زيارات العيد.. عندما يساوم الآباء الأبناء

أولوية اجتماعية عكس رغبة الأطفال في الترفيه عن النفس

TT

منذ ساعات الصباح الأولى تبدأ «المقايضات» بين الأهل والأطفال في ما يتعلّق بالتخطيط لبرنامج العيد، بل أحيانا تبدأ هذه المقايضات «المشحونة» ليلة العيد. فالأطفال الحالمون بمدينة الملاهي ومغامرات الشارع مع الرفاق يصطدمون كل سنة بالأهل الذين يفرضون عليهم القيام بواجباتهم تجاه «كبير العائلة» ومن ثم بقية الاقارب، والأهل يواجهون حالة تمرد لا يعرفون كيف يتعاملون معها. لكنهم في الأخير يتوصلون إلى معادلة ترضي كل الأطراف بالتخطيط الذي يراعي متطلبات الطرفين على حد سواء من دون أن تفقد أيام العيد طقوسها الضرورية. المتعارف عليه ان الكبار يحرصون على اعطاء الأولوية للواجبات الاجتماعية والاسرية، فهم يرونها جزءا من طقوس العيد وأجمل ما فيها، فيما يتمرد الأولاد على هذه الطقوس رغبة منهم في الحصول على وقتهم كاملا للقيام ببرامج ترفيهية مع اقرانهم. وخوفا من تأجيلها، يحاولون بشتى الطرق التهرب من هذه الزيارات العائلية، التي يعتبرونها مقيدة ومملة. فهي بالنسبة لبعضهم مجرد واجبات يتنقلون فيها من بيت الى آخر، حيث يتناولون نفس الحلويات والوجبات ويكررون نفس التهاني والكلمات، من دون ان يسمح لهم باللعب أو بالتحرك بحرية. قد يتبادر الى ذهن البعض، من خلال هذه المقدمة، كما لو أن الصغار مسلوبو الإرادة، ولا رأي لهم في هذه المناسبة، لكن الواقع يقول غير ذلك. فنفسهم طويل في التمرد والتذمر، مما يضعف الآباء أو يخرجهم عن طورهم. بيد انه في غالب الأحيان يتم التوصل إلى حل وسط، يرافقون فيه الأهل في تأدية واجباتهم الاجتماعية على ان يسمح لهم بالخروج بعد ذلك، خصوصا وأن الأهل باتوا يعرفون ان عدم التنازل قد يجعل هذه الزيارات واجبا ثقيلا. تقول أميرة وهي ام لفتاتين وصبي، «علينا تلبية طلباتهم كي يستمتعوا بأيام العيد وذلك بعد ان نقوم بالواجبات الاجتماعية. من الطبيعي أن يتذمروا عندما نطلب منهم مرافقتنا للقيام بالزيارات العائلية، لكننا نحاول قدر الامكان عدم اطالة فترة الزيارة كي لا يشعروا بالضجر، لا سيما اذا كنا نقصد عائلات ليس لديها أولاد صغار يتسلون معهم». وتضيف «لكنهم باتوا يعرفون أن أول أيام العيد مخصص للزيارات، وأن اليوم الثاني هو يوم خاص بهم، حيث نشجعهم على اختيار الأماكن التي يريدونها، وإن كان الأمر لا يحتاج إلى سؤال، لأنهم يفضلون تناول الطعام في أحد المطاعم والاستمتاع بألعاب مدينة الملاهي». من جهتها ترى سوسن، وهي أم لطفلين:«ان الواجبات العائلية لم تعد واسعة النطاق كما كانت عليه في الماضي. وعطلة العيد لا تتعدى اليومين، لذا علينا توزيعها بين ما نريده وبين ما يسعد أولادنا. في اليوم الأول، مثلا، نكتفي بزيارة قصيرة الى بيت أهلي، ثم نمضي معظم الوقت عند أهل زوجي، حيث تجتمع العائلة لتناول وجبة الغداء، وفي اليوم الثاني علينا تلبية دعوة أهلي للغداء، حيث تمتد الزيارة أيضا لساعات طويلة، لذا فبين هنا وهناك نحاول قدر الامكان سرقة وقت فراغ للترفيه على الأولاد اذا لم نفاجأ بزيارة تمنعنا من تنفيذ ما وعدناهم به». وتضيف:«حصل هذا الأمر مرات عدة ووقع الأولاد ضحية الواجبات الاجتماعية، حتى اننا في بعض الأحيان كنا نضطر لتأجيل حصتهم في الترفيه الى عطلة نهاية الأسبوع بدل أيام العيد».

وفي هذا الصدد، يعطي أستاذ علم الاجتماع ملحم شاوول صورة شاملة عن الواقع الاجتماعي المتعلّق بالتقاليد الاجتماعية وطقوس الأعياد ويقول:«نجد أن هناك تمسّكا اجتماعيا بهذه التقاليد والطقوس التي يعتبرها الأهل أمرا مهما لتعزيز العلاقات الاجتماعية والشعور بالألفة بين العائلات، لكن بسبب طبيعة الحياة هذه الأيام لم تعد أولوية العلاقات الاجتماعية للأقرباء بالنسبة للأطفال، بل اصبحت تتشكّل ضمن النظام المدرسي، الذي يختبره الولد في سن مبكرة، ويتيح أمامه الفرصة لاختيار اصدقائه بنفسه، بين هذا التوجه وذاك التفكير يظهر التناقض بين ما يحبه الولد وما يجبره أهله على فعله».

ويضيف «هذا الواقع يفرض سلوكا معينا على الأهل الذين عليهم التعامل ببساطة مع الموضوع، على أن يتركوا هامشا من الحرية للأولاد الذين يزيد سنهم عن سبع سنوات ويفرضوا رأيهم على من هم اصغر سناً من دون أن يغفلوا أهمية ترفيههم في العيد». ويميز شاوول بين نوعين من العائلات، فأطفال العائلات الميسورة والمنفتحة يتمتعون بهامش من الحرية في الاختيار من دون أن يتعرضوا لضغوط أهاليهم، على العكس من أولاد الطبقات العادية التي يحرص أهاليهم على التمسك بالطقوس والعادات فيخضعون لما يمكن تسميته بالمساومة بين الطرفين. ويشير الى ان «هذه الوسيلة ليست سليمة بشكل عام لأنها قد تنتهي في معظم الأحيان لصالح الأهل». ويعتبر ان التفاهم مع الأولاد أمر مهم ووسيلة مثلى للوصول الى حل يرضي جميع الاطراف. ويقول «على الأهل أن يفسّروا للأولاد أهمية القيام بهذه الزيارات، خصوصا وأنها فرصة للتعرف على اقربائهم والتآلف معهم، وبعد ذلك يترك الخيار للأولاد، اما أن يقبلوا بمرافقة أهلهم أو ان تترك لهم الحرية لزيارة من يحبون ومن يرتاحون إلى تمضية الوقت معهم».