المصمم البريطاني سير بول سميث لـ«الشرق الأوسط»: لا أحب المصممين الذي يعانون من تضخم الأنا

الأناقة لا تعني شراء قطع باهظة الثمن.. إنها الطريقة التي يتعامل بها المرء مع الأزياء

TT

أول محل افتتحه السير بول سميث كان في 1970، وفي مدينة نوتينهام. اليوم تتوافر أزياؤه وإكسسواراته وأدواته المنزلية في أكثر من 74 بلدا، ويعتبر من أهم المصممين في اليابان والأكثر شعبية. ما يحسب له، وما يعتز به، أنه ظل محافظا على استمراريته منذ السبعينات إلى اليوم، كما أنه من بيوت الأزياء البريطانية القليلة التي نجحت في تجاوز كل الأزمات الاقتصادية التي مرت على صناعة الموضة، ولا يزال المالك الوحيد لأسهم داره، وبالتالي المتحكم الوحيد فيها، إبداعيا وماديا.

في مقره الرئيسي القريب من منطقة كوفنت غاردن كانت هذه الدردشة التي خص بها «الشرق الأوسط»:

* رغم النجاح الذي تحققه أزيائي النسائية، وتزايد ثقتي في هذا المجال، إلا أني لا زلت أميل أكثر للتفصيل الرجالي؛ لأن هذا هو ما درسته في بدايتي، وهو أيضا ما مارسته طوال مسيرتي ونجحت فيه. وأعتقد أنه حتى عندما توجهت للجانب النسائي، فإن الأمر كان نابعا من ملء ثغرة في السوق. فالمرأة يمكنها بسهولة الحصول على فساتين أنيقة للنهار أو للمساء والسهرة، لكن يصعب عليها الحصول على فستان مفصل بطريقة يبدو فيها الجسم منحوتا ومتناسقا، وهذا ما حاولت أن أقدمه عندما توجهت إلى الجانب النسائي، وأتمنى أن أكون نجحت فيه.

* الفكرة التي أنطلق منها عند تصميم أي تشكيلة، هي أن يتمكن أي شخص من وضع لمساته الخاصة على أي قطعة يشتريها مني، بحيث تظهر شخصيته من خلالها بشكل جيد، لهذا فأنا أحاول أن أجعل هذا ممكنا وسهلا بعدم إغراقها بـ«اللوغوهات» والنقوشات التي تحمل اسم الدار وتجعلها إعلانا واضحا للعيان من النظرة الأولى، إلى حد أن لابسها يتلاشى وراءها. فلسفتي أنك إذا كنت شخصا محافظا وجادا يمكن أن تلبسها بكلاسيكية، وإذا كنت جريئا ومرحا يمكنك أن تختار منها قطعا بنقوشات تعكس هذه الشخصية، وتتناسب مع كل الأعمار والمقاسات.

* أتمنى أن يعرف أسلوب «بول سميث» بأنه أسلوب «كلاسيكي مع لمسة غرابة». مثلا أنا أحرص أن يكون الوجه الخارجي من القطعة أنيقا وبسيطا، في حين تتميز البطانة الداخلية بنقوشات قوية وألوان جريئة، أو أن يكون كل زر في القطعة الواحدة بلون مختلف. دائما هناك شيء غير متوقع يشكل مفاجأة، لكنه يمنح المظهر مرحا وخفة.

* لا يمكنني القول إن تصميماتي لكل المناسبات، لأنها فعلا قوية إلى حد التطرف أحيانا. ما يشفع لها، إن صح القول، أن شخصيتي ونظرتي للحياة تطغيان عليها في الغالب. فأنا متواضع، وبالتالي لا أحب أن اطرح تصميمات لافتة أو استعراضية.

* الأناقة بالنسبة إلى لا تعني شراء قطع باهظة الثمن، إنها الطريقة التي يتعامل بها المرء مع هذه الأزياء وكيف ينسقها، كيف يمشي كيف يجلس.. عناصر كثيرة تجعل الشخص يبدو أنيقا.

* لا ألبس سوى لـ«بول سميث»، بما في ذلك ملابسي الداخلية وجواربي، ساعتي، نظاراتي وغيرها. في مرات قليلة جدا، وعندما أكون مسافرا، يداهمني الطقس القارس، فأضطر لاستعارة أو اقتناء كنزة صوفية أو وشاح.

* أميل إلى ارتداء البدلة في كل الأوقات، لكنني دائما أحرص على أن تكون بأسلوبي الخاص، حيث أنسقها مثلا مع قميص من الدينم أو مع حذاء رياضي.

* لم أفكر في صغري أو يخطر ببالي يوما أني إنسان أنيق. فأنا لم أكن أولي المظهر اهتماما أكثر من اللازم. لكن في بداية الشباب، اشتغلت كمساعد في محل ملابس، وربما تكون هذه المرة الأولى التي وعيت فيها أن أظهر بشكل حسن. لكن عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء الآن، أتذكر صورة التقطها لي والدي وأنا طفل، وكتب عليها «أنيق منذ الصغر». كنت حينها في الـ12 من عمري، وكنت أظهر فيها بكنزة باللون الأحمر القاني، الطريقة التي وقفت فيها قد تكون أول محاولة لي مع الموضة دون أن أعرف. أما عندما بدأت العمل في الموضة، تأثرت كثيرا بعالم الموسيقى، وكان لدي عدة أصدقاء من الموسيقيين مثل ديفيد بوي، إيريك كلابتون وغيرهما، وكلهم كانوا يلبسون أزياء مبهرجة ولافتة، الأمر الذي أثر علي، مما يفسر فترة من الفترات التي مررت بها، وغلبت عليها القمصان المطبوعة بالورود وغيرها.. فترة أراها أقرب إلى الداندية.

* لا يمكنني القول إني مدمن عمل، فما من شك أني أعمل بكد وجد طوال الأسبوع، لكنني أحرص أن تكون إجازة نهاية الأسبوع ملكي الخاص، أقوم فيها بكل شيء أريد القيام به، بما في ذلك زيارة إلى محلي الواقع بنوتينغ هيل غايت لبضع ساعات، الأمر الذي أصبح بمثابة طقس أسبوعي أعشقه ولا أحيد عنه.

* كل شيء في عملي مثير، خصوصا أني أنا المدير المتحكم في الدار من الناحية المالية، كما أني المصمم الفني لها، وهذا ما يجعلني أزاوج بين الإبداع والابتكار في الجانب التجاري، الأمر الذي يمنحني الكثير من السعادة والتنوع في حياتي. ومع ذلك فأنا أفضل جانب الإبداع أكثر من جانب تنظيم عروض أزياء مبهرة للفت الانتباه. أترك هذا لتصميماتي.

* كنت محظوظا في شبابي عندما تمكنت من حضور عروض «بالمان» و«إيف سان لوران» بباريس. انبهرت بمفهومي التوازن والتفصيل، لهذا ظلا معي إلى حد الآن وأعتز بهما. أما من أين أستقي أفكاري، فمن المعارض والكتب، والسينما، والمعارض وغيرها. إنه لأمر مثير أن تتبادر إلى ذهنك فكرة تحولها إلى تصميم ملموس.

* لا أرى نفسي متقاعدا أو تاركا عالم الموضة، لكن المشكلة بالنسبة إلى أن الكثير من العاملين في مجالها يأخذون أنفسهم محمل الجد، ويعانون من تضخم الأنا، الأمر الذي أجده محزنا ولا داعي له. صحيح أننا نبدع، نقدم أشياء جميلة، ونوظف أشخاصا، ونؤثر على الاقتصاد عندما تزيد مبيعاتنا، لكننا لسنا بأهمية الأطباء والجراحين مثلا. فهؤلاء ينقذون أرواح الناس. لهذا يمكنني القول إني لا أحب المصممين الذي يعانون من تضخم الأنا.

* أعشق لندن، لم أولد فيها، لكني عشت فيها سنوات طويلة، وحتى عندما كنت في مدينة «نوتينهام» كنت أزورها بانتظام. فهي مدينة مفعمة بالحيوية، وتمنح تنوعا رائعا من النشاطات والتسهيلات، كما أنها تزخر بالمطاعم والمسارح وصالات السينما.

* أعشق المطبخ الإيطالي؛ لأنه بسيط وغير معقد، أعشق أيضا المشي في السوق الشعبي المفتوح في «بورتوبيلو» خصوصا أنه قريب من منطقة نوتينغ هيل.

* يسعدني أني من المصممين البريطانيين القلائل الذين يمتلكون أسهم دارهم بالكامل، من دون أي تدخلات خارجية، وأعزو هذا النجاح لوصفة بسيطة، تعتمد على مزج الإبداع بالعقل التجاري، لكن ما يسعدني أكثر هو الاستمرارية التي تعني أن المشترين لا يزالون يقبلون على إبداعاتي، ويشترونها للمحلات نفسها التي تعاملت معها منذ سنوات، إن لم نقل عقودا. أن تكون متواجدا في المحل نفسه عاما وراء عام، يعتبر بالنسبة إليَّ، في عالم الموضة المتغير دائما، إنجازا مهما. فإيقاع الموضة متسارع ومتغير، كذلك الولاءات. كما أن الصراعات الجديدة يمكن أن تغير ثقافة الشراء وتؤثر على الذوق العام.

* عندما أشعر بالحاجة إلى الهرب من متاعب عالم الموضة وتسارع إيقاعاته، أتوجه إلى زوجتي، فأنا محظوظ لأنها فعلا إنسانة عظيمة، كما أن لدينا بيتا في إيطاليا نهرب إليه في الصيف. أما في الأيام العادية أحرص على ممارسة السباحة في الصباح الباكر قبل أن أبدأ يومي، حتى أبدأه بنشاط.