الهنود قادمون

الشرق يتفاعل مع الغرب.. يعطي بيد ويأخذ بأخرى

TT

كانت الهند ولا تزال مصدر إلهام لعديد من المصممين العالميين، يستلهمون من ألوانها الدافئة ويغرفون من كنوزها الثقافية بنهم. في الآونة الأخيرة، مثلا، رأينا عدة مصممين، من أمثال فالنتينو، قبل تقاعده في بداية هذا العام، وأرماني وجون بول غوتييه، لا يخفون تأثرهم بالأسلوب الهندي في أعمالهم بشكل أكبر مما كان عليه سابقا، حتى انه أصبح جزءا من الجو العام لهذه الصناعة. وتظهر التأثيرات الهندية مثل الشكل البوهيمي والتنورة الطويلة في شوارع الموضة العالمية، وما عليك إلا أن تتجول بين المحلات أو تتطلع على واجهاتها لتشاهد التُنك والكورتي الهندي، مطروحين بشكل أو بآخر.

صحيح، أن هذه الأزياء تعرض على منصات ميلانو أو باريس أو لندن ونيويورك، لكنها في النهاية تصل إلى الإنسان العادي من محبي الموضة، حيث يظهر هؤلاء وهم يرتدون إما كورتي أو باشيما مع الجينز او تنورة طويلة مع قميصول. ولإظهار التقدير والعرفان للموضة الهندية، قام مصمم الأزياء الإيطالي المشهور أرماني بضم الشيرواني لأحدث تصميماته. والشيرواني عبارة عن لباس يشبه المعطف مشهور في الهند وهو يشبه السترة الضيقة. وترتدي النساء الشيرواني على التنك المحكم والفضفاض. هذا وتعترف مصممة الأزياء الإيطالية ألبيرتا فيريتي بالتأثير البارز للموضة الهندية في الغرب، قولها إن «الموضة في الهند تعتبر منبعا خصبا للأفكار في عملي. وهذا ليس بالأمر الغريب، على اعتبار أن الهند قد أصبحت أحد أكبر البلاد الآسيوية تقدما والأكثر نموا».

فضلا عن المصممين، هناك شخصيات بارزة معروفة بحبها للأزياء الهندية، ومن أبرزهم شيري بلير ومادونا ودام جودي دنش والممثلة الفرنسية صوفي مارسو وغيرهم ممن لعبوا دورهم في انتشارها وزيادة الإقبال عليها. وكان لا بد أن يصل هذا العشق، للموضة والثقافة الهند، إلى أبناء البلد الذين زاد عددهم في السنوات الأخيرة، كما زاد إبداعهم.

مصممة الأزياء الهندية ريتو بري، مثلا، أصبحت تمثل في الهند ما تمثله «ستيلا ماكارتني» في الغرب، إلى حد أن العديد من الناس باتوا يشبهونهما ببعض. بعد عرض أول مجموعة لها في باريس عام 2000، نجحت في الارتقاء بالتصميمات الهندية لساحة الموضة العالمية، وساعدت عروضها خبراء الموضة الفرنسيين على التفاعل مع العالم الروحي الهندي. وتصمم ريتو بري أزياء للعائلات الملكية مثل عائلات موناكو والأردن بالإضافة إلى عدد من نجوم هوليوود. كما ظهرت في السنوات الأخيرة مجموعة من المصممين الهنود، غيرها، يحاولون اختراق الأسواق الأجنبية، في أوروبا والولايات المتحدة ولندن وسنغافورة والشرق الأوسط، يتعامل بعضهم مع أفراد بينما تعرض تصميمات البعض الآخر في المحلات التجارية. ومن بين هؤلاء، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، ريتو كومار وريتو بري وروهيت بال ورينا داكا ومظفر علي وساتيا بول وابراهام وثاكور وتارون تاهيلياني ومانيش مالهوترا، خصوصا بعد ان ظهرت شخصيات بارزة مثل جمايما خان والأميرة الراحلة ديانا في ملابس من تصميم المصممة الهندية ريتو كومار. هناك أيضا أبوجاني وسانديب خوسلا، اللذان تعرض أعمالهما في محلات هارودز التجارية الشهيرة في لندن، وقد ارتدت كل من جودي دنش وليندي هيمنجز وصوفي مارسو ملابس من تصميمهما، بالإضافة إلى ماجي سميث وجوليا روبرتس والكثير من الشخصيات البارزة. كما وجهت دعوة للمصممتين نيتا لولا وبريا كاتاريا بوري لعرض تصميماتهما لملابس الخريف والشتاء في أسبوع الموضة لشهر يوليو (تموز) عام 2008 بمدينة روما. وستعرض نارندرا كومار أحمد وويندل رودريكس تصميماتهما في عرض أزياء في باريس في سبتمبر (أيلول) المقبل.

وقد فاجأ مانيش أرورا في أول يوم لعرض الملابس الجاهزة لفصلي الخريف والشتاء 2009، الذي أقيم في إطار أسبوع الموضة بباريس في شهر فبراير (شباط) الماضي، الجمهور، حيث ظهر الساري الهندي. وخلال عرض ملابس الصيف والربيع في باريس العام الماضي تألقت أناميكا خانا، بينما تألقت أشيش سوني في عرض «بيج أبل» خلال أسبوع الموضة بمدينة نيويورك. ومن المنتظر أن يحضر ثلاثة مصممين من الهند في أسبوع الموضة في روسمونت الاسترالية، وهم نانديتا ماهتاني ونارندرا كومار أحمد وسونام دوبال، مع العديد من المصممين من مختلف أنحاء العالم. وبعد النجاح الكبير الذي حققه مانيش مالهوتر في الهند، افتتح المصمم محلا تجاريا في دبي يحمل اسمه ليقدم من خلاله أزياءه وإكسسواراته للعالم العربي، مع العلم انه من بين زبائنه شخصيات عالمية مثل مايكل جاكسون وجون كلود فان دام وريس ويذرسبون وآخرون.

ويعد محل «أنانيا» للمصمم نانديتا ماهتاني بلندن أول محل تجاري في العاصمة البريطانية، يعرض زي الكورتا، ومن بين عملاء نانديتا، مادونا وباريس هيلتون وإيل ماكفرسون وليز هيرلي وكيرا نايتلي. ومن العوامل الرئيسية التي تقف وراء التغير الكبير في صناعة الموضة هو بناء المعهد القومي لتكنولوجيا الموضة عام 1986. يقول راثي فينيا جاه، المدير العام لمجلس تصميم الموضة في الهند: «يعود النمو الذي تشهده الموضة الهندية إلى عام 1986، عندما أسس المعهد القومي لتكنولوجيا الموضة لتدريب الطلاب على تصميم الملابس والإدارة والتقنية مما مهد الطريق أمام مصممين من الهند كي يتولوا القيادة في هذا المجال».

ويتلقى المعهد نحو 20.000 طلب للالتحاق به، كما انه يقدم دورات تدريبية للطلاب الذين لم يتخرجوا بعد وللمتخرجين على حد سواء. ويوجد الآن في البلاد على الأقل 15 مدرسة معترفا بها في مجال الموضة، بالإضافة إلى مئات من المدارس الأخرى في مختلف المناطق. وعلى ضوء الاهتمام المتنامي بين الهنود بالموضة، قامت العديد من بيوت الموضة التي تستهدف المشترين الأثرياء بفتح محلات تجارية لها هنا، مثل «دولتشي آند غابانا»، «فرساتشي»، «غوتشي» و«جورجيو ارماني». وتحتل الماركات البارزة مثل برومود ومانجو واسبري الألمانية مكانة بارزة لدى المستهلك الهندي، بجانب الماركات العالمية. ما يحسب للهند، أنها ورغم المناخ الحالي للموضة، حيث تسود ميلانو وباريس ونيويورك، فإنها قد تكون البلد الوحيد الذي لا يزال على اتصال بجذوره وأنماطه الأصلية في ما يخص الأعمال اليدوية. صحيح أن تراثها الخصب في مجال المنسوجات لا يعرض في المتاحف، لكنه لا يزال حيا على أيدي الحرفيين الهنود الذين يبلغ عددهم 16 مليون شخص، ولا تزال لهم بصمات واضحة في مجالات التطريز والنسيج والكتابة على القماش وغيرها. وهذه حقيقة معروفة، حتى إن بيوت الموضة العالمية تستعين بحرفييها في تطريز منتجاتهم نظرا لإتقانها وجودتها من جهة، ولأسعارها من جهة ثانية.

لكن المثير في الأمر هنا ان التأثير الهندي لم يعد يقتصر على الأزياء والتطريز وغيرها، بل يشمل حاليا جانب عارضات الأزياء الهنديات، اللواتي أصبح الطلب عليهن عاليا من قِبل بيوت الموضة العالمية. ومن بين أبرز عارضات الأزياء اللاتي شاركن في عروض دولية، نذكر يوالا روت وجيسي راندهاوا وشيتال مالر ودياندرا سورس وسارا مهان ولاكشمي مينوم وتينو فرغاس، وكلهن حظين بالكثير من الثناء لملامحهن الهندية. ويمكن القول بأن هؤلاء العارضات لم يخيبن الآمال وأكدن ان مقاييسهن عالمية.

ففي عام 2005، قدم الفرنسي جون بول غوتييه، عارضة الأزياء الهندية لاكشمي منون في نهاية العرض الرائع لأزياء فصلي الربيع والصيف. كما قامت هذه الأخيرة بعرض ساعات فخمة من ماركة «سواتش»، وقد ظهرت صورها على أغلفة المجلات أكثر من مرة، وهي تشارك في الوقت الحالي في حملة أزياء فصلي الربيع والصيف لعام 2008 الخاصة بدار «هيرميس». كما سبق لوكالة «اي إم جي مودلز»، وهي أكبر هيئة لعارضات الأزياء في العالم اكتشاف، مونيكانجانا دوتا، وهي عارضة أزياء هندية تبلغ من العمر 22 عاما. وحسب سيمون لوك، وهي رئيسة «اي إم جي مودلز» فإن موني تتمتع بجمال فائق ومثير.

وتضيف لوك: «هناك طلب متنام على الآسيويات في مجال الإعلان والترويج والتسويق، لذا فإن استراتيجيتنا في «اي إم جي مودلز» هي توفير مجموعة من الفتيات اللواتي يتمتعن بمقاييس عارضات الأزياء العالميات، ثم نختار من بينهن».

وتقول المصممة بايال جين: «لا تختلف عارضات الأزياء الهنديات بشكل كبير عن نظيراتهن العالميات. ويفضل في الخارج عارضات الأزياء اللاتي يتمتعن ببشرة داكنة، ما يريدونه هو عارضة أزياء هندية تتمتع بملامح عالمية».