الكحل يحارب الظلال على الجفون

العيون «الغزالية» عنوان نظرة خريف وشتاء 2010/2011

TT

مجددا يفيق الكحل من سباته، ليرسم نظرات أنثوية على منصات عروض الأزياء لهذا الموسم، بحلة خاطبتنا من خلالها فاتنات سينما الخمسينات، وإن حملت في طياتها نفحة عصرية، تقول لك: «كوني جميلة ودعي العيون تحكي».

نبدأ بطلة النظرة العميقة والغامضة التي اشتهرت بها الممثلة الفرنسية بريجيت باردو، ونذكر في هذا السياق الأسلوب الذي اعتمد لدى «جيامباتيستا فالي»، حيث تم التركيز على الجفن العلوي فقط، أما لدى «غوتشي» و«سيلين»، فتميز بوصل جفن العين العلوي بالسفلي مع تكحيل الجفن الداخلي، في تحية واضحة للنجمة الفرنسية التي اشتهرت بالحرفين الأولين من اسمها «بي بي».

من ناحيتها، لم تغب النظرة الجريئة للممثلة الإيطالية صوفيا لورين، فبرزت ضمن مجموعة «دولتشي أند غابانا» المستوحاة من أجواء صقلية الإيطالية.

أما النظرة المتعالية والمدللة التي تفردت من خلالها الممثلة الأميركية مارلين مونرو، فقد رافقت عيون عارضات «كريستيان ديور» مع إضافة ظلال موحدة باللونين المرجاني والفيروزي لم تسلب إطلالة فاتنة هوليوود الخمسينات بريقها وتوقيعها.

وعلى غرار فاتنة سينما الخمسينات إليزابيث تايلور، ذهبت دار «إيف سان لوران» إلى اعتماد خط الكحل الأسود، رافقته ظلال عيون موحدة باللونين البرتقالي والمرجاني أضفت إلى أسلوب نظرة تايلور الواثقة رونقا عصريا يضيء الأجواء الرمادية.

وإذا نفضنا الخطوط عن هذه اللوحة الخريفية التي تعد بشتاء ساحر، تحاكينا مرة أخرى عيون كليوباترا وتعود بنا 5000 سنة إلى الوراء، إلى مصر القديمة، حين كان الفراعنة يكحلون عيونهم بمادة كانت تعرف باسم الـ«دمستيم»، ومعناه الأصلي «الذي يجعل العيون تحكي». كانت كليوباترا رائدة في مجال استخدام «الكحل» المصنوع من مادة الـ«غالينا»، وهو معدن من الرصاص كان يتم استخراجه من جوار البحر الأحمر. في البدء، كان التكحل يقتصر على الكهنة ورسوم الدفن كرمز للخلود، قبل أن يتم تعميمه على الرجال والنساء والأطفال؛ بعد اكتشاف فوائده الطبية، مثل حماية العين من الالتهابات الناتجة عن الغبار والرمال التي كانت تحملها معها الرياح، بالإضافة إلى وقايتها من الإشعاعات الشمسية.

موضة التبرج هذه، التي راجت في بلاد فارس والهند، أدخلت إلى اليونان والإمبراطورية الرومانية، علما بأن التبرج، كان حتى القرن الثالث ميلادي، يعد انتهاكا للأخلاق عند اليونانيين، فكان التكحل يقتصر على الحاجبين وكانت ترسم على شكل قوس. على عكسهم، كان الرومان، رجالا ونساء، يكحلون داخل عيونهم، وقد اشتهر بهذا الأسلوب نيرون وأهل بلاطه في القرن الأول الميلادي.

خلال عصر الجاهلية، طور عرب شبه الجزيرة هذه الوصفة، وأطلقوا عليها اسم الـ«كحل» ومعناه «بودرة حجر الإثمد». وكانوا يستخدمون للتكحيل عصا رفيعة: تغمس نهاية العصا في قارورة الكحل أو المكحلة، لتكحيل الرموش وجفني العين الداخلي والعلوي. بالإضافة إلى استعمالاته الطبية التي ذكرناها أعلاه، كان أهل بدو الصحراء يكحلون عيون أطفالهم في يومهم السابع، ويفركون الكحل على حبل سرة الطفل لدى ولادته لتلتئم وتبقى محمية من الالتهابات. وغني عن القول فإن عيون المرأة المكتحلة على شكل الغزال كانت مصدر إلهام لشعراء العرب، أمثال جميل بثينة.

أما خلال العصور التي تلت حقبة الإمبراطورية الرومانية، فتميز التبرج في أوروبا بالبساطة، وإن شهد أوجه في القرن السابع عشر ميلادي مع «ملك الشمس»، لويس الرابع عشر، واقتصر فقط على إبراز الشفاة باللون الأحمر، والإبقاء على ملامح العين طبيعية.

في القرن العشرين، عاد الكحل للتربع على عرشه من جديد، واتخذ له أساليب اختلفت مع اختلاف الظروف والأحداث. خلال حقبة العشرينات التي تزامنت مع فورة الازدهار الاقتصادي، وانتشار أفلام الشاشة الكبيرة، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تخلصت المرأة من قيود موضة «الأم» وأصبحت ترتاد الصالونات والمقاهي، فاتخذت لها عيونا مكتحلة ودخانية ترسمها حواجب رفيعة ومدورة. نذكر من رائدات هذا المظهر الممثلة الأميركية لويز بروكس. ثم دقت الحرب أبوابها مرة ثانية، فغابت لفترة ليست بالقصيرة صورة المرأة الأنثوية، لكنها عادت لتنتفض من جديد مع حلول عقد الخمسينات، واتسمت فاتنات سينما تلك الحقبة بأسلوب العيون الغزالية، كما ذكرنا سابقا، وقد أرجعت مختبرات «إليزابيث آردن» موضة الكحل، تزامنا مع إطلاق مختبرات «إيلينا روبنشتاين» أسلوب الرموش الطويلة حينها.

تلت تلك الحقبة موجة تحرير المرأة في الستينات التي جلبت معها موضة مغايرة عن السنوات التي سبقتها، عبرت عنها العارضة الشهيرة تويغي بشعرها القصير وخط كحلها الدائري، الذي لا يتخطى حدود زاوية العين الخارجية، مع إبراز الرموش العليا والسفلى بواسطة الماسكارا ورسم الجفن الداخلي بالأبيض. نصل إلى حقبة الديسكو في السبعينات، التي اشتهرت بأسلوب العين الطائر، لتتطور هذه الموضة، التي لم توفر استخدام الظلال البراقة ذات الألوان القزحية البراقة، وتصير هذه الأخيرة رفيقة خطوط الكحل خلال فترة الثمانينات.

أما الاختراع الذي هز عالم الكحل، فكان سنة 1990 مع إطلاق صيحة «الآي لاينر» بتركيبته السائلة، التي تجعله يجف بسرعة، ويثبت على الجفن بطريقة أفضل من قلم الكحل، كما يسمح برسم الخطوط بدقة أكبر. وسرعان ما تطور هذا المنتج من خلال أشكال جديدة أكثر عملية وسهولة.

بالعودة إلى الكحل التقليدي، من الجدير ذكره أنه ما زال رائجا حتى يومنا هذا، خصوصا في الهند وبعض الدول العربية كالمغرب، حيث لا تزال الأمهات ينقلن سر صناعته إلى بناتهن من جيل إلى جيل. كما يشهد القرن الواحد والعشرون إعادة إطلاق تركيبة الكحل الأصلية على شكل قلم، ليحل مكان القلم «الأسود» الكلاسيكي بتركيبته الصناعية، الذي ظهر خلال القرن الماضي ولم يستطع مضاهاة الأول من جهة حدة لونه وثباته على العين. في التسعينات أطلقت مختبرات «غيرلان» مكحلة عيون، في محاولة وفاء منها لأصالة الكحل.

* على خطى فاتنات حقبة الخمسينات - طريقة وضع «الآي لاينر» بحسب أسلوب مارلين مونرو تقضي برسم خط رفيع ومستقيم على الجفن المتحرك بمحاذاة الرموش، بواسطة قلم الكحل، يتم تحديده لاحقا من خلال «الآي لاينر» السائل على طول الجفن العلوي مع ثنيه صعودا عند زاوية العين الخارجية ومده ليوازي طرفه طرف الحاجب الخارجي، مع التركيز على إبراز طول الرموش عند فتحة العين الخارجية.

- إذا كنت ترغبين في اعتماد نظرة بريجيت باردو، استخدمي نفس طريقة أسلوب مونرو، إنما مع تعريض خط الكحل على الجفن العلوي تدريجيا ووصله بالجفن السفلي بخط آخر لا يتصل بزاوية العين الداخلية. في حين يتم فصل خطي الجفنين المتحرك والثابت عند فتحة العين الخارجية، للحصول على نظرة صوفيا لورين.

- أما لرسم طلة أودري هيبورن، فيبدأ مد خط «الآي لاينر» عند منتصف الجفن العلوي، ويتم تعريضه تدريجيا وتحديده عند زاوية العين الخارجية، في الوقت الذي يعتمد تعريض الخط بدءا من زاوية العين الداخلية وتحديده عند زاويتها الخارجية للحصول على نظرة إليزابيث تايلور.

* يحبذ عدم استخدام أسلوب الخمسينات إذا كان:

- الجفن المتحرك هابطا - الجفن الثابت يغطي المتحرك - بؤبؤ العين جاحظا في مثل هذه الحالات، يفضل تكحيل الجفن الداخلي على الطريقة العربية، مع قليل من الماسكارا على خط الرموش العليا فقط. أما إذا كانت العينان صغيرتين، فيستحسن استخدام الماسكارا فقط وذلك على خطي الرموش العليا والسفلى.