يبحثون عن الرشاقة واللياقة بالركض والمشي قبل الإفطار

المغاربة يرفعون شعار العقل السليم في الجسم السليم في شهر رمضان

مغاربة يمارسون رياضة الركض جماعة في أحد متنزهات مدينة الرباط (تصوير:مصطفى حبيس)
TT

البحث عن الرشاقة تحول إلى هم حقيقي لأغلبية كبيرة من المغاربة رجالاً ونساء. وثمة اعتقاد أن أقرب الطرق إلى ذلك هي رياضة المشي أو الركض، ولهذا تحولت هذه الرغبة إلى ظاهرة منذ بداية شهر رمضان. وأصبح منظر الصائمين الراغبين باكتساب الرشاقة واللياقة، وهم يركضون في الحدائق منظرا مألوفا وعاديا. وعزا نور الدين باقوش، موظف، في حوالي الخمسين من عمره، ذلك إلى الرغبة التي تكتنف الجميع، خاصة ممن تجاوزوا سن الأربعين، في الحفاظ على صحة أجسامهم، بفضل تنامي الوعي الصحي. وقال باقوش إنه منذ أن شرع في ممارسة رياضة المشي بصفة منتظمة في «الفضاء الرياضي القامرة» جنوب الرباط ، وهي عبارة عن غابة صغيرة بالقرب من أكبر محطة للحافلات بالعاصمة، شعر بتحسن كبير لمس نواحي كثيرة من حياته، أقلها أنه بعد أن كان يشكو من أرق شبه دائم، بات يستسلم للنوم فور أن يضع رأسه على الوسادة ليلا. وبنفس الفضاء الرياضي، كان عدد من الرجال يمارسون لعبة الكرة الحديدية، في جو مرح قبل أذان المغرب.

وبخلاف الاعتقاد السائد بأن الكرة الحديدية هي لعبة المتقاعدين، فإن بعض الشباب أخذوا يتعاطونها في السنين الأخيرة بشكل ملحوظ. يشرح سعيد شرف، وهو شاب في السادس والعشرين، أن اللعبة لا تخلو من متعة وتشويق، يكفى أن يعرف المرء قواعدها ليعشقها، ويصبح من ممارسيها، فهي، حسب قوله، تتيح فرصة أوسع للتحرك وراء الكرة، كما تعوده على الدقة في التصويب باعتماد التركيز أثناء رميها.

والملاحظ أيضا أن هناك عائلات بأكملها تخرج للتريض قبل حلول موعد الإفطار، بمن فيهم الأولاد الذين يريدون قضاء لحظات من المرح، بعيدا عن الروتين الذي يسود أيامهم، وسعيا وراء إنقاص أوزانهم التي تزداد في رمضان بسبب نوعية الاستهلاك، وكثرة الأطباق التي تشتمل في المساء على كل ما لذ وطاب من الوجبات الغنية بالدهون والسعرات الحرارية.

وعلق أحد الشباب مازحا: «إن ما نفقده من وزن قليل قبل الفطور، نسترجعه بشكل مضاعف فور عودتنا إلى البيوت، حيث يكون هناك إقبال كبير على المائدة وكأننا لم نذق الطعام منذ سنين، والنتيجة التي نحصل عليها هي مزيد من الكوليسترول في الشرايين. إننا نضيع الوقت فقط، وهذه هي الحقيقة المؤلمة التي لا يريد أحد الاعتراف بها». ولم يوافقه رجل يبدو أكبر منه سنا الرأي بتأكيده على أهمية الرياضة في منح الجسد اللياقة البدنية أولا ثم الرشاقة ثانيا، قائلا إن الشرط هو المداومة عليها بانتظام، مضيفا أنها تساعد على امتصاص الصدمات، وفرصة لمصاحبة الذات في رحلة البحث عن التوازن النفسي والفكري.

وتابع هذا الرجل، الذي اكتفى بالإشارة إلى أن اسمه إدريس، أنه ما فتئ منذ مدة يشجع كل معارفه وأفراد عائلته على ممارستها، وعيا منه «بأنها قيمة مضافة في حياة الإنسان، فهي تنزع عنه الخمول والكسل، وتجعله أكثر إقبالا على مواجهة تحديات الحياة».

المثير في هذه الظاهرة أيضا، أفواج النسوة الممارسات للرياضة، بعضهن مرتديات اللباس الرياضي، وبعضهن بالجلباب المغربي، فالمهم بالنسبة لهن هو التخلص من الشحوم والدهنيات المتراكمة في الشرايين والأوعية الدموية، وإنقاص الوزن ونيل حقهن من الرشاقة. وبتزامن مع ذلك زاد بشكل ملحوظ عدد المتاجر التي تبيع الملابس الرياضية للنساء.

تعلق أمينة غريب (42 سنة) عن حلم يداعبها منذ مدة، وهي أن يعود قوامها كما كان، قبل الزواج والولادة، اللذين كان لهما تأثير كبير على جسمها، إضافة إلى الجلوس الطويل أمام مكتبها، حيث تعمل موظفة في إحدى مصالح وزارة الفلاحة بالرباط. وتابعت أن طبيبها نصحها بالمشي بشكل يومي، وأن يكون الأكل بطريقة متوازنة ومن دون إسراف، مع الابتعاد قدر الإمكان عن النشويات والحلويات.

واعترفت رفيقة لها في المشي على ضفة شاطئ وادي أبي رقراق، الذي يفصل بين مدينتي الرباط وسلا، أنها جربت من قبل عدة وصفات لتخفيف وزنها، لكنها أخفقت في تحقيق هذا الهدف بسبب انفتاح شهيتها أمام الأطباق اللذيذة التي تضعها عادة فوق مائدة الإفطار كل مساء، كما أن زوجها غالبا ما يصحب معه في طريق العودة إلى البيت «بعض الحلويات ذات النكهة الخاصة التي يصعب مقاومة رائحتها» على حد قولها. وقالت ليلى كبير بعد تردد في الحديث، إن لها سابق تجربة سلبية في الانخراط بأحد أندية مدينة الرباط، حيث كانت تمارس «الإيروبيك»، لمدة سنتين، من دون أن تفقد أي شيء من وزنها، ولذلك قررت الخروج إلى الهواء الطلق في رمضان رفقة صديقاتها، عساها تحقق مبتغاها في اكتساب الرشاقة المطلوبة، خاصة بعد أن اكتشفت أخيرا أن بعض ملابسها باتت تضيق عليها بسبب زيادة وزنها. وينتقد حميد قصراوي، وهو مهاجر يصوم رمضان هذا العام في بلده، لتزامنه مع عطلته الصيفية، إقبال النساء على هذه الرياضات، على أساس أن غالبيتهن لا يتعاملن مع الرياضة بمنطق سليم، في نظره «فهمهن ينصب على إنقاص وزنهن لاكتساب الرشاقة وليس لبناء جسم سليم، تتوفر فيه كل مواصفات اللياقة البدنية».

أما الدكتور محمد الفاطمي، المتخصص في الطب الرياضي بالرباط، فيرى أن الإقبال على الرياضة في رمضان فعل إيجابي في حد ذاته، غير أن ذلك ينبغي أن يكون مستمراً، وليس مرتبطا بالشهر الفضيل فقط، معتبرا أن من يفكروا في ممارسة الرياضة خلال هذا الشهر لأول مرة في حياتهم يرتكبوا خطأ جسيما، إذا لم يستشيروا طبيبهم الخاص للتأكد من مدى قدرة وظائف أجسامهم على تحمل مشاق بذل مجهود إضافي غير معتاد بالنسبة لهم. ذلك قد يعرض قلوبهم لمتاعب صحية هم في غنى عنها.

وشبه الفاطمي الجسم الذي لا يمارس الرياضة بأنه مثل محرك سيارة متوقف عن الحركة، ولذلك فإن تأديتها على الوجه الأكمل تقتضي أولا الإعداد لها، وعدم الانخراط بشكل مفاجئ من دون استعداد نفسي وجسدي مسبق.

وشدد الفاطمي على أن المشي هو أفضل رياضة يمكن للصائم ممارستها، لأنه لا يجهد الجسم، كما أنه لا يسبب أي مضاعفات صحية، على أن يتم ذلك لمدة نصف ساعة في اليوم، وبمعدل ثلاث مرات في الأسبوع فقط، سواء في الغابة، حيث «الأوكسجين» متوفر بشكل كاف، أو في الشاطئ أو الفضاء الرحب الذي يوحي بالانطلاق والتحرر من كل الضغوطات اليومية.

وأكد الفاطمي أن الرشاقة لا تكتسب بالرياضة وحدها، بل لا بد أن تكون مقرونة بحمية غذائية صحية، والقيام بحركات معينة تستهدف إنقاص الوزن وفق قواعد صحية سليمة، لا تترك تأثيراتها السلبية على الجسد.