 1997، عندما عثرت، ومعها ديون، على هذه القطعة من الأرض التي تبعد ساعتين من نيويورك وأميالا قليلة من تيلر هيل بولاية بنسلفانيا. كان المبلغ المطلوب هو 99 ألف دولار وكان هذا كثيرا جدا بالنسبة لهما، لكنهما تمكنا من إقناع فنانين من نيويورك، رينا جرين ونيلز نورمان، بالمساهمة في التكاليف. تقول بوت إن الفكرة كانت بناء مكان لهما وللفنانين الآخرين للهروب من مدينة نيويورك و«لكي نحول ممارستنا للفن إلى ميدان تفاعلي، يمكن أن نتعاون فيه». ولمدة عامين، عاشت بوت وديون في منزل قديم به موقد خشبي ولا يوجد به أي مصدر للكهرباء أو نظام للمياه. لكن مع ذلك، كان يأتي إلى المكان العديد من الفنانين، يقيمون في مبان قديمة أو في الخيام لها أرضية من الخشب الرقائقي. وفي الوقت نفسه، بدأ بوت وديون في تأسيس بناء منزلهما، وهو مبنى يشبه الحظيرة يغطيه نبات الشوكران. استغرق هذا أكثر من عشر سنوات، وخلالها تركت بوت نشاطها التجاري في نيويورك. وعلى الرغم من أن بوت مشهورة كمصممة أزياء، إلا أنها درست في معهد الفنون بشيكاغو في الثمانينات وبدأت حياتها في المجال المعماري. صممت بوت منزلها، المبنى الأساسي في «ممر ميلدرد» ورسمت مخططات هيكله الذي يبلغ 3.200 قدم مربع. وللحفاظ على الجمال الطبيعي الذي تحبه، لم تستخدم داخل المنزل ورق حائط أو دهانات ولا به توجد أي إطارات خشبية أو زخرفات. فالأبواب صنعت من شرائح خشبية أفقية، وهي الفكرة التي استوحتها بوت من حظيرة موجودة بالقرب من المكان. ويوجد بالجانب الذي يدخل منه الفرد للمنزل سقف مائل وحائط من الفولاذ الصدئ، فيما صنعت الحوائط الداخلية والأسقف من فولاذ أزرق تمت معالجته بمادة كيميائية. وصنعت درجة السلم الرئيسية من فولاذ تم تسويده، وباقي الدرجات لها أشكال وأحجام مختلفة، الأمر الذي يستدعي التركيز والحرص عند صعوده. أما في باقي المنزل فتنتشر مقتنيات بوت وديون الفنية والأشياء الأثرية ومئات الكتب وطيور محنطة وجماجم. فهو، كما تصفه بوت، مكان يناسب الشخص الذي يعيش بمفرده أو عائلة بأكملها. ومع هذا تقول: «ليس هذا هو المنزل الذي أحلم به، بل هذا ما تم تصميمه كمكان يجتمع فيه الناس ومكتبة يرجع إليها من يريد». توجد مقتنيات بوت في حجرة في الطابق الأرضي، وتشمل هذه المقتنيات بعض المشغولات النسيجية وقطع القماش، التي جمعتها على مدى حياتها، وأصبحت، كما تقول: «جزءا منا ويجب أن نتيح لها المجال لاستنشاق الهواء». ويوجد في منطقة المطبخ وغرفة الطعام، كراسي ومناضد معدنية، فيما تغطي الأرضية مفارش من جلد البقر المدبوغ، فضلا عن كمية كبيرة من الآنية الصينية على أرفف معدنية، فيما صنعت الأرضيات من خرسانة تمت تسويتها. وتجعلك النوافذ الضيقة الموجودة في مناطق مرتفعة في جوانب هذا المكان، تشعر وكأنك في كنيسة قديمة. بالنسبة لحظيرة قديمة فقد حولت إلى صالة عرض واستوديو للفنانين وطلاب الفن الزائرين. كما تم الحفاظ على بيت المزرعة الذي يعود إلى الثلاثينات من القرن التاسع عشر على نفس الحال التي وجده عليها بوت وديون. في نهاية مايو (أيار)، بدأ «ممر ميلدرد» مرحلة جديدة من التطور ليصبح «مجمعا لفن التكامل المنهجي» يتيح لنحو 16 طالبا فرصة الإقامة والعمل مع فنانين زائرين، بالإضافة إلى فنانين دائمين في «ممر ميلدرد». ويفسر ديون: «نريد بهذا توفير المناخ ليشارك أكبر عدد من الناس». سيدفع الطلاب 1.500 دولار للحصول على دورة لمدة ثلاثة أسابيع، بالإضافة إلى 1000 دولار مقابل الحصول على غرفة.

* خدمة «نيويورك تايمز»