رجال في سراويل «الحريم»

سحر الشرق وإيحاءاته الرومانسية لا تزال تظلل أسبوع باريس

من عرض جون بول غوتييه حيث اختلطت قوة الجلود برومانسية التصميمات
TT

في مقابلة تلفزيونية أجراها لاعب الكرة البريطاني، ديفيد بيكام، مؤخرا، اعترف أنه اقترف وزوجته فكتوريا، عدة جرائم في حق الموضة، مضيفا أنه يضحك على نفسه أحيانا عندما يرى بعض الصور التي ظهر بها في الصحف والمجلات في فترة من الفترات. قد يكون بيكام يلمح لصورته بتنورة «سارونغ» منذ عدة سنوات، وقد لا يكون، لكن المهم أنه مظهر أثار الكثير من الجدل واللغط، بين مستهزئ ومؤيد. ورغم أنه أيقونة موضة يحتذى بها، ورغم أنه كان مثال الرجل «الميتروسيكشوال» الذي كانت تهلل له المرأة والرجل على حد سواء، لم تنتشر التنورة ولم تجد طريقها إلى شوارع الموضة ومنها إلى خزائن الرجال، لتبقى صورة بيكام بها، من الصور الأيقونية في المجلات وكتب الموضة فقط. لكن هل أثنى فشل الترويج للتنورة الرجالية المصممين عن عزمهم تأنيث خزانة الرجل؟ لا يبدو الأمر كذلك، إذا كانت عروض الأزياء في المواسم الأخيرة هي المقياس، إذ طالعنا من خلالها كم هائل من الأزياء والإكسسوارات التي يمكن أن تفتح نفس أي امرأة أنيقة عليها وتوسوس لها بسرقتها منه، سواء كانت على شكل حقائب يد أو صنادل صيفية مفتوحة أو تايورات أو صديريات أو بنطلونات وغيرها.

آخر إبداعاتهم له، ما يطلق عليه الغرب سراويل حريم، وهي تصميمات عرفها الشرق منذ زمن، بل وحتى المغرب العربي حيث يطلق عليها «سروال قندريسي». وهي تصميمات لا تتعارض مع مفهوم الرجولة، بل تبناها الرجل الشرقي والمغربي لما تتيحه لهم من حرية حركة وراحة أولا وأخيرا، لكن الغرب ركز على رومانسيتها وما توحي به من معاني قصور الحرملك وحريمه وحراسه. ومع الوقت أصبحت هذه التسمية والإيحاءات، هي الغالبة على تصميم البنطلون الفضفاض من أعلى والضيق أو المستقيم من أسفل. عندما ينظر إليه المرء بعيون غربية يرى سراويل عصرية ورومانسية، وعندما ينظر إليه بعيون شرقية، فإنه يرى تصميما تراثيا دخل الألفية من أوسع الأبواب، لأنه بكل بساطة ترجمة عصرية للسروال العربي القديم، بكل ما يمنحه من حرية وراحة وأناقة. المهم أن لا يكون فضفاضا بشكل مبالغ فيه يخاطب الرجل الجريء أكثر، أو السوق الياباني الميال إلى الغرابة، مع العلم أنه لم يسلم، على يد بعض المصممين، من بعض التلاعب على مفهومي الأنوثة والرجولة. وهو مفهوم سحرهم كثيرا فيما يخص الأزياء النسائية، الأمر الذي يفسر إعطاءهم لها التايور والتوكسيدو وربطات العنق. سحرهم بهذه الازدواجية يعتبر من مخلفات هوليوود من خلال أيقونات أشعلت فتيله منذ العشرينات من القرن الماضي، من مثيلات غريتا غاربو، مارلين ديتريش، كاثرين هيبورن. أما الأفلام التي جسدت هذا المفهوم فهي كثيرة، مثل «فكتور فكتوريا» في عام 1982 الذي لعبت بطولته النجمة جولي أندروز، وفيلم فرنسي آخر «ماسكيلان، فيميناه» أي ذكوري، أنثوي للمخرج جون لوك غودارد في عام 1966. إيحاءات هذه الأفلام وجدت طريقها إلى منصات عروض الأزياء الرجالية في الآونة الأخيرة، بدليل ما تقدمه من اقتراحات للرجل تزخر بهذا التلاعب، الذي تحرص فيه على أن لا يتعارض مع رجولته أو يؤثر عليها بأي شكل من الأشكال حتى لا تخسر شريحة مهمة من الزبائن. فجيورجيو أرماني مثلا وإيف سان لوران، قدماه بشكل أليف وخجول يناسب الرجل الكلاسيكي بل وحتى المحافظ. لكنها في الغالب تبقى تصميمات موجهة لشاب أنيق وعصري، ويمكن أن يؤدي الإغراق فيها أو عدم إتقانها إلى ما لا تحمد عقباه، حيث توقع صاحبها في مطبات عديدة أقلها أن يبدو مضحكا أو قصيرا.

دار «جيفنشي» قدمت ما يشبه تنورات طويلة استقاها المصمم ريكاردو تيشي من ملابس القساوسة الفكتوريين الفضفاضة، بينما قدم ستيفانو بيلاتي، مصمم دار «إيف سان لوران»، بنطلونا واسعا ببليسيهات فوقه، معقول جدا، لكن تنسيقه مع ما يشبه الكورسيه كان غريبا. كريس فإن آش مصمم دار «ديور أوم» لم يخف يوما أنه يريد أن تكون بصمته واضحة ومختلفة تماما عن سلفه، هادي سليمان، وبالتالي تبنى الأسلوب الواسع والفضفاض عوض الضيق منذ بدايته مع الدار. لكن لحسن حظ الأناقة، أن البنطلون أخذ في عرضه الأخير شكلا أكثر تفصيلا. أناقة استمدها من ابتعاده عن المبالغة التي من شأنها أن تجعل أي بنطلون يبدو كاريكاتوريا أو كأن صاحبه واحدا من حرامية علي بابا. كما لم ينس طرح تصميمات ضيقة ومستقيمة تخاطب محبي الأسلوب الرشيق. في عرض «لوي فيتون» كانت الغلبة للشورت الفضفاض الذي يمكن أن تخطئه العين فيتهيأ لها عن بعد أنه تنورة، بالإضافة إلى البنطلونات المستوحاة من تلك التي يستعملها الرياضيون للهرولة. لدى ريك اوينز يمكن للمرأة أن تسرق أي «تي - شيرت» وتستعمله كفستان، بالنظر إلى طوله. أما جون بول غوتييه، الذي يعشق هذه الازدواجية ويعود لها دائما في عروضه، فقدم لربيع وصيف 2011 تشكيلة غلب عليها الجلد استوحى سراويلها من شخصية علاء الدين بينما استوحى السترات من تلك التي صممها الراحل إيف سان لوران للعارضة والممثلة الألمانية فيروشكا في عام 1960. غوتييه اعترف بعد العرض أنه استلهم التشكيلة من الراحل إيف سان لوران، الذي عاش في مدينة مراكش وعشقها موضحا أنها «مزيج من أناقة إيف سان لوران وأسلوبه الخاص في السبعينات من القرن الماضي، والتأثير المغربي في تلك الحقبة». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فجون غاليانو، أيضا خاض التجربة من خلال تشكيلة أطلق عليها عنوان: «أحب تشارلي»، استلهمها كما يدل عنوانها من تشارلي شابلن، أرسل فيها العارضين بقمصان من دون أكمام وسترات ضيقة بالكاد يمكن إغلاق أزرارها مع سراويل «حريم» فضفاضة، بل حتى في عرض السير بول سميث كان لهذه السراويل حضور، وذهب أبعد من ذلك بتنسيقها مع قمصان هفهافة من الحرير تزينها فيونكات ونقوشات من الفن التعبيري. هذه الهجمة لسراويل الحريم والقطع المسروقة من المرأة، تشي بالكثير من التحدي الذي يغلي بداخل مصممي الأزياء الرجالية. فهي لم تنجح من الناحية التسويقية لحد الآن بسبب تخوف الرجل منها من جهة، وبسبب مبالغتها أحيانا من جهة ثانية، لكنهم مصرون على إنجاحها، والتصميمات الأخيرة خير دليل على هذا الإصرار والعزم. فهي بلا شك ستزيد حجم الإقبال عليها، لأنها أكثر تفصيلا وأقل اتساعا عن ذي قبل، وهذا بحد ذاته سيجعل المرأة تسرقها منها، أو إن صح التعبير، تستعيدها منه. أما الرجل فسيبرر إقباله عليها في البداية على أنها ملائمة لأجواء الصيف والحر، وليس ببعيد أن يربي مثل العديد من العارضين الذي ظهروا بها على منصات باريس، لحيته حتى يؤكد أنها ليست للنساء وحدهن.