مستشارو العلاقات الأسرية.. دليلك لحياة زوجية سعيدة

الحل الوسط أقصر الطرق لإعادة جسور التفاهم

TT

تتأثر العلاقات الأسرية على اختلاف أشكالها، سواء كانت بين الآباء والأبناء أو ما بين الأزواج، بما يحيطها من ظروف بنفس القدر الذي تتأثر فيه الظروف المحيطة بالفرد بطبيعة العلاقة مع أسرته، وهو ما ينعكس بالسلب أو الإيجاب على علاقته بالعمل أو بالمجتمع الذي يعيش فيه.

وأملا في تفادي هذه المشكلات، قبل تفاقمها وتحولها إلى ما يشبه الحلقات المفرغة، تعاظم دور مستشاري العلاقات ومراكز الإرشاد الأسرية المتخصصة بالمجتمعات الشرقية، مع العلم بأنها شائعة ومألوفة في الغرب ويقبل عليها الكثيرون إيمانا بدورها في حل مشكلاتهم. لكن هذا الدور لا يزال في مجتمعاتنا الشرقية يصطدم بحائط العادات والتقاليد، والبعض ينظر إليه باعتباره ترفا لا طائل من ورائه.

الدكتورة فاطمة الشناوي، استشارية العلاقات الزوجية والأسرية والعلاج النفسي، ترى أنه، ومن خلال الخبرة والمعايشة، لاحظت ارتفاعا كبيرا جدا بمعدلات الطلاق والمشكلات بين الأزواج. كما لاحظت، طبقا للإحصائيات، أن نحو 50 في المائة من حالات الطلاق تحدث في السنة الأولى عقب الزواج، وتتراوح النسبة بعد ذلك ما بين 30 إلى 40 في المائة، مما يعد مؤشرا خطيرا عن غياب «ثقافة الزواج» في المجتمع.

وأرجعت فاطمة الشناوي ارتفاع معدل الطلاق لعوامل كثيرة، منها المتغيرات المجتمعية الكثيرة التي طرأت على حياتنا، من أزمات اقتصادية إلى غزو الفضائيات بما تحمله من قيم وسلوكيات وطريقة حياة مختلفة، وكذلك تحول أفراد الأسرة إلى جزر منعزلة، مما أدى إلى فقدان التواصل الأسري والإسراع بالطلاق عند أول مشكلة، وتشير إلى أن «لهذه الأسباب قررت دراسة الطب النفسي الأسري، وهو أحد أنواع العلاج النفسي الذي يشمل كل أفراد الأسرة وليس الأزواج فقط كما هو شائع».

وعن الخلفيات التاريخية للعلاج النفسي الأسري، توضح أنها بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، حين وجد الأطباء النفسيون في أميركا أن عائلات المرضى النفسيين تتواصل بطريقة خاطئة، سواء مع بعضهم بعضا أو مع المريض، وأن أعراض المرض النفسي تزيد أو تقل في المريض حسب درجة التوتر بين الوالدين. وهنا نشأت فكرة التعامل مع الأسرة كوحدة واحدة، بدلا من التركيز على المريض نفسه فقط، وظهر بذلك تحسن كبير في حالة المرضى النفسيين. وتطور الأمر بعد إدراك أهميته في الدول المتقدمة إلى أن أصبح العلاج الأسري متاحا بأنظمة التأمين الصحي للإفراد، مثل أي مرض آخر، إدراكا لدوره وتأثيره على الأشخاص والمجتمع.

ويعتبر العلاج الأسري من أنواع العلاج القصير الأمد غير المكلفة، حيث يستغرق العلاج ما بين 6 إلى 8 جلسات، يعمل خلالها الخبير على تحليل العلاقات بين أفراد الأسرة ومشكلاتهم وطريقة تواصلهم مع بعضهم بعضا، ثم يضع الحلول لتصحيح تلك العلاقات والوصول إلى تغيير إيجابي.

وتؤكد الدكتورة فاطمة أن العلاج النفسي في العلاقات الزوجية يساعد على فهم ثقافة الزواج وكيفية اتخاذ القرارات، ومساعدة الطرفين على فهم الآخر، وتصحيح طرق التواصل بينهما، والوصول إلى حلول «وسطية»، والمساعدة على تنمية مهارات المشاركة الزوجية وفلسفة الزواج وكيفية التقارب، والشراكة في معالجة الصراعات. وبشكل عام إيجاد التوازن بين العمل والأسرة وعدم تسلط طرف على الآخر.

وتضيف: «إن أهم الأشياء التي تؤدي إلى حدوث مشكلات بعد الزواج عدم وجود ثقافة لمفهوم الزواج والمشاركة، وأن الرجل يرغب في أن تتحمل المرأة المسؤولية كاملة، ولا يريد لحياته أن تتغير. أيضا تدخل الأهل يؤدى إلى تفاقم المشكلات بدلا من حلها، لأن كل طرف يقف في صف ابنه أو ابنته دون مراعاة لمعايير الموضوعية، ومَن المخطئ ومَن المصيب، فيؤدى هذا في النهاية إلى تضخم مشكلات تافهة كان من الممكن حلها بسهولة تامة.

وترى الدكتورة فاطمة أن كثيرا من الرجال يغفلون أشياء بسيطة، ولكنها ذات قيمة معنوية كبيرة جدا عند المرأة، مثل نسيانه لعيد ميلادها أو عيد زواجهما، أو عدم اهتمامه بأشياء بسيطة كان يفعلها قبل الزواج مثل أن يقدم لها هدية أو حتى وردة، مما يحبط المرأة ويشعرها بأنها «لم يعد لها قيمة عنده».

وتشير أيضا إلى أن من الأشياء المهمة التي يمكن أن تؤدى إلى مشكلات بعد الزواج، عدم وجود تكافؤ بين الطرفين. فما نشاهده في السينما والأفلام لا يمثل الواقع بالضرورة، فالتكافؤ الثقافي والاجتماعي والعقلي من أهم سبل نجاح الزواج، إضافة إلى التكافؤ في أسلوب الحياة والتفكير والنظرة إلى الأمور بشكل عام.

وحول النصيحة التي يمكن أن تقدمها لكل زوجين، تقول أستاذة العلاقات الأسرية: «حل المشكلات أولا بأول، لأن تراكمها يؤدي إلى أن تتفاقم ويصعب حلها، ويجب أن يحرص الزوجان على كسر الروتين كل فترة بالخروج أو السفر، كما أن الحلول الوسطية هي الحل السحري لأي مشكلة، فالزواج هو شراكة بين طرفين، يجب أن يتنازل كل منهما أحيانا من أجل الآخر. وفي حالة وجود مشكلة، لا بد أن يتقارب كل منهما بخطوة تجاه الآخر، من أجل الوصول إلى حل، ولا يتشبث كل منهما برأيه. مع ضرورة أن يكون كل منهما صديقا للآخر، لأن الصداقة تقوي من العلاقة وتجعل احتمالات نجاح الزواج أكبر».