من بلدة غلاسهوته السكسونية الصغيرة بدأ المشوار إلى الذروة

TT

> النهضة الكبرى لصناعة الساعات في سويسرا لم تلغِ نموها «الصامت» بعض الشيء في ألمانيا وفرنسا، ولا سيما في غلاسهوته، البلدة الصغيرة القريبة من مدينة دريسدن (عاصمة ولاية سكسونيا الألمانية الحالية)، حيث بلغ مستواها قمة التفوق التقني بهمة نابغين هما فرديناند أدولف لانغه وجوليوس آسمان، وبعدهما موريتز غروسمان ويوهانس دورشتاين، وغيرهم.

فرديناند أدولف لانغه أسس مشغله الذي صار اليوم معقل إحدى أرقى ماركات الساعات في العالم في غلاسهوته عام 1845، واكتسبت منتجاته مع مرور الزمن احتراما وشهرة، حتى إن القيصر فيلهلم (وليم) الثاني أوصى لانغه عام 1898 بصنع ساعة جيب فائقة الفخامة ليهديها إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بمناسبة زيارة القيصر الألماني إلى السلطنة العثمانية.

غير أن تفجّر الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة ألمانيا حمل نهاية الفصل الأول من سيرة دار لانغه العريقة، وفي آخر أيام الحرب عام 1945 قصفت مشاغل الدار ودمّرت بالكامل.

وجاءت الضربة الموجعة الثانية عام 1948 عندما أمّمت السلطات الشيوعية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشيوعية) ـ التي قامت بمساعدة الاتحاد السوفياتي في الشطر الشرقي من أراضي ألمانيا، وضمنه بلدة غلاسهوته ـ دار لانغه. ومع تأميم الدار ومصادرة أملاكها ومغادرة أبرز الورثة أراضي سكسونيا طويت فعليا صفحة مشرقة في تاريخ صناعة الساعات في غلاسهوته، وفي ألمانيا ككل.

ودارت الأيام، ومثلما طويت آخر صفحات الفصل الأول من سيرة لانغه بسبب ظروف سياسية خارجة عن إرادة الدار، جاءت عودتها من جديد أيضا بسبب السياسة العالمية، وذلك في أعقاب انهيار «جدار برلين» ونهاية الشيوعية في أوروبا، ومن ثم إعادة توحيد ألمانيا.

فعام 1990 عاد فالتر لانغه (المولود عام 1924)، حفيد المؤسس، إلى غلاسهوته وأعاد تأسيس الماركة عالميا وتسجيلها رسميا لدى سلطات ألمانيا الموحدة، بدعم من ثلة من الصانعين السويسريين على رأسهم دار آي دبليو سي ـ شافهاوزن.

فعام 1991 أسّس رجل الأعمال الناجح الراحل غونثر بلوملاين المدير التنفيذي لـ«آي دبليو سي» مجموعة «إل إم آش» القابضة التي امتلكت 100 % من «آي دبليو سي» و90 % من «أ. لانغه أوند سونه» و60 % من «جيجير لوكولتر». وعام 1994 استأنفت لانغه (التي يعني اسمها التجاري الكامل «أ. لانغه وابنه») في نهضتها الثانية الإنتاج بنفس المعايير الرفيعة التي بوأتها مكانة مرموقة في الشريحة الأعلى نوعية وأسعارا بين الأسماء العالمية الأشهر، عندما عرضت باكورة إنتاجها في مدينة دريسدن. وفي يوليو (تموز) عام 2000 استحوذت مجموعة ريشمون فينانسيير السويسرية العملاقة على «إل إم آش» بماركاتها الثلاث الشهيرة، وكانت ريشمون قد أكملت عام 1997 امتلاكها مجموعة فاندوم، مالكة دور كارتييه وبياجيه وبوم إي ميرسييه وفاشيرون كونستانتان ودانهيل وغيرها من الأسماء التجارية الشهيرة. وها هي لانغه تحتل اليوم الشريحة الأعلى بين ماركات المجموعة مع فاشيرون كونستانتان.

ما يميزها اليوم التزامها اعتماد منظومات الحركات الميكانيكية، إذ ترفض بالكوارتز مطلقا، إلا في تشكيلات تذكارية عابرة. أيضا كل علب ساعات لانغه تقريبا مصنوعة من المعادن النفيسة، وتحديدا الذهب والبلاتين، ولا يستخدم الفولاذ فيها.