خلف الكواليس.. إيلي صعب يتقمص دوري جنرال ومايسترو

من الفوضى يولد الجمال والأناقة

TT

موسيقى عذبة، جمال وإبهار وسحر يكتسي حلة في غاية الأناقة، والأهم من هذا صور تحفر في الذاكرة لنساء رشيقات يتخايلن على منصات العروض وكأنهن فراشات من عالم آخر أو أميرات من قصص ألف ليلة وليلة. هذه الصورة هي التي تلهب الخيال وتوقظ الأحلام، لكن وراء هذه الصورة البراقة تختفي الكثير من التحضيرات والساعات المضنية والفوضى والعذابات، التي يبذل المصممون كل ما في جهدهم لإخفائها عن العيون. «الشرق الأوسط» دخلت كواليس المصمم إيلي صعب، لتأخذ فكرة عن هذه الصورة، وكانت المفاجأة أنها فعلا أقرب إلى ميدان حرب يلعب فيه المصمم دور الجنرال والمايسترو على حد سواء، إذ عليه أن يقود فريقا متكاملا من المخرجين وفناني الماكياج ومصففي الشعر بمهارة عالية. الانطباع الأول الذي ينتابك عند الدخول أنك في خلية نحل، ففي ركن تقف ثماني خياطات، اصطحبهن المصمم معه من لبنان، كل واحدة منهن بجانب ماكينة خياطة تنجز تغييرات طلبها المصمم، أو تضع آخر اللمسات. بمحاذاتهن، تقف شابات فارعات الطول في تايورات وفساتين سوداء تخالهن عارضات للوهلة الأولى قبل أن تتبين أن مهمة كل واحدة منهن حراسة مجموعة من الفساتين ستكون من نصيب عارضة واحدة، من جهة، ومساعدتها على تغيير ملابسها بسرعة فائقة من جهة ثانية. أما المسيو إيلي، فكان يقوم ببعض التغييرات بنفسه ويتنقل من عارضة إلى أخرى ليتأكد من أن كل شيء في وضعه المناسب. كان القلق يسكن عيونه والعرق يتصبب من جبينه لكن ابتسامته كانت تضيء وجهه كلما وقعت عيناه على شخص يعرفه. لم يكن مثل بقية المصممين، الذين يصفهم البعض بالديناصورات لقساوتهم على العاملين معهم، بل كان جنتلمانا قلبا وقالبا. كان صوته يأتي خافتا ونبرته مؤدبة وهو يلقي بتعليماته، كما بدا متمكنا وواثقا. فالمسألة بالنسبة إليه لا تحتاج إلى صراخ أو فقدان أعصاب، لأن المهم هو النتيجة. من جهتهن، كانت العارضات يتلقين التعليمات بصمت كتحصيل حاصل. فبينما جلست بعضهن على كرسي أمام مصفف شعر أو خبير ماكياج، جلست واحدة في ركن تقرأ كتابا، وأخرى تقضم أظافرها بينما تقضم زميلتها تفاحة تعوضها عن وجبة الإفطار التي لم تتمكن من تناولها، لأنه كان عليها الوصول إلى مسرح «شايوه» في منطقة تروكاديرو قبل الساعة الثامنة صباحا. على العكس من هذا الطابق، حيث كان إيلي يشرف على كل صغيرة وكبيرة، كان الطابق السفلي، يغلي بالأصوات المتعالية، فهنا كان تصفيف الشعر والماكياج.

إيلي صعب كان يريد امرأته أن تكون فاتنة بعيون كحيلة لكن من دون مبالغة، وهذا ما قام به فنان الماكياج، غوردن إسبينيت، من شركة «ماك»، الذي قال: «ابتعدنا كليا عن المبالغة، فالماكياج طبيعي اعتمدت فيه على التظليل لنحت الوجه عوضا عن الإكثار من الألوان. استلهمته من نجمة الستينات، شارون تايت، كما ظهرت في فيلم (فالي أوف دولز) (وادي الدمى) برموشها الطويلة وماكياجها الواضح لكن من دون استعمال الكثير من المستحضرات والمساحيق. تعليمات إيلي صعب كانت واضحة وهي التركيز على العيون، لهذا استعملت ظلال العيون بدرجات البني المختلفة عوضا عن قلم الكحل أو الآيلاينر السائل، لتكبيرها. لكل فتاة وضعت ماكياجا مختلفا، لأن لكل واحدة منهن ملامح مختلفة، وبالتالي يجب أن أراعي هذا الأمر، لكن مع البقاء مخلصا للفكرة الأساسية». زاد تحمس غوردن وهو يقول إنه التقى المصمم قبل العرض بيوم بمجرد وصوله من نيويورك: «كان لا بد أن نلتقي ونتناقش، حتى أتمكن من وضع ماكياج تجريبي. قال لي إيلي إنه يريد إطلالة لامرأة لافتة بجمالها ورقيها وهذا ما حرصت عليه، لأني أقدر أسلوب إيلي. فهو لا يتبع الصرعات وله أسلوب خاص يحترمه كل من يعرفه. وأنا من رأيه، لأنه إذا كانت الوصفة ناجحة فلماذا التغيير، يمكن التعرف على أسلوبه الآن من بين مئات المصممين». وتابع: «إيلي يعشق التصميم، وهو الأمر المعدي، لأنك بعد الحديث معه تتشبع بأفكاره وتقتنع تماما برؤيته». اختار غوردن ماكياجا يبدو هادئا لعب فيه على البيج والبني الغامق وغيره من الدرجات القريبة منه، بعد أن وضع كريما لإخفاء الشوائب وبودرة سائبة لتثبيتها. ثم رسم حواجب بالبودرة بطريقة هادئة، وظلل الجفون بنحو ثلاث درجات بنية، بينما لجأ إلى أحمر شفاه خفيف جدا وخدود بلون الورد. لأن التركيز كان على العيون، فقد كان مهما أن تكون الرموش طويلة، لهذا تم عقصها ثم إضافة رموش اصطناعية على الجوانب الخارجية قبل استعمال الماسكارا.

المرأة النجمة كانت أيضا ملهمة أورلندو بيتو، مصفف الشعر العالمي. قال إن تعليماته كانت خاصة بفتاة شابة ونضرة لكن تتمتع بمظهر راق يناسب أجواء الـ«هوت كوتير». لهذا عمد أن يعطي الشعر كثافة عند أعلى الرأس بنفخه بعض الشيء، مع فرقه من جانب واحد حتى يأتي عصريا. هو الآخر قابل صعب قبل العرض: «تحدثنا بشكل عام، من دون الدخول في التفاصيل الصغيرة. فقد شرح لي أن فكرته تتمحور حول امرأة شابة وعصرية وأنيقة. امرأة لا تريد إخفاء حقيقة أن شعرها مصفف بشكل جيد وليس فقط طويلا ومسترسلا من دون جهد. أنا مثل إيلي صعب، لا أتبع صرعات الموضة ولا أميل إليها، لهذا احترمت ما يريده المصمم ورؤيته». اعتمد أورلندو بيتو في تصفيف الشعر على المجفف الكهربائي عوضا عن المكواة حتى يعطيه بعض الكثافة من أعلى مع استعمال خصلات اصطناعية لخلق مظهر أنثوي عصري.

مر الوقت بسرعة البرق، الأمر الذي كان يعرفه الكل هنا، فمع فتح الأبواب أمام المدعوين وتوافدهم، بدأ الوقت يأخذ صورة سيف حاد إذا لم تقطعه قطعك، لهذا وقبل دقائق من موعد العرض، تسارع الإيقاع، ومعه دقات القلوب ونظرات القلق. أما في الخارج، فكانت النظرات اللهفة والترقب من زبوناته المخلصات ومعجباته. ما إن أطفئت الأنوار لتتركز على المنصة الطويلة، ومع أول نغمة موسيقى تهادت عارضة شقراء الشعر تبدو وكأنها بطلة في فيلم هوليوودي من الخمسينات، بفستان أحمر من حرير الجيبور فوق ستار من التول من اللون نفسه. عارضة من الصعب ربط صورتها بتلك التي حضرت بها في الصباح الباكر. توالت العارضات وتوالت الأزياء المستوحاة من أزياء الأوبرا بدراميتها وأنوثتها وأيضا بأقمشتها التي تبدو أحيانا وكأنها مأخوذة من ستائر المسارح الكبيرة. منذ اللحظة الأولى كان واضحا أن امرأة صعب مرة أخرى يصعب الحصول على مظهرها إذا لم تكن الإمكانات متوافرة. قبل أن تشعري بالغبن، لا تنسي أن المرأة التي تتسوق أزياء راقية ليست امرأة عادية، وهذا ما يعرفه المصمم وهذا ما قدمه يوم الأربعاء الماضي.. أزياء غير عادية.