حمى الخرفان تصيب لندن

أسبوع الصوف يسلط الضوء عليه كخامة طبيعية وعضوية.. وبيوت الأزياء العالمية توافق

TT

لم يمر على انتهاء أسابيع الموضة العالمية إلا بضعة أيام حتى انطلق أسبوع آخر في لندن، هو أسبوع الصوف، الذي انتهى أمس (الأحد)، واعدا بأن يتكرر لخمس سنوات متتالية. هدفه هو إنعاش سوق الصوف وإعادة الاعتبار إليها، أما أهميته فتنبع من أن راعيه هو ولي عهد العرش البريطاني، الأمير تشارلز، الذي هاله تراجع مبيعات هذه الخامة الطبيعية، لا سيما أنه من أهم المنادين بالمحافظة على البيئة والرجوع إلى كل ما هو عضوي.

شارك في أسبوع الصوف هذا نحو 80 ماركة من بريطانيا ونيوزيلندا واسكوتلندا، أي شركات لمست انخفاضا في أسعار الصوف بنسبة 10 في المائة في العشر سنوات الأخيرة وتضررت من جراء ذلك. أما ما أعطى الأسبوع بريقه وحيويته، فمشاركة بيوت أزياء ومحلات بريطانية كبيرة، منها دار «يايغر» التي أسسها غوستاف يايغر في عام 1884، وهو بروفسور في علم الحيوان كان يؤمن بأن ارتداء الصوف له علاقة مباشرة بالعافية والصحة. كذلك دار «برينغل» التي تحولت من دار معروفة بأزيائها الصوفية التقليدية إلى واحدة من أهم دور الأزياء البريطانية، إلى جانب «بيربيري». أما من المحلات فنذكر «سيلفريدجز» التي نظمت عدة فعاليات في بعض طوابقها تستعرض فيها طرق غزله وثقافته، كما اصطف نحو 15 خروفا مصبوغا بالأصفر خارج مبناها، لتسليط المزيد من الضوء على أهمية الصوف كخامة طبيعية ورحيمة بالبيئة من جهة، وتشجيع المارة للدخول والتعرف على المزيد من جهة ثانية. وبهذه المناسبة، لا يمكن أن نتجاهل مشاركة شارع الموضة الرجالية «سافيل رو»، فقد أغلق الشارع أمام السيارات واقتصرت حركة السير فيه على المشاة، لأنه تحول إلى شبه مزرعة خرفان صبغت بألوان زاهية ونقوشات مربعة في إيماءة واضحة للنقوشات الاسكوتلندية، بينما فتح معظم الخياطين فيه أبوابهم وأرشيفاتهم للزائرين المهتمين والفضوليين على حد سواء، إذ لا ننسى أن أغلب البدل المفصلة هنا من الصوف المغزول بعدة أشكال. والحقيقة أن علاقة الموضة بعالم الحيوانات ليست جديدة، فقد استفادت من جلودها ونقوشاتها كثيرا، كما اهتمت بمصائر بعضها ممن هدد بالانقراض، لكنها لم تهتم يوما بالخرفان إلى حد أن تجعل منها أبطالا لمدة أسبوع كامل. لكن عندما تدق أجراس الخطر مؤذنة بانقراض صناعة بريطانية مهمة وتأثيرها على خرفانها وطبيعتها، ويتدخل ولي العرش بنفسه لتسليط الضوء عليها، فإن الجهود لا بد أن تتكاثف لحمايتها وإعادة الاعتبار إليها.

نيكولاس كولريدج، المدير العام لمجموعة «كوندي ناست» ونائب الرئيس التنفيذي لحملة إنقاذ وإنعاش الصوف هذه، صرح بأن المشكلات التي تواجهها هذه الصناعة خطيرة، تهدد باختفاء الحملان والخرفان من تلال بريطانيا خلال العشرين سنة القادمة، والمتهم الأول في هذه المشكلة هو الموضة، التي أدارت ظهرها لها كخامة طبيعية، وأقبلت على خامات جاهزة وسريعة. والمقصود هنا هو الألياف الصناعية التي أصبحت تهدد الصوف الحقيقي بالنظر إلى حجم الإقبال عليها لرخصها. وكما أن الموضة هي المسؤولة الأولى عن تراجع الإقبال على هذه الخامة الطبيعية، فإنها أيضا الأمل في إعادة الاهتمام إليها، وهو ما أكده الكثير من المحلات وبيوت الأزياء، ليس فقط باستعراض طرق غزله واستعمالاته المختلفة في الأزياء والديكور الداخلي، السجاد مثلا، في الأسبوع الماضي، لكن أيضا من خلال منصات العروض اللندنية والميلانية والباريسية، في تصميمات مفعمة بالأناقة العصرية التي تراعي تغيرات الطقس وحاجة الرجل والمرأة، على حد سواء، إلى الدفء والانتعاش. دار «بيربيري» مثلا قدمت لهذا الخريف والشتاء قطعة ساخنة، هي جاكيت الجلد المبطن بالصوف، التي تم تقليدها من قبل أغلب محلات الموضة الكبيرة، لتنتقل بعدها عدوى حمى صوف الخرفان إلى الإكسسوارات، حيث رأينا الكثير من الأحذية العالية تغطي الكاحل وتطوى ليظهر صوف خشن في بطنها. ومن باريس أكدت بيوت أزياء أخرى، على رأسها «سونيا ريكييل»، التي تشتهر مصممتها المخضرمة بلقب «ملكة الصوف»، على جمال الصوف وعمليته في أزياء راقية، دون أن ننسى دار «شانيل» التي قدمت مجموعة من كل أشكاله وأنواعه وألوانه، تخاطب الخريف والشتاء وتدخله مصاف الخامات الراقية التي تصبو إليها نفس أي امرأة أينما كانت وأيا كان أسلوبها، وسواء كانت تهتم بالبيئة أم لا. ومن ميلانو، أهدتنا دار «برادا» مجموعة شهية، وإن كان بعضها يضيف على من تلبسه حجما قد تكون في غنى عنه. مجموعتها تعرف في أوساط الموضة بالـ«كاشغورا»، وهو مزيج من الكشمير والانغورا، وظهر في فساتين بالأسود وأخرى بالكاراميل بعضها بكشاكش تستهدف إعطاءها طابعا ناعما، وبعضها يتميز بالعملية. عمليتها تعود إلى أن الانغورا المستعملة فيها تخلصت من الألياف الخفيفة التي تبقى على الجلد أو على قطع أخرى، الأمر الذي كان يضايقنا ولا يشجعنا على استعمالها من قبل.

* حقائق واتجاهات «صوفية» - على الرغم من أجراس الخطر التي تقرعها الشركات المتخصصة في الصوف، فإن محلات مهمة مثل «هارودز» و«براونز» و«سيلفريدجز» أشارت إلى زيادة مبيعاتهم من الصوف بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. ففي محلات «براونز» مثلا نفدت كل المعاطف التي قدمتها دار «جيل ساندر» في خلال أسبوع واحد من طرحها، إلى جانب تصميمات صوفية لدريز فان نوتن وستيلا ماكارتني و«كلوي».. إلخ. فهذه التصميمات، رغم أحجامها وأشكالها، تبقى طيعة ومرنة مقارنة بالخطوط الهندسية والتفصيل الصارم الذي تعانقه الموضة منذ بضعة مواسم، وتلوح بأنه سيبقى معنا لمواسم أخرى قادمة.

- هذا الخريف والشتاء، تتلخص الموضة في التفصيل، والخامات المغزولة من الصوف والكشمير وفي الأحجام الناعمة مع إكسسوارات مرحة تنعش أي زي وتجدده. التفصيل يتمثل في المعاطف والتايورات والتنورات المستقيمة التي يمكن إضفاء النعومة عليها بإضافة كنزة من الصوف أو الكشمير أو الانغورا يمكن تنسيقها مع قميص من الحرير أو الشيفون.

- الكنزات الصوفية ذات الأحجام الكبيرة من القطع السهلة والأساسية في خزانة أي امرأة عصرية، وخصوصا أنه بالإمكان استعمالها مع بنطلون جينز أو حتى مع «شورت» من الصوف يكون بديلا عن التنورة القصيرة.

- يعتبر الموهير النوع الأرخص من الكشمير والانغورا، لكنه يعرف إقبالا كبيرا بفضل معانقة مصممين مميزين له، مثل إيزابيل مارون، وميوتشا برادا في خطها الخاص بالصغيرات «ميوميو»، فقد ظهر لدى هذه الأخيرة في كنزات مفتوحة بأزرار للعب على مفهوم الكلاسيكية التقليدية، أي بشكل لا يترك أدنى شك بأنها مستوحاة من كنزات الأجداد.

- يمكن ارتداء الكنزات الصوفية فوق قمصان من الحرير أو القطن بالنسبة إلى الذين يعانون من حساسية الصوف على جلدهم، خصوصا في ظل موضة التلاعب على التناقضات، التي تتلخص هنا في مزج السميك والأقمشة الخشنة بالشفاف والأقمشة الناعمة.

- الكنزات أصبحت تأتي في أشكال وأحجام متنوعة، ويمكن ارتداؤها للنهار أو المساء. في النهار مثلا يمكن أن تبدو أنيقة مع بنطلون جينز أو الصوف مع كعب عال، وفي المساء يمكنك أن تكوني جريئة ومتميزة بتنسيق كنزة صوفية مع تنورة طويلة من الشيفون أو الحرير.

- اختاري فستانا من الصوف الناعم بتصميم بسيط وناعم وبتفاصيل قليلة باستثناء الرقبة وحواشي الأكمام، مثلا، لأنه كلما كان بلون واحد ومن دون تطريزات، يكون المجال أمامك مفتوحا أكثر للعب بالإكسسوارات.

- اختاري كنزة بالأسود أو الكريم مع تنورة مستقيمة وأضيفي عليهما حزاما مبتكرا وقلادة. إذا استعملت «بوتا»، أي حذاء عالي الرقبة، فإن إطلالتك ستكتسب حيوية وعصرية، أما إذا اخترت حذاء بكعب عال، فإن الإطلالة قد تكون أنثوية لكنها ستكون أيضا أكثر رسمية.

- الموضة توجهك إلى شراء تايور من الصوف لهذا الموسم، لكن إذا كانت الفكرة لا تروق لك بسبب ما توحيه من رسمية وكلاسيكية، يمكنك تنسيق الجاكيت مع قميص طويل وحزام مبتكر لتكون الإطلالة عبارة عن طبقات متعددة، مع طي أكمام الجاكيت. من المهم المزج بين الخامات المتناقضة، أي إذا كان التايور من الصوف، يفضل أن يكون القميص خفيفا وشفافا.

- صوف «الميرينو» من الأنواع الجيدة التي ترتبط بنيوزيلندا، وإسبانيا، والأرجنتين، وأستراليا، والسويد، وهو نوع من الصوف الخفيف والناعم الذي يمكن استعماله في كل المواسم. من ميزاته أيضا أنه لا يتلف بسرعة كما لا يعطي رائحة كريهة بعد استعماله لفترة طويلة من جراء العرق، لأنه يتنفس. أما في الأماكن الحارة، فإنه مريح ولا يزيد من حرارة الجسم. الاعتناء به أيضا سهل، إذ يمكن تنظيفه بالماء الدافئ على ألا ينظف باستمرار للحفاظ على جودته.

- إذا كانت لديك حساسية من الصوف، يمكن الاكتفاء بإكسسوارات مصنوعة من هذه الخامة بألوان زاهية يمكن أن تضفي على مظهرك حيوية، سواء كانت على شكل قبعات رأس أو قفازات يد أو أوشحة.

- التوازن مهم للحصول على إطلالة أنيقة، فبعض القطع المحبوكة بالصوف تأتي بأحجام واسعة جدا احتراما لموضة الموسم، لهذا ينصح بتنسيقها مع بنطلون ضيق من الجينز أو الجلد، أو حتى تنورة مستقيمة.

- في العصور الوسطى كانت بريطانيا من أهم مصدري الصوف، أما اليوم فإنها صناعة مهددة، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن جز صوف الخروف يكلف المزارع البريطاني أكثر مما يتقاضاه عن صوفه، وهذا ما اكتشفه الأمير تشارلز وأثار حفيظته في خطاب ألقاه بمناسبة أسبوع الصوف.

- أخيرا وليس آخرا، لا تنسي شرب الكثير من الماء مع استعمال كريمات مرطبة لكامل الجسم خلال فصل الشتاء وعند ارتدائك الصوف، حتى لا تتعرض بشرتك للجفاف، ومن ثم إلى حكة ناتجة عن برودة الجو والصوف.