العقال.. الشباب يريدونه مختلفا والأغلبية تفضله كلاسيكيا

نعم للأسود.. لا للألوان الجديدة

TT

خرجت مجموعة من الشباب السعودي عن حدود المألوف عندما قرروا تغيير لون العقال الأسود، بألوان جديدة تتناسب مع الموضة والروح الشبابية المتجددة التي طرأت على الزي الخليجي بصفة عامة في الآونة الأخيرة. وهو تغيير بمثابة الثورة إذا أخذنا بعين الاعتبار ان العقال اكتسب سواده في عهد الدولة العباسية احتجاجا وحزنا على سقوط الأندلس واستمر لقرون طويلة. يقول الشاب أحمد الدهلوي البالغ من العمر 23 عاما، أحد الذين استهوتهم موضة العقال الملون: «يناسبني كثيراً التغير الذي طرأ على العقال حيث يتماشى مع لون الثوب الذي أرتديه أو الإكسسوارات التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من أناقة الشاب في هذا العصر».

لكن ليس كل الناس يروقهم هذا التغيير، إذ لا يزال اللون الأسود الكلاسيكي هو الخيار المفضل لدى العديد من الرجال الذين لا يحبذون الموضات الجديدة مثل سامي رجب، الذي يقول: «لا أعتقد أنني سأرتدي عقالا ملونا أبدا لأن العقال أسود وسيظل أسود. يمكن أن أغير من نوعية الخيط المستخدم أو نقشته أو حجمه ولكني لن أغير لونه مهما كان».

ويوضح فراس محمد أحد المختصين بصناعته، أبا عن جد بأنه، انه منذ ما يقارب الثلاثين عاما كانت هناك ألوان وأنواع اقتصر استخدامها على فئة معينة، منها العقال الأبيض، الذي يتميز بكونه سميكا نوعا ما ويلبس بأن يطبق على بعضه ولا تكون به زوائد. وكان ارتداؤه يقتصر على فئة الشيوخ وكبار السن. كما كان هناك العقال المقصب بالخيوط الذهبي أو الفضية وهو مربع الشكل وعرف بالعقال الفيصلي نسبة إلى أن الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمة الله، وهو من أغلى أنواع العقال حيث يصنع عادة من الحرير الطبيعي ويزين بخيوط القصب الخالص سواء كان من الذهب أو الفضة، وكان ارتداؤه مقصورا على الملوك والشيوخ وطبقة التجار».

أما عن تطريزاته ونقوشاتها، فأوضح فراس محمد أنها «تأتي على عدة أشكال منها المبروم المتين والنحيف والنقشة الكويتية النحيفة التي عادة ما يفضلها كبار السن، بينما يفضل الشباب النقشات الجديدة والمبتكرة، وفي الغالب يفضلون النقشة الرسمية الناعمة المطفية أو المغطاة بقماش مخملي وتكون متوسطة الحجم. وعلى حسب طلب الزبون يمكن صنع نقشة معينة تتناسب مع مقاس الوجه وحجم الرأس».

وعموما يصنع العقال من مواد خام هي الصوف والحرير والقطن الأبيض ويستخدم في بداية تصنيعه القطن الأبيض ثم يضاف إليه القطن الأسود ويغلف بنوع الخيط المطلوب كالحرير أو الصوف. ويتميز العقال الجيد بجودة خيوط القطن البيضاء المحشوة في داخلة والممزوجة بالخيط الأسود الذي يحيط به من الخارج والجزء الخلفي من العقال، يطلق عليه اسم «العصابة أو القفلة لأنها تجمع بين طرفي الخيوط المبرومة».

ويشير فراس محمد: «يتميز كل نوع من خيوط العقال بميزة. فعلى سبيل المثال، يتميز المصنوع من الصوف الطبيعي بأنه كلما زاد استخدامه يتجدد ويزداد سواده، أما المصنوع من الحرير فيتميز بلمعان لونه، فيما يفقد المصنوع من النايلون لونه وبريقه بعد فترة من استخدامه».

ويتابع فراس محمد «تستغرق عملية تفصيل العقال الواحد ساعة كاملة، وتتم على مرحلتين. المرحلة الأولى آلية بواسطة ماكينة صنع العقال فبعد أخذ القياس ونوعية الخيوط والنقشة المطلوبة من قبل الزبون، تبدأ نقطة تغيير المقاس على الماكينة بحسب السمك والاتساع، ثم ترتب وتلف حشوة القطن البيضاء بين طرفي الماكينة لضبط متانة العقال، بعدها توضع خامة الخيط فوق حشوة سوداء من الصوف أو الحرير أو النايلون وتلف. وهنا تنتهي المرحلة الأولى وتبدأ المرحلة الثانية اليدوية بعد خروج العقال من الجهاز الآلي بشكل ممدود، يلف بعدها على شكل دائري، وتحبك أطرافة بخيوط صوف صناعي بواسطة «الميبر» ثم يأتي دور عملية الوزن على القالب الخشبي، حيث يتم طرقه عدة مرات بمطرقة خشبية ليأخذ شكله النهائي».

ويتابع فراس محمد ان «المعايير التي تحكم سعر العقال تحكمها النوعية أولا والخيوط الجيدة المستخدمة في صناعة وطريقة تشكيل هذه الخيوط في النهاية لتصبح شبيهة بالنقوش الصغيرة. وتتراوح أسعاره بين 60 ريالا سعوديا وتصل إلى 2000 ريالا سعوديا». وتجدر الإشارة إلى ان التغييرات الأخيرة التي أجريت عليه من حيث اللون، سبقتها أخرى تتمثل في طريقة ارتدائه التي كانت تحمل رسائل في بعض الأحيان عن مزاج وشخصية صاحبه. فالمتعارف عليه في المناسبات الاجتماعية أنه إذا رأيت رجلا دون عقال، فهذا يعني أن هناك حالة وفاة حيث عادة ما ينزع الرجل عقاله حزنا على رحيل شخص مهم أو عزيز عليه، بينما يلبسه ويضعه على الخلف للدلالة على المشاركة في الحزن. ولم يتوقف العقال عند الرأس بل وصل إلى معاصم الشباب والفتيات، حين ابتكرت مجموعة من الشباب أسوار الميني عقال لينشر بين أوساط الشباب وفتيات جدة، وهو عبارة عن أسوارة لليد على شكل العقال الأسود مربوط بطرفها قطعه صغيرة من قماش الشماغ الأحمر ليكون رمزا معبرا عن الوطنية والهوية السعودية وخاصة بين الطلاب المبتعثين بالخارج. كما تجدر الإشارة إلى أن الأبحاث والمراجع التاريخية تشير إلى أن نشأة العقال تعود إلى العصر الحجري، فقد وجد في بعض مناطق السعودية بأن أهالي المنطقتين الشمالية والجنوبية تحديدا، اعتمروا العقال في العصر الحجري، أي قبل 3500 سنة. وترجع بعض المصادر التاريخية كذلك أن بداية تطور العقال كانت في أوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وأصبح قريبا من الشكل المعاصر بعد أن كان أشبه برباط على الرأس فوق طاقية مطرزة، يعقد من الخلف وتتدلى أطرافه من خلف الرأس. بعد الفتح الإسلامي تغير تصميمه لدرء تشبه الرجال بالنساء، إذ كان الشبه بينه وبين العصائب النسائية قريبا جدا.