ليلة خليجية في لندن

بريق أحجار سواروفسكي يعانق سواد العباءة والشيلة

TT

لم تأخذ عناصر شركة سواروفسكي (Swarovski Elements) وقتا طويل لتكتشف أن السوق العربية منفتحة على كل ما يبرق ويلمع، وأنها سوق تحب الموضة وكل ما هو جديد. لم تأخذ وقتا طويلا أيضا لكي تدرك أن التقاليد والموضة لا تتعارضان مع بعضهما بعضا، لهذا لم تستطع أن تتجاهل قوة العباءة الخليجية، ليس كقطعة موضة محملة بالسحر والغموض فحسب، بل أيضا كثقافة. والدليل على هذه القوة أنها أصبحت تسكن مخيلة الكثير من المصممين العالميين الذين تعاملوا معها سابقا بحيطة وحذر، لكنهم في الآونة الأخيرة باتوا يتقربون منها أكثر، كل بطريقته ولغته. وعروض الأزياء الأخيرة لربيع وصيف 2011 تؤكد هذه الحقيقة، بدليل تشكيلة ماريا غراشفوغل خلال أسبوع لندن التي استوحت الكثير من خطوطها من هذه القطعة الشرقية، كذلك عرضا ستيفان رولان للأزياء الراقية وأليساندرا ريتش بباريس، وغيرهما. الفكرة السائدة سابقا عن العباءة العربية أنها مجرد زي باللون الأسود لا يتطلب الكثير من الابتكار ولا يتقبله، لأن المراد منه أولا وأخيرا الحشمة والعملية، في بيئة تطالب المرأة بإخفاء معالم جسدها من خلال تصميمات منسدلة وعدم لفت الأنظار باستعمال ألوان داكنة. لكنهم مع الوقت، اكتشفوا أن الأقفال عليها غير محكمة، وأن باب التطوير مفتوح، ما دام ضمن أطر تحترم التراث والتقاليد. وهذا ما حصل فعلا في لندن مؤخرا، حين نظمت عناصر سواروفسكي (Swarovski Elements) يوم الثلاثاء الماضي، حفلا كانت فيه العباءة العربية نجمة إلى جانب إكسسوارات تكملها وتضفي عليها الفخامة.

الفعالية نظمت تحت اسم «جواهر»، بمشاركة مجموعة من المتخصصين في الملابس التقليدية بمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي وجنوب شرق آسيا.. وعرضت فيها مجموعة عباءات جمعت الطابع العصري بالتراثي، وإن كان هذا الأخير قد تجلى أساسا في اللون الأسود والحشمة فقط. أما ما عدا ذلك فإن التصميمات كانت جد مبتكرة، زادتها أحجار الكريستال المتنوعة بريقا وألقا. فكل المصممين المشاركين من دون استثناء تباروا في التفنن في إدخال هذه الأحجار، كل حسب رؤيته وأسلوبه، ونذكر منهم «سويت ليدي»، «كانزي»، أليساندرا ريتش، أريستيو، زياد أنطون، عائشة رمضان، رشا خوري، إيريك تشونغ، ميلندا لوي، وغيرهم، علما بأن أعمالهم لم تقتصر فقط على الأزياء، بل شملت أيضا الإكسسوارات، من أحذية مرصعة وحقائب يد وأحزمة وغيرها. سوهاد أكوري، مثلا، من لبنان، قدمت حزاما فضيا يتلألأ بالكريستال والأحجار، بينما قدم الإيطالي، دييغو دولتشيني، الذي سبق له العمل مع توم فورد إبان عمل هذا الأخير مع دار «غوتشي»، حذاء سهرة يخاطب امرأة مترفة وأنيقة، منطلقا من قناعته بأن الحذاء هو الأساس الذي يبنى عليها باقي المظهر.. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه إذا كان متميزا ومريحا فإنه يجعل المرأة تقف بشكل عال وتمشي بطريقة متميزة أيضا، ولهذا «فإن المسألة لا تخضع لتصميم شكله الخارجي فحسب، بل لحسابات كثيرة هي التي تجعله متميزا».

الجميل في المناسبة أنها لم تكن مجرد حفل ترفيهي لتعريف بعض الحضور الغربيين بالعباءة كزي عربي يستحضر أجواء قصص ألف ليلة وليلة بالنسبة للبعض، أو لنفض بعض الإيحاءات السلبية التي اكتسته منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، بل كانت استكشافا لتاريخها وثقافتها وبيئتها منذ النشأة إلى أن تحولت إلى قطعة موضة لصيقة بسحر الشرق وغموضه. وهذا ما حاولت شركة عناصر سواروفسكي تأكيده وتحقيقه من خلال هذه الاحتفالية. ولا شك أن المرأة العربية والغربية ستجد في الكثير مما عرض بدائل أنيقة عن فساتين السهرة العادية التي أغرقت الأسواق. فتصميمات بعضها جاء أقرب إلى الفساتين منها إلى الجلابيات بتصميمها الملتف على الجسم بطريقة تراعي الماضي وتتطلع إلى المستقبل. بعبارة أخرى، فهي غير مشدودة على الجسم بحيث تبرز تضاريسه ومفاتنه، وهذا يعني أنها لا تمس التقاليد، فيما تميزت بتفاصيل مبتكرة، أحيانا على الأكمام وأحيانا أخرى على الأكتاف أو غطاء الرأس أو الظهر، أغلبها تفاصيل استعملت فيها أحجار الكريستال بجرعات محسوبة تعرف تماما أنه إذا زادت الكمية عن حدها الجمالي انقلبت إلى الضد.

تجدر الإشارة إلى أن استعمال أحجار سواروفسكي في الأزياء والإكسسوارات ليس وليد الساعة، لأنها كانت ولا تزال دائما الحاضر الغائب في العروض العالمية والمناسبات المهمة على حد سواء منذ ثلاثينات القرن الماضي تقريبا. وأغلبية المصممين اليوم يعتمدون عليها لإضافة البريق والجمال على إبداعاتهم، بدءا من إيلي صعب إلى دار «بالمان»، مرورا بـ«شانيل»، و«ديور»، وهلم جرا. وهذه العلاقة بدأت مع الجد، في عام 1913، إذ إنه هو الذي وطد علاقاته في هذا المجال بعد ابتكاره أشرطة مرصعة بالأحجار يمكن حياكتها بسهولة على الأقمشة. وفي عام 1956 تعاون مع السيد كريستيان ديور لتتوالى التعاونات مع باقي المصممين عبر السنوات. ما أنجزته الحفيدة نادجا سواروفسكي أنها أخذت هذه الخطوة إلى مرحلة جديدة جعلت من الصعب زعزعة مكانة هذه الأحجار اليوم. سياستها كانت ذكية وفعالة، اعتمدت على دعم مصممين شباب بتزويدهم بكميات سخية من الأحجار لكي يبدعوا ويحافظوا على اسمها عاليا، سواء في الأزياء الجاهزة أو الراقية. وهكذا أصبحت كل قطعة تدخل فيها هذه الأحجار تحمل توقيع الشركة للدلالة على جودتها (Made With Swarovski Elements) ولضمان ثقة الزبون.

كانت هذه الخطوة مهمة بالنسبة لنادجا، فقد كانت تحتاج إلى تمتين علاقتها بصناع الموضة. ففي الفترة التي تسلمت فيها زمام الأمور، كانت الدار تمر بفترة ركود عام، طوال علاقتها بعالم الموضة، وشهد خفوت بريقها شيئا ما، لأنها كانت تغازل الموضة من بعيد، وبخجل شديد. شعرت - بحسها التجاري والأنثوي على حد سواء - بأن المستقبل يكمن في الأزياء والإكسسوارات، وأنه لا بد من إعادة الدفء إلى العلاقة، وهو ما تحقق. فقد كتبت فصلا جديدا من قصة الحب بينهما لم تكتب نهايتها بعد، وليست هناك أي مؤشرات تدل على أنها ستخف أو تذوي في السنوات القادمة.

فحبنا للكريستال يزيد يوما عن يوم. وحتى في الفترة التي سادت فيها الموضة الهادئة والبسيطة التي ترفع شعار «القليل كثير» في السبعينات لم تختف تماما، وظلت تناور لتبقى في الواجهة، إما على شكل مجوهرات تنافس الأحجار الثمينة بريقا وجمالا، أو إكسسوارات تليق بأحلى السهرات. وخلال الطفرة الاقتصادية، شهدت إقبالا منقطع النظير كان من الصعب اختفاؤه حتى بعد حدوث الأزمة المالية العالمية. والفضل يعود إلى أن الشركة نجحت في العقد الأخير في إغواء كبار المصممين ببريقها، وجعلتهم يدمنونه، لتنتقل عدوى هذا الإدمان إلينا. وكانت ضربة الحظ أن مصممين تعشقهم الموضة - مثل مصمم دار «بالمان» كريستوف ديكارنين - وقعوا في حبها. فهذا المصمم الشاب لم يتوقف في المواسم الأخيرة على إتحافنا بالحداثي من بنطلونات جينز مرصعة يتعدى سعرها آلاف الدولارات ومع ذلك تنفد من الأسواق حتى قبل طرحها، إلى أحذية بعدة أشكال تخاطب امرأة عصرية ومرفهة. وطبعا لا ننسى «جيمي شو» الذي يستعمل هذه الأحجار بسخاء لا يضاهيه سوى سخاء المرأة الكبير للحصول عليها، فضلا عن تمويل نادجا سواروفسكي للمصمم الاسكوتلندي الأصل، كريستوفر كاين، في بدايته، وهو اليوم واحد من أهم المصممين في الساحة البريطانية. وانتقالها إلى الشرق الأوسط كان مسألة وقت فقط، لأن السوق مستعد للبريق ومنفتح على الجديد وعلى كل ما هو جميل.

* الكريستال كلمة مشتقة من كلمة «Krustallos» اليونانية القديمة، حيث كان اليونانيون القدماء يطلقون هذه الكلمة على الجليد لما يتمتع به من بياض وشفافية، فقد كانوا يفاجأون عندما تتحول المياه السائلة إلى ما يشبه الحجر، غير أنهم اكتشفوا بعد ذلك أنه يوجد في الصخور ما يشبه هذا الثلج.. أحجار من دون لون وشفافة.. لكنه ليس ماء، ومن هنا أطلقوا عليه اسم الكريستال الجبلي. لكن لصعوبة الوصول إلى هذا النوع من الكريستال الطبيعي ومعالجته فقد تم التوصل إلى طريقة أخرى من أجل الحصول على مواد بنفس هذه المواصفات ومن دون استخراجها من الجبال، ساعدت على ذلك تكنولوجيا إنتاج الزجاج، حيث يتم صنع هذا الكريستال عن طريق اختيار نوع معين من الزجاج يتميز بالنعومة والشفافية، والاستعاضة بأكسيد الرصاص عن أكسيد الكالسيوم الموجود في المادة الأصلية، بحيث يؤدي ثقل الزجاج بمادة الرصاص إلى جعله أكثر نعومة وتصبح عملية حَفّه وتشكله أفضل.

* تعد التشيك مهد صناعة الكريستال في العالم، ففيها نشأت هذه الصناعة في القرن التاسع الميلادي، وتحديدا في منطقة بوهيميا الشمالية، التي كانت مسقط رأس المؤسس دانييل سواروفسكي، قبل أن ينتقل في عام 1892 مع أبنائه إلى فاتنز في تيرول النمسا حاملا معه خبرته وحبه للمهنة. لكن لم يكن هذا كل ما حمله معه، فقد أخذ آلة جديدة اخترعها لقطع أحجار الكريستال وتلميعها، أحدثت انقلابا في عالم الموضة وصناعة الحلي والمجوهرات، ليصبح رائدا في صناعة الكريستال المصقول واستخدامه في الموضة والمجوهرات على حد سواء.

* للكريستال استخدامات متعددة، لا تقتصر على الأزياء والإكسسوارات فقط، بل دخل أيضا مجال الديكور، مثل الوسائد المرصعة بالكريستال والمفارش، بل وحتى الثلاجات والأدوات الكهربائية والتكنولوجية. في مجال الديكور، يمكن لزائر نادي كافالي بدبي، مثلا، مشاهدة ستارة طولها ستة أمتار (ضمن مجموعة جواهر) معلقة على السقف تنعكس فيها الأحجار والأضواء بشكل مثير على خلفية كوارتز سوداء.

* افتتح معرض «جواهر» لهذه العباءات والإكسسوارات للزائرين في 20 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وسيظل مفتوحا إلى أول نوفمبر (تشرين الثاني) في محل «سواروفسكي كريستلازد» الواقع مقابل محلات «ليبرتي» في 24 شارع غريت مارلبورو (Great Marlborough St, 24) بلندن.