«كارتييه» .. حسناء واثقة بقوتها وجمالها

الدار الفرنسية متفائلة بإنجازها الجديد

TT

في صالون الساعات الفاخرة الذي أقيم بجنيف في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، كانت الأجواء متفائلة عموما، لكنها كانت أكثر تفاؤلا وحماسا في جناح دار «كارتييه» الضخم بواجهته الحمراء الشهيرة. كان الجناح يعج بالزوار الآسيويين، وغيرهم من باقي دول العالم، المبهورين بجديد الدار، سواء فيما يتعلق بالمجوهرات أو الساعات. كان الحماس هنا معديا، تزيد حرارته عندما تقابل الرئيس التنفيذي للدار، برنار فورناس، وتسمعه يحكي عن تاريخ «كارتييه» وإنجازاتها بابتسامة واثقة، التي أكد أنها كانت بمثابة المضاد الحيوي الذي حصنها من تبعات الأزمة المالية. الدليل حسب قوله إنها كانت الأقل تأثرا بالأزمة ومن الأوائل الذين خرجوا منها سالمين غانمين، موضحا أنه عندما تغلق أسواق تفتح أسواقا أخرى، قاصدا أسواق الصين واليابان والشرق الأوسط، التي شهدت مبيعات الدار فيها ارتفاعا ملحوظا. وعلى الرغم من أن اسم «كارتييه» كفيل بأن يفتح الأبواب، والجيوب على حد سواء، إذ يكفي أنها أول من جمع جمال التصميم والشكل، مع دقة الوقت وجودة المواد التي تستعمل، سواء في مجوهراتها أو ساعاتها، فإنها لا تجلس مكتوفة الأيدي متواكلة على هذا الاسم، بل تجتهد في طرح الجديد والأنيق في كل عام وفي استقطاب زبائن جدد. ولحد اليوم لا تزال الدار الوحيدة تقريبا التي يمكن القول إنها نخبوية وديمقراطية في الوقت ذاته، بمعنى أنها تخاطب طبقات النخبة والعائلات المالكة، كما تطرح قطعا تخاطب كل الأعمار وذوي الإمكانيات المتوسطة. فهناك ساعات بأسعار 1500 يورو وأخرى بأسعار توجع الجيب إذا لم يكن قويا.

خلال صالون الساعات الفاخرة، الذي شهدت فعالياته مدينة جنيف في شهر يناير الماضي، كشفت الستار عن سبق جديد: ساعة رجالية مستديرة وكبيرة الحجم «آي دي وان» أو ما يعرف بـ«كونسيبت ووتش».. إلى حد هنا والأمر يبدو عاديا، فهذا ما تقوم به شركات الساعات عموما في المعارض، إلا أن العادي سرعان ما يتحول إلى غير عادي عندما يشرح السيد فورناس أنها أول ساعة تتضمن حركة أوتوماتيكية صنعت في الدار بأكملها وبكل تفاصيلها، وأول ساعة لا تحتاج إلى تدوير لمدى الحياة.

أي إنها ثورة في صناعة الساعات شبهها بالنقلة التي شهدها عالم السيارات منذ سنوات، عندما انتقلت من استعمال الفحم العادي المحرك إلى تقنية البخاخ. شرح: «استعملنا سبائك خاصة جدا شبيهة بالتيتانيوم، لكن أكثر صلابة وقوة من التيتانيوم العادي، بينما صنع الجزء الآخر منها من «كريستال الكربون»، وهو مادة تتيح استخدام تقنية الحفر الميكروني، كما أنها مضادة للصدمات ولا تحتاج إلى تزييت، الأمر الذي يقلل من الحاجة للصيانة التي تتطلبها باقي الساعات العادية. ويعود الفضل هنا أيضا إلى كونها مصنوعة من مادة استثنائية تدعى زيرودور، تسمح باستخدام تقنية الحفر الميكروني، وتجعل طول الزنبرك يتوافق مباشرة مع عجلة التوازن.

وتابع السيد فورناس شارحا للـ«الشرق الأوسط» أن مستقبل الدار يكمن الآن في الاختراع وطرح التعقيدات والوظائف الجديدة مع الحفاظ على مهارتها في التصميم، حتى تستقطب زبائن جددا ينضمون إلى لائحتها الطويلة، وتبقى في الواجهة. حماس فورناس كان معديا، وكان مشجعا على التوجه إلى المطبخ، أو بالأحرى المصنع الذي تولد فيه هذه الساعات في «لاشوف دون فون»، المنطقة التي تشتهر بعلاقتها التاريخية بصناعة الساعات وقربها من الحدود الفرنسية.

في الصباح الباكر، توجهت السيارة من جنيف إلى هذه القرية التي استشهد بها كارل ماركس في نظريته لتقسيم العمل، على أنها مدينة المعامل الضخمة. وصف يعطي الانطباع بأنها غابة من الإسمنت، يبدو فيها العاملون وكأنهم أقزام من دون هوية يعملون ليل نهار لقاء لقمة عيش فقيرة، لكن الحقيقة غير ذلك تماما. فالزائر لها اليوم يصعب عليه أن يربط بين هذه الصورة، ومصانعها المتطورة، لا سيما مصنع «كارتييه» بمعماره الحديث.

بعد أكثر من ساعة ونصف، من جنيف، ومن الحقول المترامية المغطاة بالثلج، وصلت السيارة إلى مملكة «كارتييه» التي تمتد على مساحة 30.000 متر مربع. أهم ما يلفت النظر في المصنع من الخارج، نوافذه الزجاجية العالية التي تطغى على الإسمنت، وتجعله يبدو وكأنه مبني من زجاج فقط. المثير أنه على الرغم من حداثة معماره، يتناغم مع محيطه بشكل رائع، وكأن بياض الثلج والمعمار الزجاجي خلقا ليتزاوجا مع بعض هنا، على الرغم من أن مدير المصنع ميشال باربييه شرح أن المكان يزيد جمالا في الربيع والصيف.

بداخل المصنع يشدك سقفه العالي، نحو 90 مترا وألوان الجدران الهادئة وبلاطه المرمري المائل إلى البيج. كل شيء هنا، بما في ذلك طريقة الاستقبال يشعرك بأنك في مملكة لها أصول وبروتوكولات يجب التقيد بها واحترامها. ما إن تمر دقائق على دخوله، حتى تصاب بحالة من الانبهار وكأنك في مكان مقدس، خصوصا بعد أن تتكرر على مسامعك أن فيه تولد معظم الساعات وبعض المجوهرات، وفيه أيضا ولدت أول حركة ميكانيكية ذاتية التعبئة بشكل كامل، وآخر روائع «كارتييه» في عالم صناعة الساعات: ساعة كاليبر 1904 إم سي التي عرضت في جنيف أخيرا، والأهم ساعتها الثورية «آي دي وان» التي لم تطرح بعد.

هدوء وسكينة الأجواء يجعلانك تخجل من وقع خطواتك، ولا يخطر ببالك أن المكان خلية نحل تضم نحو ألف موظف من 37 بلدا، مقسمين إلى 175 تخصصا، في مجالات التطوير، والإنتاج، وخدمة العملاء.

حسبما شرح ميشال باربييه، المدير المشرف على المصنع، تم تقسيم المصنع إلى مجالات مختلفة، تجتمع فيها جميع المهارات اللازمة لتصنيع ساعة معينة أو حركة محددة، لتعزيز العمل ضمن فريق وتحسين الجودة فضلا عن إنتاج جميع المكونات اللازمة لصناعة أي ساعة أو حركة من صناديق وأساور وأحزمة وعقارب وكريستال وصفائح، جسور وغيرها. بعد الانتهاء من تصنيع هذه القطع يتم تمريرها إلى منطقة صناعة الساعات، حيث يتم تجميع الحركة ورؤوس الساعات والأساور والأحزمة، مع تنقية الهواء بشكل مستمر في هذه المنطقة لتجنب وصول ذرات الغبار إلى أي قطعة صغيرة تدخل في صناعة الساعة أو الحركة.

فيما تنكب مجموعة أخرى على تجميع عدة مئات من القطع، قطعة تلو الأخرى، وكأنهم يقودون أوركسترا صغيرة، أولا باستخدام اليد، ثم باستخدام أدوات في غاية الدقة، ومن ثم ينتقلون إلى تنظيم الحركة الميكانيكية بكل دقة من أجل أن تعطي الساعة الوقت المثالي.

خلال مرحلة التطوير، يتم إخضاع كل ساعة، مهما كان سعرها أو خاماتها وموادها، إلى اختبارات صارمة في مختبر مخصص لتدقيق الجودة. فكل نموذج يخضع إلى بروتوكول يشمل نحو 150 فحصا للحركة والمكونات التي تم تجميعها، بدءا من اختبار مقاومة الماء والصدمات إلى إخضاعها لظروف المناخ القاسية ومجالات مغناطيسية قوية.

* ساعتها الجديدة لا تحتاج لتعديل

* لأول مرة في تاريخ الساعات، تقدم «كارتييه» ساعة لا تحتاج إلى التعديل الاعتيادي للحركة الميكانيكية:

- تم ابتكار قطعة واحدة مصنوعة من الكريستال الكربوني (وهي مادة تتيح استخدام تقنية الحفر الميكروني)، لتصبح عجلة التوازن مضبوطة مباشرة.

- مدروسة بدقة كي تعطي أقصى قياس للوقت، ومصنوعة من مادة استثنائية تدعى زيرودور (وهي مادة تتيح استخدام تقنية الحفر الميكروني)، مما يسمح بأن يتوافق طول الزنبرك مباشرة مع عجلة التوازن.

- تم تصنيع المثبت وعجلة المثبت من الكريستال الكربوني، لتكون القطعتان متوافقتين تماما منذ لحظة التركيب.

بالإضافة إلى ما سبق، تبقى هذه الساعة مضبوطة على الدوام بفضل:

- قفص انفلات من الكريستال الكربوني مثبت على قطع صامتة من المواد التي تمتص صدمة الحركة، مما يحمي جميع المكونات المنظمة من الزنبرك وعجلة التوازن إلى المثبت وعجلة المثبت ومحور الانفلات.

- تصنيع جميع المكونات المنظمة من مواد لا تتأثر بالتغيرات الحرارية والمجالات المغناطيسية (عجلة التوازن والمثبت وعجلة المثبت من الكريستال الكربوني، والزنبرك من الزيرودور، والمحور من التيتانيوم).

- ضبط جميع مكونات الحركة بأقل قدر من الاحتكاك. فهذه القطع تكون إما مغلفة بمادة إيه دي إل سي، أو مصنوعة من الكريستال الكربوني. إن استخدام هذا التغليف وهذه المادة لا يتطلب التزييت بالسوائل.

- قطر الساعة: 16 1/2 خط (36.8 مم) سمكها: 6.12 مم عدد المجوهرات: 17 عدد القطع: 177 المثبت وعجلة المثبت: كريستال كربوني، دون حجارة المبسم أسطوانة مزدوجة مع احتياطي زمني 52 ساعة.

الصفيحة الأساسية من النحاس المغطى بمادة إيه دي إل سي (كربون غير متبلور مشابه للماس) ومزينة بختم كوت دي جنيف.

- الزنبرك زيرودور، دون دليل تركيب - عجلة التوازن قطعة واحدة من الكريستال الكربوني، 28.800 اهتزازة في الساعة - صندوق من النوبيوم تيتانيوم 46 مم، حزام قماشي، بكلة قابلة للانثناء والتعديل من الذهب الأبيض عيار 18 قيراطا.

- كريستال زفيري