شهيرة فوزي.. مصرية حولت سكون الصحراء إلى فساتين تصرخ بعبق الشرق

تستوحي أفكارها من أغنيات أم كلثوم وقصائد نزار قباني

TT

عشقت مصممة الأزياء والحلي المصرية، شهيرة فوزي، الصحراء برمالها الناعمة وتلالها العالية، وكانت النتيجة أن انصهر ذلك العشق في بوتقة فنية تغذيها المواد الصحراوية الخام، وإتقان في الصنع يتمثل في غزل قطني على يد بدويات ماهرات يخرجن إلى النور تصميمات وموديلات ذات طابع شرقي، ينافس خطوط الموضة العالمية في تميزه وتفرده. عرض لها لحد الآن سبعة أفلام وثائقية تحكي قصتها مع الصحراء، كما حصلت على كثير من الأوسمة المحلية والدولية تقديرا لما قامت به من خطط تنموية، إلا أن أكبر وسام، حسب قولها: «توفيقي في إرضاء كل الأذواق عربيا وعالميا من خلال موديلاتي ذات الطابع الشرقي المتحدث بلغة الضاد، التي تنافس خطوط الموضة العالمية».

بداية شهيرة كما تحكيها لـ«الشرق الأوسط» مثيرة مثل تصميماتها: «بعد أن حصلت على شهادة الليسانس في علم (الأنثروبولوجيا) درست الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة، ولم أكتفِ بهذا فأكملت الدراسة في جامعة بوسطن، ومنها حصلت على شهادة الدكتوراه. ومع عملي في مجال البرامج التنموية لتحسين أوضاع القبائل المصرية، تعرفت على قبيلة (البشارية) التي فقدت أرضها ومساكنها في النوبة بسبب بناء السد العالي بأسوان. خلال إقامتي في المنطقة وعيشي بينهم وجدت نفسي أمام الكثير من المواد الخام. مواد رائعة الجمال ومتقنة الصنع من القطن. كان الأمر بالنسبة لي اكتشافا، خصوصا أن صناعتهم اليدوية تحمل كثيرا من الملامح الفنية».

استغلت شهيرة كل ما تمتلكه من موهبة فنية، وعملت على إيجاد طرق لتحويل هذا الغزل القطني إلى ملابس يمكن بيعها في القاهرة، إلى جانب تطوير المنتجات البدوية بإضافة بعض اللمسات الفنية عليها، كالأحجار الكريمة في الحلي التقليدية. وبالفعل نجحت الفكرة، وعادت أرباح بيع هذه المنتجات على أهل البشارية لتحسين معيشتهم، من خلال إنشاء خزانات المياه وبناء مجمع سكني ضم عيادة طبية ومدرسة ومسجدا، وشراء بعض المواد الغذائية الأساسية كالطحين والشاي والسكر، وهنا أتت فكرة التبادل التجاري للبضائع بين المدينة والصحراء.

«فات المعاد»، «أمل حياتي»، «أنت عمري»، «دارت الأيام»، «أغدا ألقاك»، أسماء لأغنيات شهيرة تغنت بها «أم كلثوم»، وحاليا تزين صدور وذيول الفساتين والعباءات التي تصممها شهيرة، بالإضافة إلى بعض الأقوال العربية المأثورة ومقاطع من أشعار صلاح جاهين، كما طعمتها ببعض الرموز الإسلامية و«الموتيفات» الهندسية التي اقتبستها من المباني والجوامع القديمة.

تشرح: «خلال إقامتي في الصحراء، لم يكن لي مؤنس سوى صوت أم كلثوم ينساب من أغنياتها الرائعة فيذوب السكون، بالإضافة إلى قراءة بعض قصائد لنزار قباني، وكثيرا ما كنت أكتب ما أسمع وأقرأ على الرمال كأشكال ورموز، ومن ثم أقوم بنقلها على الأقمشة بألوان الزيت، خصوصا أني نشأت وأنا أرى أمي وجدتي تقضيان أوقاتهما في الرسم. لكن ما كنت أقوم بها وقتها لم يكن يمثل لي سوى (شخبطات) أو ترويح عن النفس، تحولت فيما بعد إلى فن فطري في تصميم الأزياء والحلي البدوية».

عندما عادت شهيرة إلى القاهرة بعد 15 سنة أقامتها في الصحراء، جاءتها فكرة أن تحول أغنيات أم كلثوم التي تذكرها بالصحراء، بوديانها وتلالها، إلى كلمات مكتوبة بالخط العربي ذي الجذور الفنية التاريخية التي تفتقدها الحروف اللاتينية، وبالتالي يمكن أن تخرج منها تصميمات ذات أشكال متميزة. في البداية، لجأت إلى كبار الخطاطين المعروفين وهو ما استغرق منها وقتا وجهدا كبيرين للربط بين الشكل والجملة في لوحة واحدة، إلا أن النتيجة التي خرجت بها شهيرة وأطلقت عيها اسم «صحراء» كان لها وقع جميل في نفس كل من رآها.

تعلق شهيرة: «جميع الأقمشة التي صنعت منها الأزياء نسجت بعناية فائقة، قبل أن تصبغ على يد بدويات ماهرات يحصلن على لقمة عيشهن من هذه المهنة. ومنذ بدأت إلى اليوم وأنا حريصة على تجنب استعمال الآلات، لا سيما بعد أن قرأت ما أفادت به بعض الدراسات بأن النسيج المصنوع يدويا يجلب الطاقة الإيجابية للجسم ويمنح النفس السعادة، وهذا كان حال ملابس الفراعنة القدماء. ومن يزر المتحف المصري فسيجد أن القماش الذي أستخدمه في موديلاتي أشبه بذلك الذي استُعمل في عهدهم».

تضيف: «منذ أربع سنوات بدأت أبحث في التراث الفارسي والفنون الإسلامية الفاطمية، بالإضافة إلى ربط بعض الأشكال بالأغاني، وهنا ظهر في تصميماتي خط فني قديم وآخر معاصر، وفضلت أن يكون إنتاجي محدودا حتى تشعر كل من ترتدي تصميماتي بأنها مميزة. كما حرصت أن تكون الحلي متماشية مع الأزياء، أي بنفس الفكر، فبدأت بتجديد أشكالها وإعادة تصنيعها وتطعيمها بالذهب الأصفر والأحمر. وللعلم فإن أغلب البدويات، فتيات ونساء، يصممن حليهن بمهارة بأنفسهن، ويعرفن فنون دق الفضة بالذهب لكي يحافظن عليها من التآكل، مع إضافة لمسة فخامة على ما يرتدين».

رغم التميز الذي حققته شهيرة، فإنها تقول إنها لا تنتمي إلى مدرسة فنية بعينها، بل هي من عاشقات فن «المتاح» الذي اكتسبته من معيشتها في الصحراء، وكانت ثمرته أن خرجت من بين أصابعها تصميمات فنية بطلاقة وإبداع. تقول: «أزياء الصحراء يمكنها أن تتحدى جميع خطوط الموضة العالمية، وهذا هو الفن المتاح الذي أعتنقه، وقد ارتدت تصميماتي غالبية الفنانات المصريات والعربيات، بالإضافة إلى بعض الشخصيات المهمة والأميرات، ولن أنسى إمبراطورة إيران السابقة عندما وصفت تصميماتي بأنها صنعت حقا لتليق بالملوك والأمراء. ومع بداية هذا العام سأنادي بعرض أزيائي في عاصمة الموضة والأناقة فرنسا».