قطار الشرق السريع.. من اسطنبول إلى لندن

الأتراك مصممون على اختراق العالمية وخاقان أول تركي في البرنامج الرسمي لعاصمة الضباب

TT

حضور الممثلة الهوليوودية أسبوع إسطنبول للموضة كضيفة شرف لقاء 100000 دولار كما يشاع، أثار استغراب البعض لسبب وجيه أنها كانت مثل الشبح. لم تظهر في أي من العروض، واقتصر حضورها على حفل الافتتاح فقط، وكأن مجرد وجودها في إسطنبول من شأنه أن يستقطب جمهورا غفيرا من الباباراتزي والفضوليين. هذا ما كان يأمله المشرفون على الأسبوع طبعا، الذين برروا استضافتها لافتتاحه برغبتهم في إثارة الانتباه إلى ولادة أسبوع عالمي جديد. الكلام المهموس الذي كان يدور في الصالة المخصصة لوسائل الإعلام وغيرها من الأماكن المجاورة والمخصصة للاستراحات، أنه كان حريا بهم أن يصبوا هذا المبلغ على العروض ال24 وعلى دعم المصممين المشاركين، الذين لا غبار على موهبتهم وإمكاناتهم. ولا شك كانوا سيرحبون بأي دعم مادي إضافي، سواء تعلق الأمر بباهار كورشان أو بأرزو كابرول، أو بخاقان يلدريم أو غامز ساراشوغلو أو غيرهم.

بعيدا عن النجوم وبريقهم وبعيدا عن الهمسات والانتقادات، التي يصب معظمها في مجال التنظيم، الذي لم يكن كله موفقا، وهذا ليس غريبا إذا أخذنا بعين الاعتبار انه أسبوعها الأول من نوعه، فإن إسطنبول كان يكفيها أن تستمد قوتها وبريقها من أبنائها، الذين أبدعوا وأكدوا أنهم مصممون على اختراق العالمية. ما يحسب للأسبوع أيضا أنه جاء يعكس الحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيشها تركيا حاليا. فهي العاصمة الثقافية لأوروبا هذا العام، وتعيش طفرة اقتصادية ملحوظة، كما أنها، ومن الناحية الاجتماعية، تجمع روح الغرب بعبق الشرق بطريقة ساحرة. وهذا بالضبط ما انعكس على ما عرضه مصمموها على المنصات، التي جاءت توليفة لذيذة من المتناقضات. فبعض العروض كانت تخاطب الغرب بشكل واضح، يجعلك تنسى أنك في بلد شرقي، وأخرى تلعب على الحبلين بأسلوب ذكي، يشير إلى أن إسطنبول تريد أن تبقي على هويتها بدون لجوء إلى الغرب أو غرف من التراث. وليس أدل على هذا من عرض باهار كورشان، التي قدمت تشكيلة تغلب عليها فساتين بأطوال مختلفة حتى تخاطب كل الأذواق والأعمار، وجعلت فيها البرقع يبدو مثيرا في حداثته وعيونه على المستقبل. والمقصود هنا عيونه المرسومة على الرأس، التي تعكس ثقافة الشارع التركي الذي لا يمكنك أن تتجاهل فيه صورة «العين» المرسومة في كل مكان خوفا من الحسد، بل في كل شيء يتعلق بالحياة بدءا من المجوهرات إلى أكواب الشاي وأقلام الكتابة، وفي قراءة أخرى يمكن أن تكون فقط عينا على المستقبل. المهم في مجريات الأسبوع، أن إيقاعه العام كان مثيرا، حتى فيما يتعلق بالمطبات التي اعترضته، بدءا من التنظيم إلى برودة الطقس وحدوث عواصف ثلجية تسببت في بعض التأخيرات وغيرها. فقد أكدت فيه إسطنبول أنها تزخر بالفنون والجنون، بشكل يعطي الانطباع وكأن مصمميها تخرجوا من معهد «سانت مارتنز» اللندني، من حيث تلاعب بعضهم بالأشكال الغريبة والألوان المتناقضة وغيرها. وفي خضم كل الأحداث يبرز اسم خاقان يلدريم كنجم الأسبوع، بلا منازع. والسبب لا يعود إلى أن العرضين اللذين قدمهما كانا يزخران بالفنية والعملية فحسب، بل لأن الكل هنا يعرف أنه سيشارك في أسبوع لندن القادم. وهذا يعني أنه سيكون أول مصمم تركي يشارك ضمن برنامجه الرسمي. وهذا وحده يكفي لأن يحصل على شهادة أنه من بين أهم المصممين في الساحة التركية حاليا، إن لم يكن الأهم. وكل من تابع عرضيه المختلفين، عرف سبب هذا الاهتمام وفهمه. عرضه الأول جاء يخاطب شريحة خاصة من النساء، شريحة نخبوية ترغب في فساتين كوكتيل أو سهرة تحاكي ال«هوت كوتير» في تفاصيلها وتفصيلها، وإن غلب عليها الأسود. والثاني يخاطب شريحة أصغر سنا، وتريد أزياء خاصة بالنهار، حيث تباينت فيه الألوان والتصميمات، التي أبرز فيها كل إمكانياته الفنية، الأمر الذي تجلى أكثر في البنطلونات والتنورات العالية الخصر التي تتفتح بشكل يبدو وكأنها تحتضن منطقة الصدر وتسندها. ولم يضاه تنوع التصميمات سوى تنوع الألوان والأقمشة. فالأولى غلب عليها الرمادي والتراكوتا، والأخضر إلى جانب الأبيض والأسود، والثانية تباينت ما بين الحرير والقطن والصوف.

أما القاسم المشترك بين التشكيلتين، فأسلوبه، الذي جعل مصمم مثل رفعت أوزبك، يقول عندما رأى تشكيلته الخاصة بالتخرج منذ نحو عشر سنوات: «ولد نجم جديد». وهو أسلوب يتميز بعشقه للهندسة والفن المعماري. فالتصميمات تأتي منحوتة على الجسم أحيانا، وأحيانا أخرى بطيات وأشكال تجعلك تفكر بدون شعور بالقباب أو المشربيات التركية. ورغم أن التشكيلة التي قدمها مؤخرا يغلب عليها الأسود بحكم أنها موجهة للخريف والشتاء، فإن التشكيلة التي يعد بعرضها خلال أسبوع لندن في الأسبوع المقبل ستغلب عليها ألوان باستيلية هادئة وأقمشة طبيعية، وربما ستتضمن أيضا بعض الجلد، كونه قد تلقى دعما من شركة «ديري تانيتيم غروبي» المتخصصة في هذه الخامة. خاقان لم يرغب في الإسهاب في الآتي على أساس أنه يريد الحفاظ على عنصر المفاجأة، إلا أننا يمكن أن نتوقع أن تغلب عليها صور أو تفاصيل مستقاة من الأحداث التي يعيشها، لأن هذه العناصر هي التي تؤثر عليه وتظهر في إبداعاته عموما. أما ما سيجعله محبوبا للمرأة الأوروبية بعد أن تكتشفه قريبا، فكونه لا يحتفل بذوات الجسم المتناسق والرشيق فقط، بل يراعي أن الجمال يمكن أن يكمن أيضا في جسم غير متناسق، انطلاقا من قناعته بأن دوره كمصمم يجب أن يشمل كل المقاييس. تجدر الإشارة إلى أن خاقان، الذي لم يتردد اسمه في الأوساط الأوروبية إلا أخيرا، تعشقه علية القوم في تركيا ويعتبر من أهم مصمميها. برز اسمه وهو لا يزال يدرس في الجامعة عندما فاز بجائزة منظمة المصدرين للأقمشة في إسطنبول. ثم جاءت شهادة المصمم رفعت أوزبك الذي حضر أول عرض له، لتؤكد نجوميته. وبعد عشر سنوات من العطاء، أثمرت جهوده أخيرا عندما ظهرت الممثلة روز بيرن، بطلة «داماجيز» Damages في فستان من تصميمه خلال حفل الافتتاح، ثم بعد أن اختير للالتحاق بالبرنامج الرسمي لأسبوع لندن لهذا الموسم، وهو الأمر الذي يعتبر مهما في سيرة أي مصمم. فلندن ليست عاصمة مؤثرة تعرف بالابتكار والفنون فحسب، بل هي أيضا الرحم الذي تولد منه عدة مواهب. وهذا ما يعرفه خاقان جيدا وعبر عنه لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «إنه رائع أن أشارك في أسبوع لندن للموضة بعد سنوات من الكفاح. فلندن ملهمة ومؤثرة، ومشاركتي في أسبوعها مهم لي على المستوى الشخصي وبالتالي كل شيء يجب أن يكون رائعا.. ليس هناك مجال لأي خطأ».

*عرض خاقان سيكون يوم الجمعة 19 من الشهر الحالي، الساعة 2.45 ظهرا.

*على خلفية مشاركة الممثلة ميغ رايان في افتتاح أسبوع إسطنبول لقاء مبلغ كبير من المال، تجدر الإشارة إلى أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في هذا المجال. فعدد من المؤسسات وبيوت الأزياء يستعينون بنجوم لحضور فعالياتهم لإضفاء المزيد من البريق والتألق عليها. وبما أن دورة الموضة العالمية قد بدأت هذا الأسبوع في نيويورك لتنتقل بعده إلى لندن ثم ميلانو وتنتهي بباريس، فإن النجمات شمرن عن سواعدهن للوصول إلى مقاعد الصفوف الأمامية، بعضهن اهتماما بالموضة وحبا فيها، مثل فتاة المجتمع باريس هيلتون، وبعضهن لأنها أصبحت موردا ماديا إضافيا يتقاضين عنه أجرا، حسبما نشره موقع جريدة «تايمز» البريطانية مؤخرا. وجاء في التقرير أن المغنية ريهانا تتقاضى 65 ألف جنيه إسترليني، والمغنية بيونسي ما بين 50 و65 ألف جنيه إسترليني، والنجمة جوليان مور نحو 38 ألفا، الممثلة كلوي سيفيني أيضا 38 ألفا، والممثلة بلايك لايفلي 32 ألفا، وهيلاري داف 26 ألفا، وجينفر لوبيز 19 ألف جنيه إسترليني. ولم تستثن القائمة النجوم، إذ شملت الممثل كولين فيرث، الذي كان يتقاضى 3 آلاف فقط قبل ترشيحه لجائزة الأوسكار و10 آلاف جنيه إسترليني بعد الترشيح، ويتقاضى كلايف أوين، 6 آلاف جنيه إسترليني لقاء حضوره في هذه المناسبات.