عناق الشرق والغرب

العماني عمرو علي والأفغاني عثمان يوسف زادة يأخذان فكرة السفر جديا

من عرض عثمان يوسف زادة ومن عرض ماركة «بادي أمر» للمصمم عمرو علي
TT

خلال عرضه، أعلن المصمم العماني الأصل عمرو علي، صاحب ماركة «بادي أمر» BodyAmr، أنه تعاقد مع سلسلة فنادق «ريكسوس» للقيام ببعض المشاريع المتعلقة بالديكور الداخلي التي ستشمل لندن، كازاخستان، ليبيا، تركيا وكرواتيا. وعلى النغمة نفسها، أعلن المصمم الأفغاني الأصل عثمان يوسف زادة، أن هناك تعاونا بينه وبين شركة السفر «كيوني» العالمية، مشيرا إلى أن ما شد اهتمامه وشجعه على هذا التعاون اهتمامات «كيوني» بالقضايا الإنسانية والخيرية. طبعا لم تكن هناك حاجة لأي منهما أن يقولا إن ما توحيه هذه التعاونات من سفر وترحال إلى عوالم بعيدة تنعم بالشمس والدفء أو بالثلوج البيضاء، كانت أيضا دافعا وملهما في الوقت ذاته. تيمة السفر كانت حاضرة بقوة في الكثير من عروض الأزياء اللندنية في الأسبوع الماضي، حيث رأينا جاسبر كونران، ماثيو ويليامسون، ماريا غراشفول من بين المصممين الذين أخذونا في رحلات حالمة، سواء من خلال ألوان الفيروز والزمرد والشمس الساطعة والرمال الذهبية والمرجان، أو من خلال الأقمشة الناعمة التي تطير مع أي نسمة هواء، أو التصميمات الأنيقة والخفيفة والقفاطين المريحة. المصمم علي عمرو، اختزل كل هذا في تشكيلة تتراقص على الجيرسيه والدانتيل وتضفي على امرأته إطلالة أميرة من أميرات الشرق الساحر. فالمصمم المعروف بأسلوبه الذي يمزج الشرق بالغرب، ويخاطب امرأة قوية وواثقة لا تريد أن تخفي أنوثتها، قدم قطعا كانت تجعل العيون تبرق والأجساد تهتز من على مقاعدها حماسة، كلما مرت عارضة بفستان «درابيه» طويل مشدود إما من الخلف وإما من الأمام أو الجوانب بتفاصيل خفية وأخرى مرصعة. لم يتقن المصمم الشاب تقنية «الدرابيه» أو الطيات فقط، لأن الكثير من المصممين يتقنونها، لكنه تفنن فيها بشكل أضفى عليها صبغة حالمة تأخذك، أردت أم لم تريدي، وسواء قصد هو ذلك أو لم يقصد، إلى أجواء الشرق والقصور. قد يقول البعض إن هذه الفساتين نسخة عصرية من القفطان الذي ظهر في الستينات على يد أمثال إيميليو بوتشي وغيره، أو قد تكون كما قال هو: إنها تستحضر صورة الراقصة السوداء جوزفين بايكر التي اشتهرت في العشرينات من القرن الماضي بخفتها وقوتها، لكن الحقيقة أنها شرقية في روحها ومعالمها، لأنها تنضح بالإثارة. فهذه بالضبط وظيفة الطيات و«الدرابيه» هنا، التي وظفها عمرو لخلق نوع من التناقض الخفيف بين الغموض من خلال ثنيات تخفي تضاريس الجسم وبالتالي عيوبه، وكشفه في الوقت ذاته عن الكثير من المفاتن من خلال فتحات جانبية عالية أو ياقات مفتوحة. كل هذا من دون خلق أي انطباع أو إحساس بالابتذال، بل العكس، يمكن لأي امرأة، أيا كانت جنسيتها وعمرها، أن ترى نفسها فيها وتتألق فيها نهارا أو مساء أو في السفر. تباينت الألوان وتنوعت، وإن كان من المصممين القلائل الذين لم يغيبوا اللون الأسود هذا الموسم، من خلال عدد من القطع التي ردت له الاعتبار. فالمرأة قد تحاول أن تدير له ظهرها، لكنه أقوى منها دائما، بدليل قطعتين انتزعتا الشهقات: الأولى عبارة عن فستان من الجيرسيه منساب بشكل أنثوي يحدد الخصر بشريط يمكن التحكم فيه ليأتي الصدر مفتوحا بلا مبالاة. والثانية قطعة واحدة عبارة عن بنطلون وقميص أيضا تعطي نفس الانطباع بالأناقة اللا مبالية. عمرو علي، وبحكم تربيته العالمية وتنقله بين الكثير من عواصم العالم في طفولته وصباه، كون والده عمل في السلك الدبلوماسي، يعرف أن «الغرب يقدر البساطة والعملية الراقية»، كما تسحره أجواء الشرق عندما تترجم على يد محترف بلغة سلسة وبسيطة. وهذا ما نراه واضحا في عروضه.

في اليوم نفسه، كان موعدنا مع عرض عثمان يوسف زادة، والحقيقة أن دخول القاعة، احتاج إلى صبر وقوة وبرود أعصاب، لأن الطابور كان طويلا، تخلله تدافع مستتر بحقائب «هيرميس» و«شانيل» و«كلوي»، ومحاولات من قبل البعض الآخر الدخول من دون انتظار ليعودوا خائبين ومنكوسي الرؤوس. يتهيأ للواحد كما لو أن كل من في لندن سمع بالعرض وجاء ليراه، كما يتهيأ له أن الانسحاب أرحم لأن الداخل قد يكون أسوأ، لكن بعد مرور أكثر من نصف ساعة، وبدء العرض ذاب العذاب والتعب، وحلت محله نشوة تبرر حرب الأعصاب والحقائب. فالعرض يلخص روح لندن بكل تفاصيله وتفصيله وخطوطه التي تلتفت إلى حقبة التسعينات ببساطتها، وجمالياته وشطحاته المستقبلية. كل ما في التشكيلة كان ينطق بالقوة والثقة واستعراض فني رائع لميوله الهندسية والمعمارية، التي جاءت واضحة في كل قطعة تقريبا. فالأكمام عالية ومقببة، والتنورات والقطع العلوية جاءت بدورها قصيرة من الأمام لتطول شيئا ما من الخلف على شكل نصف دائري ومقوس، كذلك بعض التنورات. كان واضحا أنها تخاطب امرأة عصرية وواثقة ومثقفة، مستعدة أن تلعب بالطبقات المتعددة، كما فعل هو بتنسيقه بنطلونا مستقيما مع قميص شفاف جدا ومنساب يغطي الخصر والأرداف وضع فوقه قطعة أكثر سمكا وهندسية بحواش مستديرة. الفساتين جسدت حبه لفن المعمار والنحت أكثر، حيث إنه كان هناك فستان تنورة جانب منه قصير بينما الجانب الآخر أطول، وهي لعبة تكررت كثيرا في أجزاء أخرى، فهي أحيانا تظهر في جانب الياقات وأحيانا أخرى في حواشي الأكمام من أعلى وهكذا.

كان عرض كل منهما، عمر علي العماني الأصل، وعثمان يوسف زادة الأفغاني، أكبر مثال على أن لندن أم كل الجنسيات، ففيها تلتقي الثقافات.. تتزاوج وتثمر.