الهدوء الراقي

الموضة تنحني أمام رغبة السوق في أزياء وإكسسوارات غير فاضحة الهوية

TT

إذا كان هناك شيء واحد يجب على المرأة الأنيقة أن تشكر عليه الأزمة المالية، فهو بلا شك، تغير ثقافة الموضة وعودتها إلى صوابها بمعانقتها الأناقة الراقية والهادئة. أناقة باتت تنظر إلى أسلوب استعراض الجاه باستهجان، وتتعامل معه بجفاء كبير بعد سنوات من الحيرة في كيفية التعامل معها، أو الإقبال عليها من دون اقتناع كامل، فقط لأنها كانت هي المتوفرة في الأسواق. بمعنى آخر، فإن الأزمة المالية قضت على موضة اللوغوهات، التي تمتد جذورها إلى الثمانينات، وأنعشت عدة بيوت أزياء في بداية الألفية، من خلال البريق الذي يصيب العين بالزغللة. والسبب يعود إلى الطفرة الاقتصادية التي شهدها العالم في هذه الفترة، وولدت شريحة جديدة من الأثرياء من بينهم عاملون في البنوك، مما استدعى أسلوب حياة بمفاهيم جديدة تقوم على العمل الكثير والاستمتاع الكثير، أو بالأحرى جني الملايين وإيجاد سبل لصرفها تعكس هذا النجاح وتعلنه على الملأ. الرجل وجد في اقتناء البيوت واليخوت والسيارات الفارهة الطريقة المثالية، بينما وجدت المرأة في الموضة متنفسا لها، سواء كانت على شكل حقيبة من «غوتشي» بمسكات ذهبية اللون واضحة المعالم، أو قطع أزياء تحمل «لوغوهات» الدار أو نقوشاتها بشكل صارخ. موضة كانت تجري وراء السهل والسريع من دون تفكير في الاستثمار أو الأسلوب الخاص.

ثم جاءت الأزمة المالية، وأودت بأسماء كبيرة، كما أضعفت ثقة أسواق المال، وأدخلت الرعب في النفوس، لكنها أيضا شجعت على كبح جماح رغبات البعض الشرائية، ولو من باب التعاطف مع من أثرت عليهم الأزمة تأثيرا سلبيا، بتجنب استعراض جاههم بشكل فج. من هذا المنطلق فرضت الأزمة على الموضة معانقة أسلوب هادئ مبطن بالرقي والفخامة الذي تتعرف عليه كل أنيقة من النظرة الأولى، صحيح أنه قد يؤذي الجيب، لكنه لا يؤذي العين أو النفس. أسلوب التقطت خيوطه الكثير من بيوت الأزياء في السنتين الأخيرتين تقريبا، بدءا من «غوتشي» و«فيرساتشي» و«لوي فيتون» و«ديور» وغيرها من البيوت التي حققت الكثير من الأرباح، واستقطبت الكثير من الزبائن من قبل، معتمدة على نقوشاتها التي تفضح اسمها وهويتها، وترجمته في قطع فنية لكن واقعية يمكن استعمالها في حياتنا اليومية بشكل معقول.

رغبة المرأة في الحصول على قطع مميزة وكلاسيكية يمكن أن تبقى معها طويلا عوض قطعا موسمية سرعان ما يخف وجهها، شجعت هؤلاء على تجنب البريق المبالغ فيه لإرضائها، لا سيما وأنهم اكتشفوا أن سوقهم قائم بدرجة كبيرة على امرأة ناضجة تتعدى الثلاثين، وتمسك بيدها زمام الأمور فيما يخص قدرتها الشرائية وثقتها بنفسها. هذه المرأة لا تريد التشبه بالفتيات الصغيرات اللاتي لم يتبلور أسلوبهن بعد، كما لا تريد أن تتبع إملاءات الموضة بطريقة عمياء. فقد باتت تعرف أن العلاقة بينها وبين الموضة يجب أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل. احترامها للموضة يتجلى في عدم بخلها واستعدادها على صرف مبالغ باهظة على قطعة مميزة، وبالتالي ترى أن الموضة يجب أن تحترم رغبتها وتتوجه لها بهذا المميز. والنتيجة أن هذه البيوت لبت، ولم تخسر، بل العكس تماما، بدليل ما حققته من أرباح تثلج الصدر في الشطر الأول من هذا العام، سواء على المستوى المعنوي والفني أو على المستوى التجاري، مثل «هيرميس»، «بوتيغا فينيتا»، «إيف سان لوران» وغيرها. بل حتى مجموعة «بي بي آر» المالكة لدار «غوتشي» كشفت أن أرباحها ارتفعت بنسبة 87 في المائة في الشطر الأول من العام، بفضل حقائب يد لا تكشف عن هوية «غوتشي» بسرعة، مثل حقيبتي «جاكي» و«بيلهام». ومن هذا الباب، دخلت في منافسة مباشرة مع ماركات أخرى لم تعتمد قط على الاستعراض مثل «بوتيغا فينيتا» الإيطالية، «سيلين» الفرنسية وما شابههما من ماركات اختارت منذ البداية الأناقة الهادئة، ورفضت العوم في تيار اللوغوهات الصارخة، التي ظلت طويلا محط أنظار الفتيات المتطلعات للموضة أو حديثات النعمة، اللاتي يردن حفر مكانة لهن في عالم الموضة.

هذا لا يعني أن المرأة لن تبحث عن قطع موقعة بأسماء كبيرة، بل العكس، فمكانة هؤلاء محفوظة في نفس أي أنيقة، سواء كانت ربة بيت، أو سيدة أعمال، أو نجمة أو أميرة. والأمر يتعلق بالأزياء والإكسسوارات، على حد سواء، الأمر الذي أكده مدير قسم الإكسسوارات بمحلات «سيلفريدغز» اللندنية، سيباستيان ماينز، بقوله لـ«الشرق الأوسط»: «رأينا بالتدريج حملات موسمية لحقيبة اليد تقدم للزبونات تصميمات جديدة تتميز بالترف وتعد بالاستمرارية على أساس أنها ليست صرعات موسمية يخف وهجها سريعا. الفضل في هذا يعود إلى حرفيتها العالية وخاماتها المميزة، لكن مع ذلك أعتقد أن الحقائب الكلاسيكية التي تحمل توقيعات أسماء عالمية لا تزال قوية مثل (كيلي) من (هيرميس)، (لاريات) من (بالنسياغا)، و(2.55) من (شانيل). ولا شك أن الثقافة الحالية التي باتت تبتعد بالتدريج، ولو بشكل حثيث، عن كل ما هو متكلف ومبهرج، كما بدأت تصاب بالتخمة من صور النجمات ودورهن في الترويج غير المباشر للكثير من الماركات، لها دور كبير في هذا التحول، خصوصا بعد أن عرف معظم الناس أن إقبال بعض النجمات على ماركات معينة ما هي إلا لعبة تسويقية يقوم بها المصممون وبيوت الأزياء، للترويج لمنتجاتهم، وأن الكثير مما يظهر به هؤلاء ما هو إلا هدايا لهذا الغرض، سواء تعلق بالإكسسوارات أو بفساتين السهرة اللاتي يظهرن بها في المحافل والمهرجانات الكبيرة. هذه المعرفة قتلت الحلم، إن صح التعبير، وكان من البديهي أن يتغير معها مفهوم القدوة وشكلها. وهكذا، وبعد نجمات تلفزيون الواقع ونجمات السينما وغيرهن، بدأنا نرى أن نساء ناضجات مثل ميشيل أوباما وكارلا ساركوزي والملكة رانيا العبد الله، ملكة الأردن، وغيرهن هن من يحمل مشعل الأناقة في الآونة الأخيرة. والمدهش أيضا أن أميرات من العائلات المالكة الأوروبية أصبحن بدورهن يثرن الاهتمام بأناقتهن الراقية وطريقتهن الارستقراطية في الظهور بها. فبعد سنوات من التفكه عليهن بأنهن يعشن في برج عاجي لا يمت للموضة بصلة، أصبحن فعلا ينافسن أجمل النجمات والعارضات في هذا المجال، بل منهن من دخلت عالم الموضة من خلال التصميم، مثل زارا فيليبس، ابنة الأميرة البريطانية آن، التي أنتجت خطا خاصا بممارسي هواية الفروسية. كما أن أميرة السويد فيكتوريا، ظهرت قبيل زواجها في فستان بتوقيع إيلي صعب بدت فيه رشيقة وراقية. أما في عرسها فحدث ولا حرج. فقد كان حديث العام، وسحبت فيه نساء الطبقات المخملية والمالكة السجاد الأحمر من تحت أقدام النجمات. فبغض النظر عن العمر والبلد، تألق معظمهن في فساتين وتسريحات شعر وألوان أكدت أن الموضة المقبلة راقية بكل المقاييس وعلى كل المستويات، وأنه إذا كان لا بد من قدوة، فالأميرات والملكات أفضل بكثير من نجمات تلفزيون الواقع».

على نفس النغمة، يمكن القول: «إن الحب الأعمى بين المرأة وحقيبة اليد قد خف بعض الشيء ولم يعد موضة، لسبب مهم أن الكثير من هذه الحقائب كان قد وقع في مطب التفاصيل الكثيرة واللافتة، حتى فيما يتعلق بالخامات والتقنيات المستعملة لتبرير أسعارها النارية. منها ما زين بإبزيمات من ذهب بحجم كبير ومنها ما تم حقنه بالكولاجين للحفاظ على رونق جلده وصحته. فتيات المجتمع وزوجات لاعبي كرة القدم وحديثات النعمة كن أكثر من حلم بهذه الحقائب وأقبل عليها، الأمر الذي اصاب الذوق العام بعدوى شفي منها بالتدريج. واستلذت بيوت الأزياء هذا الإقبال وأغرقت السوق بطرح حقائب بكل شكل ولون في كل موسم، مما أصاب بالتخمة منها والتعب من البحث من دون جدوى على تلك الحقيبة التي تثير نظرات الحسد، لكن ليس بإمكان أي واحدة الحصول عليها بسهولة، لأنها غير واضحة الهوية، وبالتالي تخاطب شريحة معينة من الزبونات العارفات. هذا ما يحاول الجيل الجديد من الحقائب، تحقيقه فهو يتميز بالكلاسيكية والعملية والترف أيضا».