حلم كل المواسم

تتغير المواعيد وتتأجل الأعراس ويبقى فستان الزفاف

من مجموعة حالمة 2010 لعبد محفوظ
TT

ارتبطت الحفلات والاحتفالات بشتى أنواعها بفصل الصيف ودفئه وشمسه، لهذا قد يبدو غريبا التفكير في تفصيل أو شراء فستان زفاف في عز الصيف لارتدائه في الخريف. لكن هذا العام ليس ككل الأعوام، فحلول شهر رمضان في منتصف إجازة الصيف أربك أسواق العالم أجمع كما أربك عامة الناس. بالإضافة إلى أن موسم التخفيضات بدأ قبل موعده المعتاد بأسابيع في محاولة مستميتة من المحلات للتخلص من قديمها وعرض جديدها قبل حلول رمضان، فإن موسم الزواج هو الآخر تأثر بشكل واضح، حيث تم تأجيل عدة زيجات إلى شهر سبتمبر (أيلول) وما بعده. والسبب كما تم التصريح به من قبل بعض المقبلين على الزواج الضغط على قاعات الأفراح والمصورين ومنسقي الأعراس وغيرهم من الذين كانوا مرتبطين بأعراس أخرى. المصمم اللبناني العالمي، عبد محفوظ، الذي يطرح كل عام تشكيلة خاصة بالعرائس يطلق عليها «حالمة» تعرف إقبالا كبيرا لما تتميز به من رومانسية وتفاصيل تجعل أية قطعة يقدمها عنوانا للفخامة والأناقة، كان له رأي آخر. فقد قال في مكالمة هاتفية لـ«الشرق الأوسط» إن توقيت شهر رمضان المبارك لم يؤثر كثيرا على موسم الأعراس، لأنها أساسا تنتعش بين عيدي الفطر والأضحى، أو قبل شهر رمضان المبارك، مشيرا إلى أن حركة الأعراس تخف نوعا ما في دول الخليج العربي صيفًا خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تجعلهم يفضلون السفر. وشرح أن كل ما حصل هذا العام أن حلول الشهر الفضيل في منتصف الصيف، شجع على تأجيل العديد من الأعراس إلى ما بعد العيد أكثر من قبل.

لهذا لن نستغرب تلقي دعوات لحضور الكثير من الحفلات والأحداث السعيدة في الأشهر القادمة، التي رغم أنها مترسخة في الأذهان بأشعة الشمس الذهبية ورومانسية النجوم والقمر والأمسيات الدافئة، فإنها في الخريف، وحتى في عز الشتاء، يمكن أن تكون لها جماليات وسحر خاص، إذا تم تنظيمها بشكل جيد يأخذ بعين الاعتبار الأجواء والجو. فمثلا ستنتعش القاعات المغلقة على حساب المفتوحة والحدائق، فيما ستميل العرائس والضيفات إلى فساتين بأكمام أو استعمال أوشحة من الباشمينا أو الكشمير عوض فساتين خفيفة. أما عن رومانسية المكان، فلا شك أن لهيب النهار ودفئها سيعوض عن أشعة الشمس.

ورغم أهمية المكان والكوشة والموسيقى وكل تفصيل من تفاصيل العرس، فإن ما لا يختلف عليه اثنان هو أن فستان العرس يأتي في مقدمة الأولويات بالنسبة لأي فتاة مقبلة على الزواج. ففي طياته يكمن وهج المناسبة وإليه تنجذب أنظار المدعوين ومن خلاله تقيَّم طلّة العروس ومدى تألّقها. من أجله أيضا تُبذل ميزانيات ضخمة وجهود مضنية، تستغرق أشهرا قبل يوم الزفاف، حتى يأتي بالمستوى المطلوب. جهد يبذله المصمم وفريقه كما تبذله العروس والمقربات منه. فرؤية العروس والصورة التي رسمتها في خيالها لفستان العمر لا بد وأن تجد من يترجمها لها فيما تعتبره العديدات أهم حدث في الحياة، ولا يمكن للمصمم أن يتجاهلها، ولو بحجة الفنية والإبداع.

وهذا ما يؤكده مصمم الأزياء اللبناني وسام شماس بوصفه فستان العرس بـ«حلم كل فتاة». يقول: «منذ نعومة أظافرها وهي تحلم به لما يضفيه عليها من جمال ورومانسية رسختهما صور قصص الأساطير والأميرات، لهذا أسعى إلى تحويل هذا الحلم إلى حقيقة وواقع. فأنا أعقد حوارا - إذا جاز التعبير - مع العروس لأعرف شكل الفكرة التي رسمتها في خيالها حتى ننفذها، أو نصل إلى صورة مشتركة تناسب جسمها وشكلها». ويتابع: «كل فتاة ترى نفسها عروسا بفستان رسمت تفاصيله الدقيقة، خصوصا أنها سترتديه مرة واحدة في الحياة». وعلى ذكر مرة واحدة في العمر، فإن بعض الفتيات العمليات على وجه الخصوص، وبسبب الظروف الاقتصادية، يملن إلى التصميمات البسيطة والألوان المتنوعة أكثر حتى تتاح لهن فرصة ارتدائه في مناسبات أخرى، أو إلى استئجاره، وإن كان شماس لا يحبذ الحل الأخير. فهو يرى أن «هناك فرقا بين فستان الاستئجار والشراء، سواء فيما يتعلق بالأقمشة أو التفاصيل. فقماش فستان الاستئجار يمكن التحكم فيها لجهة التضييق والتوسيع أو لجهة الطول، وهذا أيضا ينطبق على بعض القصات وطريقة الخياطة مما يؤثر على الجودة، بينما يجب أن يبقى فستان العمر استثمارا في عيون المرأة لأنها عندما تفكر فيه، فهي تفكر أيضا في المستقبل. بمعنى توريثه للبنات والحفيدات». ويشير شماس إلى أن الأقمشة الأكثر أناقة بالنسبة إلى فساتين الأعراس هي التول، الأرغنزا، الدانتيل، الشيفون، والتافتا. أما بالنسبة للألوان فالأبيض يبقى طاغيا، بدرجاته إلى جانب الفضي والذهبي. ومع ذلك فإن هناك بعض العرائس اللواتي يفاجئنه بطلب لون خارج عن المألوف، وإن كانت الحالات التي تصادفه قليلة، لحسن حظه، كما قال. فهي بالنسبة له تليق بسهرة وليس بليلة العمر، التي يفترض أن تكون فيها العروس هي الأميرة المتوجة بدون منازع. عدا عن هذا، فليس هناك عروس تريد أن تبدو عادية مثل أية ضيفة.

تجدر الإشارة إلى أن اهتمام المصممين بطرح فساتين زفاف بألوان متنوعة كانت لتلبية رغبة امرأة عصرية لا تريد أن تتقيد بالمتعارف عليه وفي الوقت ذاته تريد إطلالة مميزة. ومن هنا انتشرت ألوان الذهبي والفضي وغيرهما من الألوان الناعمة والهادئة، وإن كان البعض يشير إلى أنها كانت دائما جزءا من أناقة العروس حتى قبل القرن التاسع عشر. فكتب التاريخ والصور تؤكد أن اللون الأبيض لم يكن دائما لون فستان الزفاف، وأن العروس قبل القرن 19 كانت تكتفي بارتداء أجمل ما عندها بغض النظر عن اللون، إلى أن جاءت ملكة بريطانيا فيكتوريا عام 1840م، وغيرت المفاهيم بارتدائها فستانا أبيض مائلا إلى اللون الكريم في يوم زفافها. بعد ذلك بدأت العرائس في تقليدها وما زلن رغم محاولات بعض المصممين زعزعة هذا التقليد بإدخال ألوان صارخة مثل الأحمر والأسود تكون غالبا لإحداث الصدمة وجذب الانتباه لا أكثر ولا أقل، بدليل أن الأبيض بدرجاته لا يزال متربعا على عرش موضة الزفاف. فهو لا يزال مرتبطا في الأذهان من جهة بالبراءة والطهارة وبالفرح وصور الأميرات، من جهة ثانية.

إلى جانب التصميم والأقمشة واللون، يعتبر التطريز بالأحجار جزءا مهما من تفاصيل فستان العرس، وأكثرها استعمالا أحجار شواروفسكي التي تضيف إلى الأبيض بريقا ولمعانا، وقد تستعمل في حالات نادرة الأحجار الكريمة كالماس، ويكون ذلك الطلب نظرا إلى ثمنها الباهظ.

الطرحة لا تقل أهمية عن الفستان، وتخضع بدورها لذوق العروس، وتتراوح ما بين القصيرة التي تصل إلى الكتفين، وبين الطويلة التي تمتد لأمتار قد تتجاوز الخمسة. وتدخل في طولها أيضا حسبة أخرى غير الذوق، وهي قوام العروس ومقاييسها، فهناك من تناسبها الطرحة الطويلة وهناك من لا تناسبها سوى القصيرة والعكس.

ولا ينسى شماس الحديث عن فساتين الاعراس الخاصة بالمحجبات، مؤكدا أن كل الأثواب قابلة للتعديل لتتلاءم مع ما تطلبه العروس المحجبة، كما أن هناك فساتين جاهزة أو تحت الطلب يعطيها الحجاب الأبيض طلة نقية باهرة. وتبقى أهم نقطة بالنسبة لشماس وغيره من المصممين، أن ترتدي العروس فستانا يجسد أحلامها، حتى إذا عادت إلى ألبومها بعد عشرين سنة تشعر أنها كانت أجمل الجميلات وأكثرهن أناقة وذوقا، وأن الفستان لا يزال يتكلم لغة عصرية رغم مرور السنوات.