ارتفاع أسعار الإيجارات بمدينة نيويورك يزيد من الإقبال على البيوت القديمة

رغم أنها تتباين بين 300 و22 ألف دولار في الشهر

TT

إنها ليست وجهة نظر ترتبط بشكل شائع بملاك العقارات في مدينة نيويورك، ولكن بالنسبة لمالكولم سمارت، تبدو بعض الأشياء أكثر أهمية من المال.

يقول سمارت، مالك العقارات الذي يقيم في منزل قديم مبني من الحجر البني في حي بروكلين، والذي يضم شقة بغرفة نوم واحدة يؤجرها: «لا أريد أن يعيش شخص يثير استيائي في شقتي. وإذا كان الأمر يعني الحصول على إيجار أقل بمئات الدولارات كل شهر مقابل الشخص المناسب، فإن هذا الأمر يستحق التضحية المالية تماما».

بطبيعة الحال، لا تزال التصنيفات الائتمانية للمستأجرين المحتملين والتوصيات والراتب تمثل مسائل ضرورية، ولكن نفس الوصف ينطبق على المسائل غير الملموسة مثل الشخصية التي تكون مهمة عندما يشترك الشخص ومالك العقار في الفناء الخلفي أو الرواق أو المدخل الأمامي.

ومع سيطرة شركات التنمية العقارية الكبرى لفترة طويلة على سوق الإيجارات في مانهاتن وقدر كبير من بقية المدينة، ما زالت المنازل المبنية من الأحجار البنية في بروكلين تعتبر محمية لصغار ملاك العقارات. وفي ظل توفر المزيد من ملاك العقارات، تزداد احتمالية الوصول إلى صفقة جيدة.

وقد ارتفعت تكلفة إيجار المباني القديمة – التي كانت أكثر استقرارا مقارنة بالعقارات الأخرى حتى في الأوقات الاقتصادية المضطربة، نظرا لقلة الطلب جزئيا - مرة أخرى في هذه المنطقة. وفي السنوات الأخيرة، ومع إغراق الآلاف من المباني الفخمة الجديدة المطروحة للإيجار، وفي ظل تقديم كبار الملاك العقاريين لحوافز مثل الإيجار المجاني لعدة شهور، غالبا ما يواجه المنزل القديم المبني من الحجر البني أوقاتا عصيبة في ظل المنافسة.

ففي حين كان يوجد دائما مستأجرون يصرون على السكن في المنازل القديمة المصنوعة من الحجر البني مع اهتمامهم بتفاصيل مثل الأرضيات الخشبية والحليات المعمارية الدقيقة والغرف الخصوصية، بقيت الشقق المطروحة للإيجار بالمباني الصغيرة في حي بروكلين معروضة في السوق لمدة 65 يوما في المتوسط قبل أن يتم استئجارها، في الشهور التي تلت انهيار مصرف «ليمان برازرز» منذ أكثر من عامين.

ويمثل هذا المعدل قفزة حادة لمتوسط أيام الانتظار، والذي سجل 10 أيام خلال سنوات الازدهار. وقالت فيكي نيغورون، النائبة الأولى لرئيس مجموعة «كوركوران»، والمتخصصة في تأجير العقارات بحي بروكلين: «إذا قدمت للمستأجر الحوافز، بالطبع سوف يميل إلى البعد عن المنازل القديمة المبنية من الأحجار البنية».

ولكن الكثير من المشاريع الجديدة تم شغلها مؤخرا، واختفت الحوافز العقارية. ومتوسط الوقت الذي يمكن أن تبقى فيه شقة بمبنى صغير في حي بروكلين خالية الآن هو 35 يوما، وهو وقت أقل من الوقت الذي تستغرقه الوحدات في مشاريع التنمية العقارية الكبيرة. وبينما انخفضت الأسعار بشكل محدود عما كانت عليه وقت ذروتها، حسبما يقول سماسرة العقارات، فإن الفائدة الحقيقية للمستأجرين المحتملين هي أنهم يمتلكون الفرصة لفحص مجموعة منوعة من الأماكن قبل اتخاذ القرار.

وفي حي بروكلين، يمكن أن يكون عامل الوقت في أهمية المال، بسبب توافر عدد كبير ومتنوع من شقق المنازل القديمة.

وغالبا ما يتجنب الملاك استخدام شبكة الإنترنت تماما، ويطورون علاقات حصرية طويلة الأجل مع السماسرة. وحتى في الأماكن التي تكون فيها عمليات التسجيل متاحة على نحو واسع، لا يكون هناك مؤشر على ما يدفعه المستأجرون بالفعل، والتي يمكن أن تكون أقل من الأسعار المطلوبة.

كل هذه العوامل يمكن أن تجعل إيجار المنازل القديمة عملية شاقة. ويتعقد البحث بشكل إضافي بسبب أن الأسعار يمكن أن تتأرجح بشكل واسع حسب الضاحية. على سبيل المثال، عادة ما يتم استئجار الشقق الواقعة على الحافة الشرقية لمنطقة بروسبكت هايتس بمبالغ أعلى من الشقق المشابهة في منطقة كراون هايتس بنسبة تتراوح ما بين 20 إلى 25%، التي تبعد عنها بمسافة مبان قليلة فقط حسبما ذكر سماسرة في المنطقة.

وقال أندرو باروكاس، الرئيس التنفيذي لمجموعة «ريل إيستيت غروب نيويورك»: «إنه سوق يصعب فيه تحديد الأسعار لأن الكثير من المنازل القديمة المبنية من الأحجار البنية يشغلها ملاك هذه المنازل. وبعض من هؤلاء الملاك لا يبحثون دائما عن الأسعار المرتفعة، ولكنهم يبحثون عن المستأجر المناسب».

وتختلف الأوضاع المالية لملاك العقارات بشكل واسع، إذ أن الشخص الذي اشترى منزلا مبنيا من الحجر البني في عقد الثمانينات من القرن الماضي بمئات قليلة من الدولارات، وهو السعر الذي كان سائدا في الكثير من الضواحي في ذلك الوقت، يقف في وضع مختلف بشكل كبير عن الشخص الذي دفع ما يزيد عن مليوني دولار منذ سنوات قليلة ويعتمد على الدخل من الإيجار الشهري لدفع الرهن العقاري.

سكوت كلاين، وهو سمسار في شركة «برودنشال دوغلاس إليمان» يعيش في حي بروكلين منذ عام 1983، ومثل معظم السماسرة الذين يتخصصون في السمسرة العقارية بهذا الإقليم الإداري، يتعامل مع كل من المبيعات والإيجارات. وهذا الأمر مدفوع جزئيا بحقيقة أن الملاك الجدد غالبا ما يؤجرون جزءا من منازلهم. ويستشهد كلاين بزوجين دفعا مؤخرا مبلغ 1.7 مليون دولار نظير شراء منزل قديم تم ترميمه مؤخرا.

ويخطط الزوجان للعيش في شقة بحديقة وتأجير بقية المبنى، في حين تم دمج طابق الردهة، الذي يعتبر أغلى طابق في إيجارات المنازل القديمة، والطابق الثاني من أجل إنشاء شقة مكونة من طابقين بغرفتي نوم، وهي معروضة للإيجار بسعر 4350 دولارا في الشهر.

وتتميز الشقة بالكثير من التفاصيل التي يقدرها الأشخاص الذين يسعون للإقامة في منزل قديم، بما في ذلك الأسقف القصديرية والمرايا العمودية والأرضيات الخشبية والحليات المعمارية المنحوتة بشكل دقيق، خصوصا أنه تم تحديث المطابخ والحمامات، وهناك طاولة صغيرة في المطبخ تطل على حديقة كبيرة مخصصة لاستخدام الملاك.

وقال كلاين: «ذكر الملاك أنهم إذا كانت علاقتهم جيدة بالمستأجرين، وإذا أرادوا أن يقيموا حفلة ويستخدموا الفناء الخلفي بالكامل، فسوف يتعاملون بتفتح مع هذه الفكرة». والإيجار أيضا يمكن التفاوض عليه، علما أن شقة مكونة من غرفة نوم واحدة وتشغل طابقا بأكمله تقدر بألفي دولار شهريا.

لكن على بعد بنايات قليلة، في 414 بارك بلاس، مثلا، ينخفض إيجار شقة بنفس المواصفات إلى 300 دولار.

يشرح سمارت: «هناك أفراد يتفقون في الحصول على إيجارات مرتفعة، لكنهم لا يجنون من ورائها سوى المتاعب».

على غرار الكثير من مالكي المباني المبنية بالحجر البني، قدم سمارت إلى الحي قبل عقود، حيث انتقل إلى شقته الأولى عام 1984 في نفس البناية التي يعيش فيها الآن، حيث لم يدفع إيجارا لسنوات لأن المالك كان صديقا له.

وبعد أن اشترى المنزل الحالي في عام 1998، تحول إلى سمسار لإيجار الشقق الفاخرة.

يقول: «جلب السمسار 9 أشخاص لكن أيا منهم لم يكن مناسبا. لكن من خلال حديث شفهي وبالصدفة، اكتشفت شابة أنه يملك شقة للإيجار، واتفقت معه على إيجار يقدر بـ1200 دولار شهريا، وظلت فيها لمدة 6 سنوات.

بعد انتقالها قام سمارت بتأجير الشقة إلى شخص آخر، رافعا الإيجار إلى 1700 دولار شهريا، وهو ما يعتبره أقل من عقارات مشابهة في نفس الحي ببضع مئات من الدولارات.

وأعربت نيغرون عن اعتقادها بأن قرار المالك بيع العقار يعد واحدا من الأمور الأساسية التي تتسبب في رحيل المستأجرين من المباني القديمة.

وأردفت قائلة: «لم أر أشخاصا قرروا الانتقال لمجرد أن الإقامة بمباني الحجر البني لم ترق لهم».

من جانبهم، يقول السماسرة إن نسبة النجاح في العثور على شقة داخل مبنى قديم ترتبط مباشرة بحجم الجهود التي يبذلها المرء في البحث. إنها بمثابة عملية صيد.

ويؤكد الوكلاء العقاريون أن احتمالات العثور على فرصة ذهبية باتت ضئيلة، لكن على خلاف الحال مع الكثير من العقارات الضخمة، غالبا ما توفر المباني المبنية من الحجر البني مساحة للتفاوض. ونظرا لإمكانية العثور عليها في مجموعة متنوعة من الأحياء، فإنها تتوافر في صور متنوعة تتوافق مع مختلف الميزانيات تقريبا.

على المستوى الأعلى، تحديدا في 11 كرانبري ستريت، على بعد خطوات من متنزه بروكلين هايتس، تعرض نيغرون منزل «موت بيديل»، وهو منزل بني من الآجر يعود إلى عام 1840، ويبلغ سعر تأجيره 22 ألف دولار شهريا.

ويشمل هذا السعر خدمة تنظيف تتولى رعاية المنزل مرتين أسبوعيا لمساعدة المستأجرين على الحفاظ على نظافة مساحة تقارب 8 آلاف قدم مربع مقسمة على 5 طوابق. ويضم المنزل مطبخين وجهازين للغسل والتجفيف، بجانب تميز كل غرفة بأثاث فخم، بما في ذلك غرفة نوم بها آلة بيانو ضخمة. ويوجد بالمنزل 5 حمامات، أحدها صغير، و4 مدفآت، بينما يوجد بالحديقة شجرة عمرها 500 عام وتطل الشرفة بالطابق العلوي على مشهد عام لمانهاتن.

على بعد بضعة بنايات، تحديدا 107 ويلو ستريت، يجري عرض شقة استوديو للإيجار مقابل 1450 دولارا شهريا. تتميز الشقة بسقف مرتفع وخزانة كبيرة ونوافذ عريضة. أما المطبخ فلا يضم سوى موقد وفرن صغير، بجانب حوض لاستخدام مزدوج للمطبخ ودورة المياه.

وهناك أيضا شقق ذات طابع خاص في 29 ويلو ستريت، تعكس جميعها الجانب الشخصي للمالكين، أرتورو روزيلز وبولي شيران، اللذين اشتريا المبنى مقابل 1.6 مليون دولار منذ 8 أعوام ولا يزالان يعيشان في أحد الطوابق. أما الشقق التي يعرضانها للإيجار بالمبنى فمجهزة بالأثاث، وتعكس كل منها فكرة عامة مختلفة. وقد جمعا المواد الموجودة في الشقق خلال أسفارهما، بجانب رسومات من ابتكار روزيلز.

يمكن استغلال هذه الشقق في قضاء عطلات نهاية الأسبوع. ويبلغ سعر التأجير لليلة 350 دولارا، وللشهر 4200 دولار.

* خدمة «نيويورك تايمز»