أول أسبوع للموضة للرجال في الهند.. تفاؤل وطلبات

بداية مبشرة تحتاج إلى دعم واستمرارية

من عرض راينو تاهندم
TT

أخيرا وبعد سنوات من هيمنة عروض الأزياء النسائية، خصصت الهند لأول مرة أسبوعا لموضة الرجال في العاصمة الهندية «نيودلهي»؛ في ظل آمال بالاستحواذ على اهتمام الملايين من الشباب الهندي الذي استبدل العديد منه الملابس التقليدية بقمصان وبنطلونات عصرية بحكم انفتاحه على العالم. ورغم هذا التأخير، يشعر المصممون بأن مفهوم أسبوع الموضة للرجال ما زال جديدا حتى بالنسبة للعالم، وبأن الهند يجب أن تفتخر بكونها رابع دولة تقيم أسبوعا لموضة الرجال بعد لندن ونيويورك وباريس. يقول روهيت بال، مصمم أزياء المشاهير: «لم يدرك العالم أهمية موضة الرجال إلا مؤخرا، فليست الهند هي الوحيدة التي قد تخلفت عن هذا المجال، بدليل أنها تنظم رابع أسبوع لموضة الرجال في العالم كله، وهي سوق ضخم، به حصة كبيرة لملابس الرجال بالإضافة إلى أن الرجل الهندي قد أصبح على استعداد لخوض التجربة، وبالتالي فإن هناك سوقاً مبشراً».

وكان أسبوع موضة الرجال الذي يقيمه بيت الأزياء «فان هاوزن» قد تأخر مدة طويلة على الرغم من أن مبيعات ملابس الرجال تعادل 80% من مبيعات الماركات العالمية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الماركات العالمية -باستثناء عدد قليل من المصممين- لا تزال هي التي تتحكم في سوق ملابس الرجال في الهند. وقد شهد الأسبوع الأول، الذي امتد على ثلاثة أيام، شارك فيها ما لا يقل عن 28 مصمما من كافة الهند، مثل جي جي فالايا، وأشيش سوني، وراجيش براتاب سينغ، ورينا داكا، روهيت بال وتارون تاهيلياني. وكان ولع أغلبيتهم بالإيحاءات التاريخية المختلفة بداية من مملكة مقدونيا وصولا إلى إمارة راجاستان، التي نجحوا في دمجها باللمسات الغربية المعاصرة، واضحا، سواء في العروض التي شهدتها المدرجات، وهي حوالي 16 أو تلك التي شهدتها أكشاك صغيرة. اتسمت مجموعة روهيت بال في أسبوع موضة فان هاوزن بالحيوية، حيث رقص العارضون على المدرجات، وبدا عليهم الاستمتاع بالتجربة وباهتمام الحاضرين وكأنهم بهذا ينتقمون لأنفسهم من التجاهل الطويل لهم مقارنة بالعارضات.

وتصور مجموعة (بادماش) أو «الحيوية» الطبيعة الشقية والعابثة للرجل، كما أنها تحتفي بالحياة بطريقة تنضوي على مغامرة.

وتراوحت المعروضات من النمط الفرنسي القديم إلى الملابس الهندية المعاصرة، كما اشتملت على كافة أنواع الملابس بدءا من زي الكورتا التقليدي، والصديريات، والبنطلونات الواسعة، والبنطلونات الضيقة، والبذلات، وزي الشيرواني التقليدي بألوان مثل الأحمر، الأخضر، والنبيتي، والأرجواني الداكن، والبرتقالي، والبني. وتم تزيين تلك الملابس بقبعات مخملية، وحقائب كبيرة، وأحذية مدببة وأوشحة تلتف حول الرقبة.

في عرض المصممين شانتانو، ونيخيل سادت لمسة ملكية، حيث جعلا عارضيهم يرتدون أزياء مستوحاة من عصر الاسكندر الأكبر، ليصبح التاريخ حيا أمام المشاهدين من خلال أزياء التوجه (زي روماني قديم) والكابات المزخرفة، والبنطلونات الواسعة، والصنادل ذات الأربطة على غرار الملوك الذين حكموا في ذلك العصر، وكانت كافة الملابس مزينة بحزام جلدي مزخرف، لاستكمال المظهر الملكي.

وتراوحت الألوان من الأبيض إلى الأحمر والأحمر الغامق، وانتهت بأزرق داكن في محاكاة لرحلة الملك العظيم من طفولته حتى أصبح الغازي الأعظم. وكانت الخامة السائدة في العرض هي المخمل مما أضفى على المجموعة لمسة من الفخامة.

يقول شانتانو: «لقد ضجر الرجال من اللون الأسود، لذلك أضفنا ظلالا من الدرجات للون الملكي – الأحمر».

كما عرض المصمم روكي اسم من مومباي مجموعته المصنوعة من خامات لا تضر بالبشرة، مثل القطن والتول، والكتان وظهرت مجموعته في ألوان مثل البيج، والعاجي والأسود. وقد دفعه ذلك العرض إلى التعامل مع العمل في مجال ملابس الرجال بجدية. فيقول روكي الذي اكتست مجموعته بطابع فوضوي بسيط: «أتعامل الآن بجدية مع صناعة ملابس الرجال، فقد أصبحت أتعامل معه باعتباره خطوة مهمة لتطور صناعة الأزياء».

وأضاف روكي أن مجموعته تلائم الرجل المعاصر المهتم بمظهره والواثق من نفسه، وبأنه يفتخر بعملائه من المشاهير من نجوم بوليوود مثل هرثيك روشان، وجون أبراهام، وأرجون رامبال، وبعض النجمات مثل شيلبا شيتي، وكاترينا كايف، وبباشا باسو.

وعندما سؤل عن سبب تأخر إقامة أسبوع الموضة في الهند، أجاب مصمم الأزياء الفنان، أشيش سوني، الذي قدم خط إنتاج غربي الإيحاء يتسم بالبساطة وباستخدام عدد قليل من الألوان: «لقد تأخرت إقامة أسبوع الموضة في الهند بعض الشيء، لكننا يجب أن نعمل على تعزيز قوتنا. فهناك تحد كبير يواجه صناعة ملابس الرجال من حيث البنية والإحساس. فلا يوجد أمامنا الكثير لنفعله، حيث تتطلب تلك الصناعة معدات أكثر مما تحتاجه صناعة الملابس النسائية».

من جهة أخرى، قدمت المصممة الشابة ميرا مظفر على مجموعتها المميزة التي تلتزم بالنمط التقليدي، وبدا تأثير الثقافة الإسلامية بالإضافة إلى لمسات من زخارف الزاردوسي والشيكانكاري على ملابس الشيرواني التقليدية (معطف طويل يشبه الثوب يرتديه الرجال في جنوب آسيا)، وسترات الأشكانز، والشوغاز (تشبه الفستان)، والكرتا (قميص فضفاض يرتديه العديد من الناس في شبه الجزيرة الهندية)، والأنغراخاس (سترة إثنية أنيقة) وأشكال مختلفة من الصديريات التي تهيمن عليها الروح الآسيوية أو الفارسية.

وكانت مجموعة المصمم الشهير جي جي فالايا تتسم كذلك بالطابع الملكي، لكنه كان أكثر تجريدية، حيث قدم سترات وبنطلونات ركوب الخيل مزينة بزخارف دقيقة مستلهمة من «مملكة الحب».

يقول فالايا: «إن العمل في ملابس الرجال ليس بالأمر السهل، بخلاف الملابس النسائية. وأنا سعيد لأننا استطعنا أخيرا أن نقيم أسبوعا لموضة الرجال، حيث أصبح الرجال يحبون التزين، كما أصبحوا أكثر وعيا بالموضة حتى أنهم أصبحوا يبدلون ملابسهم بالكامل كل عام لمواءمة الموضة».

وعلى الرغم من أن أسبوع الرجال يعطي فرصة للمصممين الشباب وغيرهم لاستعراض مواهبهم، فإنه جذب كذلك عدداً لا بأس به من المهتمين بصناعة الملابس النسائية للبحث عن فرصة للدخول في تلك الصناعة. فعلى سبيل المثال، قالت رينا داكا إحدى المشاركات في المعرض: «لقد كنت أفكر دائما في ذلك، لكن لم تكن لدي أبدا الجرأة للبدء، فأنا لم أكن لأنضم لمجال العمل في ملابس الرجال إن لم يكن هناك أسبوع لموضة الرجال، فقد أعطاني دفعة أساسية وهي مجرد البداية». وكان اسم رينا معروفا في مجال صناعة الأزياء النسائية الراقية لمدى عقدين الآن، حتى أن منتجاتها توجد في المتاجر الراقية مثل أزا، وديزاين استوديو، وكيمايا وسيلفريدجز- بلندن، وأنثروبولوجيز بالولايات المتحدة وكوان بإيطاليا ولورد وتايلور بنيويورك. وتضم قائمة زبوناتها ناعومي كامبل، وأوما ثورمان، وسوزان فيلس هيل وغيرهن من نجمات بوليوود المشاهير مثل لارا دوتا ودايانا هايدن.

وبعيدا عن التجار المحليين، كان هناك بعض التجار العالميين، ووفقا لهم فإن أمام المصممين الهنود طريقاً طويلاً للوصول إلى العالمية في مجال صناعة ملابس الرجال.

يقول دوريس بياتريك أحد الحاضرين في العرض من متجر أنثروبولوجي بالولايات المتحدة: «كسوق، فإن المصمم الهندي ليس في مرحلة تمكنه من منافسة الماركات العالمية، لكن المسألة مسألة وقت واستثمارات قوية».

ويقول دايفيد شنيدر من متجر «ليفينغ فاشيون» البرتغالي، إنه أتى لكي يتعرف على نمط ملابس الرجل الهندي، ونظرا للأزمة المالية، فإنه مضطر للتحفظ بعض الشيء».

وتقول فيروز دالال، ممثلة سلسلة متاجر التجزئة «أزا» للرجال: «لقد أقيم أسبوع الموضة للرجال في الوقت الملائم تماما، كما أنه فرصة طيبة للمصممين الشباب».

يذكر أن، «أزا للرجال» هو سلسلة محلات للبيع بالتجزئة تعرض منتجات كبار المصممين الهنود من أمثال روهيت بال، ومانيش مالهوترا، ونارندرا كومار، وروكي إس، ولكونيت هيمانت، وفارون باهل، وراجيش براتاب سنغ، وراغافندرا راثور ومانوفيراج خوسلا، وغيرهم.

من جهتها تقول مصممة الأزياء راجفي موهان - وهي المصممة الهندية الوحيدة المتخصصة في صناعة ملابس الرجال-: «إن العدد القليل من المصممين الذين يشاركون في صناعة ملابس الرجال لم يشاركوا في أسبوع الموضة لانشغالهم بالمشاركة في أسابيع أخرى للموضة. إنهم منجرفون نحو التصميم النسائي بسبب حضوره الطاغي على الساحة، وقد ساعد أسبوع الموضة على تقدم صناعة ملابس الرجال».

لكن هل يستطيع أسبوع واحد لموضة الرجال تغيير الوضع الراهن؟ يقول العديد من المصممين المخضرمين: «إنه خطوة البداية، وهو يماثل الطريقة التي بدأت بها عروض موضة الملابس النسائية. فعندما بدأنا أسبوع الموضة لم يكن لدينا أي طلبات لعدة مواسم متتالية، فلم نكن نفهم احتياجات السوق، ولم نكن ننشئ أكشاك العرض، ولم تكن لدينا شماعات للملابس».

ويقول المصمم المرموق تارون تاهلاني: «أمام صناعتنا مستقبل مبشر، لكننا في حاجة إلى فريق عمل ذي خبرة مهنية طويلة مستعد لعلاج المشكلات التي تعترضنا؛ فنحن نعاني كثيرا لكي نتمكن من السفر، ولكي يتم اختيارنا في أسابيع الموضة العالمية. وعلى الرغم من أن هذه العروض ليست بحجم العروض العالمية، فإنه من الصعب الاشتراك في بعضها. فهم لا يكترثون بشأن هويتك، ولا يهتمون سوى بجودة المنتجات، لهذا تحتاج صناعتنا للكثير من الدعم لكي تضاهي المستويات العالمية». وعندما سألنا سونيل سيثي، رئيس مجلس تصميم الموضة بالهند - الهيئة المسؤولة عن تصميم معرض غالا، الذي سيتحول إلى حدث سنوي- عن سبب اختياره للمشاركة في تنظيم أسبوع موضة الرجال قال: «تهيمن ملابس الرجال على نسبة كبيرة من مبيعات الملابس في البلاد بمعدل نمو سنوي يصل إلى 15%»، بالإضافة إلى أن الرجال قد أصبحت لديهم حاليا خيارات متنوعة لكي يختاروا من بينها.

ويوافقه الرأي دينيش سيغال، المدير الإداري لشركة بلوز للملابس، التي تستضيف عددا من بيوت الأزياء العالمية مثل فيرساتشي وكرونيلياني وكاديني: «لقد أصبح للرجل الهندي خبرة بالموضة وهو مستعد لتجربة نطاق واسع من الألوان. وبعدما أصبح الرجال أقل توترا، أصبحوا أيضا يتقبلون النصائح، لأنهم يرغبون بالظهور بالمظهر الأنيق. ويعد المعرض أمرا سارا لعشاق التسوق من الرجال، خاصة في ظل وجود العديد من مصممي الأزياء وتجار التجزئة الذين يقدمون خطوط إنتاج تتجاوز الملابس الرسمية أو غير الرسمية خاصة بالمهتمين بأحدث خطوط الموضة. فحتى بيوت الأزياء الكبيرة مثل «فان هاوزن»، التي قد بدأت بالأزياء الرسمية أحدثت تغييرا جذريا لكي تلائم الأذواق المختلفة للرجل الهندي.