تشكيلة بيضاء توقظ الأحلام النائمة

في اليوم الأخير من أسبوع باريس للموضة الراقية.. إيلي صعب يثلج الصدر

TT

جرت العادة في كل موسم هوت كوتير، أن ينهي المصممون عرضهم بفستان الزفاف. فهو التحفة التي تلخص قدراتهم ورؤيتهم، كما أنه القطعة التي تخفق لها قلوب العذارى والأمهات على حد سواء، سواء كان هناك زواج في الأفق أم لا. في عرض «شانيل» لخريف وشتاء 2009 الأخير، مثلا، اختتم العرض بقارورة عطر ضخمة، طبعا عطر شانيل نمبر 5، فتحت لتخرج منها عروسه الساحرة وهي تتأبط ذراع عريسها، بينما أنهى كريستيان لاكروا ما يمكن أن يكون آخر عرض له، بفستان أبيض تتناثر عليه ورود حمراء، عنوانا للحب، مع طرحة بيضاء بطول متوسط، مع العلم أنه هو الذي كرر مرارا أنه يكره اللون الأبيض ويعتبره لونا باهتا وميتا لا يفتح الشهية على الابتكار كثيرا، لكنه لم يرد أن يخرج عن هذا التقليد الذي طبع موسم «الهوت كوتير» منذ بدايته، ويجعل العديد من الأمهات وبناتهن يحضرنه أساسا لاختيار فستان ليلة العمر وفساتين العرس. وهكذا توالى الأبيض وتوالت معه خفقات القلب، التي زادت دقاتها في عرض إيلي صعب. والسبب ليس لأن هذا الشرقي الذي اخترق الغرب بأسلوبه المطبوع بالفخامة، أكثر من برع في إعطائنا فساتين زفاف مغزولة بالجمال والحب والأمل والفرح، فهذا أصبحنا نتوقعه منه، إلى حد أنه كون لدينا شبه مناعة تحصن قلوبنا من الدقات المتسارعة وما قد ينتج عنها، بل لأن كل التشكيلة المكونة من 46 قطعة، غلب عليها الأبيض ودرجاته القريبة، بحيث ظهرت عارضاته وكأنهن يطرن في السحاب أو يؤدين رقصة البجع. وبدا من خلالها إيلي، وكأنه يلاعبنا تارة ويتحدانا تارة أخرى، أن نتعرف على فستان الزفاف، لأن كل قطعة تخايلت على المنصة، يمكن بسهولة أن تكون موجهة لعروس تريد أن تتألق في قطعة فخمة ومميزة، أيا كان أسلوبها. أول ما يتبادر إلى الذهن أنه إما أراد أن يحقق حلم المقبلات على الزواج، الرومانسيات والعمليات اللواتي ربما يفضلن التايورات، أو يوقظ الحلم بداخل العازفات عنه. أما هو، فكان له تفسير آخر صرح به لوكالة «رويترز»: «لقد اخترت الأبيض لأنه لون بسيط، يساعد المرأة على إظهار شخصيتها أكثر من أي شيء آخر. لقد تركت فسحة كبيرة لها لتعكس شخصيتها وتعبر عنها بالطريقة التي تختار بها الفستان وتلبسه». وهذه إشارة واضحة إلى أنه لم يوجهها للعروس فقط، بل للمرأة الأنيقة أولا وأخيرا، لا سيما مع وجود درجات أخرى مثل العاجي والسكري وأطوال وتصميمات متنوعة، تلتقي في رومانسيتها الهندسية، التي تتراقص على الشيفون والبروكار والتويد الخفيف، الذي طبع التايورات على وجه الخصوص. وهذا يعني أنه يمكن لأي واحدة منا، حتى المرأة التي سبق لها واحتفلت بمناسبة زواجها منذ سنوات، أن تلاعب نفسها وتحيي ذلك الإحساس من جديد ولو في حفل كوكتيل، بالنظر إلى الفساتين التي تصل إلى الركبة، أو خلال حفل كبير، على شرط أن لا يكون في حفل زفاف حتى لا تنافس العروس التي ستكون في هذه الحالة فعلا مسكينة، وفي موقف لا تحسد عليه. فأي واحدة ستلبس قطعة من هذه التشكيلة ستخطف الأضواء لا محالة. ومهما تباينت الآراء، فإن المهم هو أن هذا اللبناني الساحر الأنامل، ألهب الأحاسيس وجعل كل من حضر أسبوع باريس للموسمين المقبلين، لا حديث لهم سوى تشكيلته البيضاء التي لم يكسر بياضها سوى الأحجار والترتر والكريستال الذي تناثر عليها. من الصدف الطريفة أن إيلي أقام عرضه في نفس المكان الذي أقامت فيه دار «شانيل» عرضها في الموسم الماضي، الذي جاء هو الآخر مطبوعا بالأبيض من الرأس إلى أخمص القدمين باستثناء قطع تعد على أصابع اليد الواحدة، لكن الفرق هو أن هذه التشكيلة لم تكن بسيطة، لأن إيلي لا يعترف بالبساطة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل والخامات. وهو لا يمكن أن يتنازل عن أي عنصر من عناصر الترف والفخامة والتصميمات الحالمة، لأن سمعته قائمة عليها، لهذا كانت أكثر تعقيدا في تفاصيلها وفنيتها، تضج بالريش والورود الحريرية والأهم بأنامله وبصماته التي تثلج الصدر. في المقاعد الأمامية كانت هناك العديد من النجمات، اللواتي أصبحن من الوجوه الدائمة والماكيافيلية في عروضه، لأنهن بتن يعرفن أنهن هنا سيحصلن على ما يمكن أن يميزهن في مناسبات السجاد الأحمر.

مثلا، كانت هناك الممثلة ميلاني لوران، التي قالت إنها وضعت عينها على «كم قطعة مناسبة جدا». كما تجدر الإشارة إلى أنه أصبح من أكثر المصممين الذين تتودد لهم نجمات هوليوود ويلبسن إبداعاته، حيث ظهرت الفرنسية ماريان كوتيار أخيراً في فستان بتوقيعه منقوش بالبنفسجي والأزرق، كذلك المغنية بيونسي وهلم جرا، لكن المستفيد الأول من هذه التصميمات البيضاء التي تقطر عذوبة وجمالا فهو زبوناته الوفيات، خصوصا من الشرق الأوسط اللواتي يعشقن لمساته وأياديه البيضاء في كل الحالات.