العباءة التراثية.. بين الشرق والغرب

عامل اللون شكل أول ثورة حداثية.. وخياطتها باتت تعتمد قواعد «الهوت كوتير»

TT

العباءة الشرقية لم تعد زيا تقليديا ترتديه الجدات، إنما باتت تخاطب اللبنانيات الشابات أيضا لما تتميز به من أناقة عصرية، سواء من خلال تصاميم تنبض بالحركة، مع ميل إلى رفع منسوب الجمال وإبراز الأنوثة من دون ابتذال. فالعباءة صارت فنا قائما بذاته، لها مصممون ومصممات في مختلف الدول العربية.

في التاريخ اللبناني لها جذور قديمة جدا، إذ كانت الزي الرسمي للأميرات، اللاتي كن يحرصن على أن تكون من الحرير المستخرج من دودة القز، حيث كانت منطقة الشوف، في جبل لبنان، الأشهر وما زالت حتى يومنا هذا، لأن أهالي المنطقة لا يزالون يحافظون على هذه المهنة اليدوية التي ورثوها عن أجدادهم أكثر من أي منطقة أخرى. كما تشكل العباءة جزءا من تراث الكثير من الدول العربية والخليجية. وعلى الرغم من أنها ارتبطت بعراقة التراث، ولا تزال تعتبر جزءا لا يتجزأ من الفلكلور المحلي، فإنها لم تتخّف عن ركب الموضة العصرية، سواء من ناحية التصميم أو القماش أو الألوان أو الإكسسوارات التي أدخلت عليها.

ويحدد مصمم الثياب العربية أنطون أبي ناهض، صاحب متجر «الحبيبة» أنواعا عدة من العباءات منها «الدراعة» (العباءة المقفلة) و«البشت» (العباءة المفتوحة)، وهذه يتفرع منها «الجلباب» و«الثوب العربي».

أبي ناهض الذي بدأ العمل في تصميم وخياطة العباءات، منذ عام 1967، يشير إلى أن هذه الصناعة قد تطورت وواكبت العصر، حيث شكل عامل اللون أول ثورة حداثية في عالم العباءات. فبعد أن كانت في السابق تعتمد على الألوان الداكنة أي الأسود والكحلي والبني والرمادي، اقتحمها اليوم الفوشيا والأصفر والأزرق والفيروزي والأحمر، وما لبثت أن أدخلت إلى القماش الزخرفات والتطريزات. وبعدما كان مقتصرا على الكتان، بدأنا في استعمال الحرير والجينز والفرو والجلد.

كما أن قصاتها التي كانت بسيطة جدا عبارة عن ثوب يلف الجسم، أصبحت اليوم قصات متنوعة تحدد أنوثة المرأة مع المحافظة على الحشمة. وفي العام الماضي تحديدا، بدأت خياطة العباءات بطول «شانيل»، وأضيف إلى ذلك القصات المزمومة، والشرابات، والأقمشة البراقة.

ويلفت أبي ناهض إلى أن بعض العباءات مرتبط بالمفهوم الديني، أي العباءات الشرعية، التي تمتاز بطولها الذي يصل إلى الأرض، وأكمامها التي تغطي الإبهام، وياقتها المرتفعة جدا، وتقتصر على الألوان الداكنة، وفي حالات نادرة تضاف إليها الزخرفات الخفيفة، على العكس من عباءات الأفراح والمناسبات السعيدة التي تتميز بألوانها الفرحة.

ويتوقف أبي ناهض عند «كركعان»، وهو زي للأولاد يرتدونه قبل أسبوع من رمضان، وهو كناية عن عباءة فضفاضة تقوم على دمج الألوان المختلفة والصارخة ويدخل إليها أيضا الشراشيب والخرز والعملات القديمة، ويضاف إليها كيس صغير يضع فيه الولد ما يحصل عليه من هدايا.

والعباءة لم تفقد وهجها مع تغير طبيعة الحياة وإيقاعها، بل يتجه المصممون الغربيون إلى الدول العربية للاطلاع على هذه الأزياء الكثيرة التي تتنوع هويتها بين بداوة وحضارة وصحراء، مع جرأة في اللون والشكل والتطريز واستخدام الأحجار الكريمة الغالية، فباتت قواعد «الهوت كوتير» وأحدث التقنيات العالمية للخياطة وتطويع الأقمشة ومفاهيم الأناقة العصرية، أساسية في صناعة العباءات. فالمصمم البريطاني بروس أولدفيلد صمم منذ نحو عامين أغلى عباءة نظرا لاستعماله الماس في تطريزها، وعرضت في المعرض السعودي الخليجي للسلع الفاخرة بلندن.

وبعده مباشرة وفي فندق «جورج الخامس» الباريسي عرضت مجموعة من العباءات السوداء من تصميم مصممين عالميين أمثال جون غاليانو، نينا ريتشي، كارولينا هيريرا وجيل ساندر، فضلا عن مارتن غرانت ولوريس أزاريو وغيرهم. وكانت الفكرة للبنانية دانيا ترحيني، المديرة العامة لمحلات «ساكس فيفث أفينيو» في المملكة العربية السعودية، التي قالت آنذاك إنها كانت تلاحظ أن النساء يرتدين ملابس موقعة من كبار مصممي الأزياء، تحت العباءة، مما جعلها تفكر في أن تكون هذه الأخيرة من توقيعهم أيضا. وبالفعل تفنن المصممون في إبداعها، فهي مرة مرصعة بالأحجار الكريمة ومرة الورود الجلدية، لكن القاسم المشترك بينها كان هو التزاوج بين الشرق والغرب، مما أكد أن هذا الزي يحمل بين ثناياه إرثا ثقافيا وجماليا لا يقدر بثمن.