العين تأكل قبل المعدة

في المغرب.. طرق تقديم مائدة الإفطار تعتمد على التطريزات المحسوبة والطواجن المزخرفة

TT

خلال شهر رمضان، والمناسبات عموما، تلبس الموائد المغربية حللا جديدة، حيث يجتمع الأقارب والمعارف حول موائد تسر الناظر، ليس بما يُقدم فيها من أشكال مختلفة من الأطعمة والحلويات، بل كذلك بطرق تقديم هذه الأطباق والأواني المستعملة، وكذا اختيار الأغطية والمناديل وتطريزاتها. فالمائدة المغربية تتزين بالأغطية التي تتفنن الصناعة التقليدية واليدوية في صنعها، علما بأنها صناعة مارستها النساء المغربيات منذ القدم وأتقنّها بأشكال مختلفة باختلاف المدن المغربية.

ومن أشهر أنواع هذه التطريزات ما يعرف بـ«الطرز الفاسي» نسبة لمدينة فاس، وهو تطريز يدوي يتطلب الصبر والإتقان، ويستغرق العمل عليه من ثلاثة أشهر إلى سنة لإكمال القطعة، ويعتمد أسلوبا حسابيا معقدا ودقيقا. ويطلق عليه كذلك اسم «طرز الحساب»، ويحتاج فقط إلى إبرة وخيط خاص به، و«مرمة» وهي عبارة عن قرصين خشبيين يتم بهما تثبيت الثوب ليسهل تطريزه. وعادة ما تكون الألوان المستعملة فيه هي الأخضر أو الأزرق، ومع دخول بعض التطور والتغييرات، أدخلت ألوان أخرى لتتماشى مع تطور العصر ومتطلباته، لا سيما أن هذا التطريز يعتبر أساسيا في جهاز أي عروس. أما النوع الثاني، الذي لا يقل أهمية وشهرة عن الأول، فهو «الطرز الرباطي»، نسبة إلى مدينة الرباط، وهو غني بألوانه وأشكاله الجميلة، وتم تحديثه في السنوات الأخيرة، وأصبحتصبحت تتفنن الصانعات في استعماله لتزيين أغطية الموائد، وكذا أغطية الأسرة والمناديل وبعض الألبسة التقليدية. وهو عبارة عن رسوم زاهية وملونة يتم تتبعها بالخيط والإبرة بطريقة خاصة.

من جهته، يعتبر «الطرز التطواني» نسبة إلى مدينة تطوان (شمال المغرب) عريقا أيضا، ويتميز بأشكال فسيفسائية تقليدية. أما أسهل الأنواع فهو ما يعرف بالـ«كروشيه»، وهو لا يحتاج إلى قطعة من الثوب، بل فقط إلى خيط رفيع وقضيب صغير على شكل إبرة طويلة معقوفة، وبواسطته يتم تكوين عقد متناسقة ومتتالية مكونة أغطية متناسقة الشكل والألوان، عادة ما توضع فوق الغطاء الرئيسي لتزيينه. وهناك أنواع أخرى كثيرة للطرز التقليدي مثل «البوانتي كروا»، وتتميز به مدينة مكناس، لهذا يعرف بـ«المكناسي» أيضا، ويعتمد على ألوان كثيرة لكن متناسقة، و«الطرز اليوغوسلافي» و«طرز التشباك» و«الطرز الزموري».. وهلم جرا. ويرافق غطاء المائدة مجموعة من المناديل تحمل التطريزات نفسها بطريقة مصغرة أو باعتماد جزء صغير من الرسم على المناديل ويطلق عليه اسم «الرشمة».

ويشمل تزيين المائدة كذلك الأواني التي يقدم فيها الطعام، وتأتي على رأس قائمتها «الطنجرة» التي تقدم فيها شوربة «الحريرة»، الوجبة الرئيسية لدى المغاربة، وتتميز بأنها مصنوعة من الطين، ومزخرفة برسومات وألوان مبتكرة. وفي العادة، تسكب فيها الحريرة بعد أن تطبخ في طنجرة الضغط، لأن الغرض الأساسي منها تزيين مائدة الإفطار، لهذا تفننت الصناعة التقليدية المغربية في زخرفتها، وبالتحديد في مدن مثل فاس ومكناس وسلا وآسفي، عاصمة الفخار. توضع مع طنجرة الحريرة مجموعة من «الزلايف»، وهي عبارة عن أوانٍ مقعرة بعدد الأفراد الجالسين على المائدة، وتكون مزينة برسومات الطنجرة نفسها، لكن بأحجام صغيرة، وإلى جانبها «مغارف» تحل محل الملاعق في شرب الحريرة، وتصنع من خشب العرعار، وتبقى الريادة في إنتاج هذه المغارف لمنطقتي الصويرة والخميسات.

أما الأطباق التي يقدم فيها مختلف أنواع المأكولات التي ترافق طبق الحريرة فهي الأخرى مزينة بالزخرفة نفسها التي تزين بها «الطنجرة» و«الزلايف»، وعادة ما يتم اقتناء كل هذه الأواني في مجموعة واحدة. وطبعا لا يمكن الحديث عن الأواني المغربية من دون التطرق إلى «الطاجين»، الذي لا يستغنى عنه أي بيت، ولا بديل عنه في المطبخ التقليدي المغربي، لما يمنحه للأكل من نكهة تختلف كليا عن مذاق الأكل المعد في الطناجر العادية. واللافت فيه أن دوره لم يعد يقتصر على الطبخ فحسب، بل أيضا أصبح يستعمل كأطباق لتقديم الحلويات وأنواع أخرى من المأكولات التي لا تعتمد عليه في طبخها، وإنما فقط لتزيين المائدة. ويطلق المغاربة اسم الطاجين على جميع الوصفات والأطباق التقليدية المعروفة في المطبخ المغربي، وهناك من يستعمله لمدة شهر كامل، وأحيانا في وجبتي الفطور والسحور لكن بوصفات مختلفة. وتجدر الإشارة إلى أن الطاجين المخصص لطهي السمك، مثلا، يختلف عن نظيره المخصص لطهي اللحم أو الدجاج. فالأول يتخذ شكلا بيضاويا يتلاءم مع حجم وشكل الأسماك، ويسميه سكان شمال المغرب «التاكرة»، أما طاجين اللحم فيتخذ شكلا دائريا بغطاء إما دائري أو مخروطي.