«شانيل».. الكلاسيكية المتجددة

أسبوع باريس لربيع وصيف 2011 ينتهي بسيمفونيات خالدة

TT

وضعت باريس يوم الأربعاء الماضي نقطة النهاية على دورة جديدة للموضة. دورة طويلة ومضنية لولا البريق والحيوية التي تدخلها بعض العروض على النفس، بدأت في نيويورك ثم انتقلت إلى لندن وميلانو قبل أن تنتهي في عاصمة النور والأناقة. المثير أن العواصم الأربع اتفقت على عدة اتجاهات، واختلفت على أخرى. فلندن مثلا أعادت اللون الأبيض وأجواء السبعينات إلى الواجهة، فيما أعادت نيويورك صياغة أسلوب السبور بشكل أكثر أناقة وكلاسيكية. أما ميلانو، فارتأت أن تعانق الألوان الدافئة من خلال السفر إلى مراكش ومصر وغيرهما، علما أن السفر كان تيمة قوية في أسبوع لندن أيضا. أما باريس فرقصت على نغمات من الروك أند روك بشكل ساحر مع لفتة إلى أسلوب «البانكس» الذي ظهر في السبعينات، من دون أن تنسى أن الكلاسيكي والأنثوي يبيع وأن السبعينات كانت أيضا الحقبة التي شهدت البريق بكل أشكاله. وإذا كانت باريس بدأت هادئة تكاد تفتقد إلى إيقاع ميلانو السريع وألوانها الساخنة إلا أنها سرعان ما استجمعت قواها في آخر الأسبوع من خلال عروض تاريخية، مثل عرض «شانيل» الذي كان دراما لذيذة، و«كنزو» التي احتفلت بعامها الأربعين، وعرضي كل من الفنان إيلي صعب الساحر والشقي جون بول غوتييه، الذي قدم آخر تشكيلة له لدار «هيرميس».

ما لا يختلف عليه اثنان ممن حضروا عرض «شانيل» صباح يوم الثلاثاء الماضي، أنه كان استثنائيا بكل المقاييس. فلأول مرة منذ سنوات، لم يقدم كارل لاغرفيلد خطه الذي يحمل اسمه الخاص، معلنا أنه أراد التفرغ لطرح تشكيلة جديدة تحمل كل معاني الأناقة لكن بأسعار تخاطب العامة. لكن ما لم يقله هو أنه أيضا أراد التفرغ لكي يحضر لنا مفاجأة سارة في عرض دار «شانيل» أراده أن يكون رنانا تبقى أصداؤه تتردد طويلا في أوساط الموضة، ويبقى محفورا في ذاكرة كل من حضره. وبالفعل كان بمثابة سيمفونية تدخل في إطار الكلاسيكيات الخالدة أكثر منه عرض أزياء عادي. تهادت فيه 80 عارضة في 80 زيا على نغمات أوركسترا حية احتلت قسما بارزا من «لوغران باليه». نعم، هذا الأخير كان كالعادة هو المسرح الذي احتضن هذا الحدث، بحكم أن فخامته تعكس فخامة أزياء الدار الفرنسية، وقبته الزجاجية الضخمة تعكس الكثير من الضوء، مما يجعل المشاهدة متعة للعين ولكل الحواس. المعروف عن كارل لاغرفيلد أنه لا يكتفي بتصميم الأزياء فحسب، بل يستمتع بتقديم مجموعة من صور التشكيلة بكاميرته الخاصة كهدية للحضور، فضلا عن مفاجأتنا دائما بتصميم المكان بشكل جديد ومتميز، من باب تهيئة الأجواء لعرضه، من جهة، ولمداعبة الحضور وإعطائه فكرة عن تيمة التشكيلة، من جهة ثانية. أمر لم يحد عنه وأكد فيه أنه مايسترو على كل الأصعدة، فقد صمم حديقة تستحضر قصر «فرساي» في الشتاء باللونين الأسود والأبيض تخللتها 3 نافورات وكل ما تحتاجه حديقة غناء من إكسسوارات. الإشارة كانت واضحة وهي أن الأسود والأبيض سيسودان التشكيلة، وهو ما كان، على الرغم من وجود ألوان أخرى مثل الوردي والمشمشي والليموني والعاجي، إلى جانب نقوشات مطبوعة بالورود وأخرى غرافيكية. بالنسبة للتصميمات، فجاءت تعبق بروح الستينات بدءا من التايورات ذات الياقات المستديرة إلى القصات التي تميل إلى الاتساع التدريجي والأكمام القصيرة وغيرها. كانت هناك أيضا الكثير من الفساتين الناعمة والبسيطة والبنطلونات المنسدلة التي تستحضر أسلوب المؤسسة كوكو شانيل أيام «دوفيل». ما قام به لاغرفيلد أنه أعاد النظر إلى كلاسيكيات الدار وصاغها في تصميمات أكثر عصرية، سواء تعلق الأمر بتايور التويد الشهير أو الفستان الأسود الناعم. التجديد بدا أكثر وضوحا في المجموعة الأولى، عبارة عن معاطف وجاكتات وبنطلونات من التويد المقطع وكأن به ثقوبا كبيرة، قال المصمم الألماني الأصل إن الغرض منها كان تأجيج عنصري الغموض والتجديد، فهما عنصران مهمان بحكم أن الموضة تتغير والأقمشة بدورها تتغير. لكن إلى جانب هذه المجموعة المتجددة، فإن الكلاسيكية ستكون السمة الغالبة في ربيع وصيف 2011، لأن المصمم يعرف زبونته ويفهمها جيدا، فهي تحتاج إلى فساتين باللون الأسود مزينة بالريش والبريق في المساء، وتايورات التويد بألوان هادئة للنهار، بعضها مطبوع بورود، وبعضها بثلاثة أرباع أكمام، بينما تميز بعضها الآخر بتنورات قصيرة أو طويلة حسب الذوق وأسلوب الحياة. الطريف أيضا أن هذه المغازلة للسوق شملت كل الأعمار، فقد أرسل طفلا يبلغ من العمر نحو العامين في سترة من التويد باللون السكري بحواش باللون الأزرق النيلي، جعلت أنظار كل الأمهات والنساء تتجه نحوه بابتسامات إعجاب، كما أرسل ملهمته القديمة إيناس دي لافريزونغ، التي رافقت بدايته في دار «شانيل» وتبلغ من العمر الآن 53 عاما في أحد إبداعاته. فقد لبست فستانا طويلا باللون الأسود مكونا من طبقتين لعب فيه المصمم على الشفاف والسميك من خلال خطوط تستحضر «تاتوهات» سكان الماوي، وظهر فيه الجزء الأسفل كما لو أنه من الدانتيل. دي لافريزونغ نسقته مع إكسسوارات لافتة باللون الذهبي والريش، وحذاء باليرينا جعلها تمشي مثل راقصة باليه، أو بالأحرى مثل مخملية لديها كل الوقت للتنزه في حديقة والاستمتاع بأجوائها الغناء. والحقيقة أن العارضة المعتزلة، التي تمثل دار «روجيه فيفييه» حاليا، بدت مستمتعة بكل ثانية ودقيقة وبكل خطوة، إذ كانت تمشي متهادية وهي تفرق ابتسامات على الحضور في تناقض تام مع جدية باقي العارضات. لحسن الحظ أن عدوى سعادتها سرعان ما انتقلت للحاضرات، لأنها أكدت أن الأناقة لا تعترف بزمن، تماما مثل أي قطعة من «شانيل».

نجمات حضرن عرض «شانيل»

* كانت النجمة كيرا نايتلي والمغنية ليلي آلن من بين ضيوف «شانيل»، والاثنتان من الوجوه التي استعان بها كارل لاغرفيلد في حملاته الترويجية للدار. كانت هناك أيضا الممثلة رايتشل بيلسون والعارضة السابقة كلوديا شيفر والممثلة لي ليزارك وغيرهن من النجمات الفرنسيات.

* العارضة السابقة إيناس دي لافريزونغ تعود للدار بعد غياب 21 عاما كان سببه خلاف مع المصمم.