أسبوع لندن لموضة الخريف والشتاء المقبلين.. زخات من الضوء والألوان

مارك فاست يفتح ملف العارضات الأنوركسيات

TT

لسنوات طويلة ظلت النحيفات الأقرب إلى الأنوركسيا هن المتسلطنات على منصات الأزياء. فلا الانتقادات أزاحتهن عن مكانتهن، ولا مقاطعة عواصم موضة لهن جاءت بنتيجة، إلا أن مارك فاست، المصمم الكندي المولد والمتخصص في الأزياء الصوفية، أخذ زمام الأمور بيده، وقرر أن يترجم رؤيته للمرأة على طريقته سواء تقبلته أوساط الموضة أم لا. الطريقة؟ استعانته، وللمرة الثانية، بعارضات ممتلئات. فيوم أول من أمس لم يكن المرة الأولى التي يرسل فيها هذا المصمم الشاب (29 سنة) عارضات بمقاسات لا تتوافق مع مقاسات الموضة العالمية، ففي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وخلال أسبوع لندن، أثار لغطا كبيرا عندما أعلنت داره أن خبيرة تنسيق الأزياء انسحبت في آخر لحظة لأنه استعان بعارضات بدينات، في رأيها، مما اضطره إلى طلب مساعدة عاجلة من أخرى. مر العرض بسلام، ولم يخسر مارك فاست أي شيء، بل بالعكس حصل على دعاية مجانية، وإعجاب أوساط الموضة بشجاعته وإقبال المرأة العادية المقاييس على أزيائه، مما شجعه أن يعيد الكرة أول من أمس، حيث استعان بعدد من العارضات من أمثال هايلي مورلي، التي يقدر مقاسها بـ16 (44 حسب المقاس الأوروبي و10 حسب المقاس الأميركي). وما يجعل شجاعته مثيرة للإعجاب أنه متخصص في الأزياء الصوفية، وكل امرأة تعرف أن هذه الخامة لا تناسب كل المقاسات عندما تلتصق على الجسم فتبرز تضاريسه وبالتالي بعض عيوبه. بيد أن المصمم ينجح دائما في توظيف تقنيات جديدة في غزل الصوف لتجاوز هذه المشكلة. أول من أمس اعتمد على مزج الليكرا بالفيسكوز، والأنغورا بالصوف في صياغة أشكال فساتين تخدم المرأة إلى حد كبير إذا عرفت ماذا تختار منها. إلى جانب الصوف، كانت هناك أيضا فساتين من المخمل الداكن والأحمر والأزرق النيلي أضاف إليها فتحات لجعلها تتمطط أكثر، وبالتالي تمنح الراحة والثقة. وبهذا بدد مخاوف المرأة من الصوف وأهداها تشكيلة عملية لكل مناسبات النهار، ركز فيها على التفاصيل حول العنق والحواشي وعلى طيات خفيفة في التنورات لمنحها حركة.

وكان من الطبيعي أن يعيد فاست فتح ملف العارضات الأنوركسيات والجدل اللندني حول مدى أخلاقيتها ومخاطرها على الفتيات الصغيرات اللواتي يحاولن التشبه بهؤلاء العارضات الأنوركسيات. وهو جدل تعيشه العاصمة البريطانية بالذات منذ سنوات، وتحاول أن تبدده بأي شكل. يوم الخميس الماضي، مثلا، وفي محاولة من محلات «دبينهامز» البريطانية لإرضاء زبوناتها، والتأكيد لهن أنها تراعي كل المقاسات، زينت واجهات محلاتها بدمى بمقاسات كبيرة (16) لكن لوقت محدود.

أما فيما يتعلق بالعروض، فإن مارك فاست سيبقى الاستثناء الوحيد، لأنه على الرغم من تنديد المصممين بظاهرة العارضات الأنوركسيات، فإن عروضهم تقول عكس ما تصرح به ألسنتهم. وربما تكون فيكتوريا بيكام، التي عرضت تشكيلتها في نيويورك أخيرا أكثر شجاعة، أو جنونا، عندما صرحت بأن النحيفات يبرزن جمال الأزياء أكثر. ورغم ما أثارته تصريحاتها من استنكار واستهجان، فإنها لم تعبر إلا عما يفكر فيه الآخرون بأن العارضات هن مجرد شماعات لإبراز جمال التصميمات.

وفي آخر المطاف فإنه، أي فاست، خرج أمس منتصرا، لا سيما أن سارة براون، زوجة رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون حرصت على حضور عرضه رغم أن اليوم كان عيد ميلاد زوجها. بعدها توجهت إلى عرض ماري كاترانزو، المصممة اليونانية، التي قدمت توليفة من الألوان والنقوشات التي جاءت هذه المرة على شكل خدع بصرية، استلهمتها من لوحات من القرن الثامن عشر. ولم تخيب بدورها التوقعات، تماما مثل المخضرم جون روشا، الذي يحتفل هذا العام بمرور 26 عاما على تأسيس داره، وبالتالي قدم عرضا نوستالجيا عاد فيه إلى نقطة الصفر. ففي أول تشكيلة قدمها استعمل الصوف والجلد، وهذا ما عاد إليه أول من أمس، لكن بترجمة عصرية جعلت هذه الخامات الصارمة تبدو في غاية النعومة.

في الساعة التاسعة صباحا، كان الموعد مع المصممة بيتي جاكسون، وهي من المصممين الذين يدركون أن جسم المرأة يأتي بعدة أشكال ومقاييس، وبالتالي تحاول كعادتها أن تخاطب بنات جنسها من خلال القطع المنفصلة لسهولة تنسيقها. لهذا لم يكن غريبا أن تكون القاعة في «سومرست هاوس» مكتظة رغم أن الوقت مبكر وفي يوم أحد، الذي يعتبر يوم عطلة في بريطانيا. شملت القطع المنفصلة كل ما يمكن أن يغني خزانة امرأة عملية وأنيقة، مثل قميص بأزرار ذهبية تم تنسيقه مع بنطلون قصير يغطي نصف الساق ومعطف يختزل كل ما تحمله الكلمة من أناقة وعملية في الوقت ذاته. كما كان هناك تايور بدرجات ذهبية وتنورة ببليسهات وأخرى بأزرار على الجانب، بل حتى قميص منقوش برسومات غرافيكية باللون البرتقالي بدا عمليا. ومع توالي العرض، توالت القطع المناسبة لكل مكان وزمان. ولم تتجاهل هذه المخضرمة مناسبات السهرة والمساء، فقدمت مجموعة فساتين طويلة، مثل فستان من اللاميه الذهبي، بسيط لكن يسهل ارتداؤه مهما تعددت الدعوات.

المصمم جاسبر كونران، أتحف المرأة بمجموعة جعلت السعادة ترتسم على الوجوه، ربما لأول مرة، في الأسبوع. فالألوان كانت بألوان الطيف وبدرجات مشعة لا يضاهي تألقها سوى التصميمات التي أكد فيها هذا المخضرم أنه لا يهتم بالصرعات بقدر ما يهتم بتقديم أزياء تحاكي الهوت كوتير في قلب عاصمة الابتكار والجنون. البريق لم يكن من أحجار شواروفسكي أو من الترتر، بل نبع من معادن فضية زين بها الكثير من القطع، ومن الجلد اللماع والبلاستيك الذي زين به الكثير من الفساتين والمعاطف. افتتح العرض بفستان رائع باللون الأسود كان إعلانا بأن القصة ستدور حول الأقمشة وتقنيات التطريز الحديثة التي تجعله يبدو بعدة درجات من الشفافية والكثافة. وهي ازدواجية ظهرت فيما بعد، في عدة أشكال. فبينما بدا بعضها وكأنه دانتيل ظهر البعض الآخر على شكل مستطيلات أو مربعات تكسر صرامة القماش لتبدو البشرة من تحته وكأنها تتوق لبعض الضوء. وبعد قطع قليلة من الرمادي والأسود، توالت ألوان قوس قزح التي لعب فيها أيضا على ازدواجية الألوان. فقلما ظهر فستان بلون واحد، حتى وإن كانت المسألة أحيانا إضافة جزء بسيط حول العنق أو الخصر بلون وخامة مختلفين تماما. فمثلا كان هناك فستان من الحرير باللون البرتقالي يزينه شريط من الجلد اللماع بلون الفوشيا، وآخر بلون كريم تزينه ياقة باللون الأصفر وهكذا. والحقيقة أننا، بالنظر إلى هذه الألوان، نسينا في لحظة من اللحظات أنها موجهة إلى الخريف والشتاء. بألوانها وتطريزاتها وشفافيتها كانت تتوق إلى الشمس وحملتنا إلى المنتجعات الصيفية وإلى عصائر الفواكه المشكلة. أما فيما سولت لأي واحد من الحضور الانتقاد أو التذمر لما سببه لنا المصمم من حيرة، فأمر لم يخطر على البال أبدا. والسبب أن التشكيلة كانت فعلا بمثابة نسمة صيف أنعشت أسبوعا بدأ حزينا على موت أحد أبنائه، لي ألكسندر ماكوين، ولم يسترجع إيقاعه السريع الذي اكتسبه في الموسم الماضي خلال احتفاله بمرور 25 سنة على ولادته، رغم حجم الابتكار والرغبة في التألق التي سكنت معظم المصممين.

بعد انتهاء عرضه مباشرة، وعندما توجهت الحافلة بالمحررين والمصورين من «سومرست هاوس» إلى منطقة فيكتوريا لحضور عرض ماثيو ويليامسون، كان الكل يتوقع باقة أخرى مشعة بالألوان الفاتحة. فهذا المصمم بنى اسمه على التطريزات الجريئة والألوان المشعة والتصميمات المنسابة، لهذا كان حجم التوقع كبيرا، لكن عند وصولنا قابلنا بريقا من نوع آخر. بريق النجوم والمخمليات المعجبات بأسلوبه اللواتي جلسن في الصفوف الأمامية مترقبات. بدأت التشكيلة هادئة بتصميمات هندسية ومفصلة، وكأنه يريد أن يبرهن أنه أكثر من مصمم «بوهو»، لكن سرعان ما بدأت تصميماته تكتسب أنوثة وأناقة رغم أنها لم تكن تحمل جديدا، باستثناء تفاصيل بسيطة هنا وهناك. في البداية قدم جاكيتات ومعاطف قصيرة على شكل «كاب» مفصلة من الأمام إلى حد ما وواسعة من الخلف، فيما كان بعضها يستحضر صورة الريف البريطاني أو المحقق البوليسي شيرلوك هولمز. ولحسن الحظ، عاد بعدها إلى ماركته المسجلة، ألا وهي الألوان والنقوشات والفساتين القصيرة، حيث توالت مجموعة أنيقة يمكن بتغيير الحزام فقط نقلها من مناسبات النهار إلى المساء بسهولة. الملاحظ هنا أنه أيضا جرب تقنية «الدرابية» في مجموعة من الفساتين القصيرة والطويلة، وكانت التجربة موفقة جدا.