«ديور ـ VIII».. مجموعة تحاكي الـ«هوت كوتير» وتخاطب فخامة القصور

لورانس نيكولا رئيسة قسم الساعات لـ : نريد التركيز على روح «ديور» أكثر من الجانب التقني

TT

في مقرها الرئيسي الواقع بشارع فرانكلين 1 (برومييه)، كان اللقاء مع لورانس نيكولا، رئيسة قسم المجوهرات والساعات بدار «ديور». كان اليوم ربيعيا أرسلت فيه الشمس أشعتها الذهبية لتخترق المكتب الحميم فتضفي عليه الكثير من الضوء والدفء. ما إن وطئت قدماي المكتب حتى انبعثت منه رائحة حلوى طازجة، جعلت البطن والعين يبحثان عنها بشكل لا إرادي، لكن الغريب في الأمر أنه ما أن انتقلت العين إلى الطاولة التي تراصت عليها أطباق من عدة أشكال وألوان، حتى تلاشت هذه الرغبة تماما وحل محلها نهم من نوع آخر تماما. فقد كان على الطاولة منافس أقوى من هذه الحلويات والمعكرونة: ثلاث علب يحتوي كل منها على مجموعة الساعات الجديدة التي ستكشف عنها «ديور» الستار قريبا. كل ما فيها يحاكي «الهوت كوتير» وترف القصور والبلاطات، لكنها في كل الحالات تحمل ملامح وجينات الدار الوراثية.

تبتسم لورانس موافقة على ملاحظتي قائلة: «بدأنا هذا الزواج بين صناعة الساعات و(الهوت كوتير) في عام 2008، عندما أنجزنا أول توربيون. كانت الفكرة الأساسية خلق إحساس كما لو أن هذه الساعات خفيفة تتراقص مثل الدانتيل بشفافيتها ونعومتها. ورغم أن الحركات التقنية التي نستعملها متطورة جدا، كونها مصنوعة في معامل سويسرية مشهود لها بالخبرة، فإن المهم بالنسبة لنا الآن ليس تقديم ساعة متطورة تقنيا بقدر ما هو تقديم ساعة متطورة فنيا. فنحن نريد أن نركز على روح (ديور) وإرثها المتجذر في (الهوت كوتير). نريد أن نكون مختلفين عن الآخرين، أوفياء لأنفسنا، إن صح القول. حتى فيما يتعلق بالجانب الرجالي، فقد وضعناه جانبا، فبطرحنا هذه المجموعة للنساء فقط، عدنا إلى هذه الجذور. فـ(ديور) دار أزياء نسائية بالدرجة الأولى، وإن كانت هناك بعض الساعات من المجموعة، بحجمها الكبير وكلاسيكيتها، ستجد صدى لدى الرجل أيضا، علما بأننا يمكن أن نعود إليها لتغيير بعضها وإضافة تفاصيل جديدة عليها لجعلها مناسبة له أيضا».

مغامرة «ديور» في عالم الساعات بدأت في عام 2003، وقدمت حتى الآن ثلاث مجموعات كان وراءها مصممون يشهد لهم بالإبداع والابتكار، هم مصممة المجوهرات الراقية، فكتوار دي كاستيلان، من خلال ساعة «دي دو ديور»، وهادي سليمان، المصمم السابق لـ«ديور أوم» من خلال ساعة «شيفر روج» في عام 2004، وجون غاليانو من خلال مجموعة كريستال التي رأت النور في عام 2005. لكن مجموعة «ديور VIII» مختلفة، فهي لا ترتبط باسم مصمم، بل باسم الدار ككل، وتحمل كل جيناتها الوراثية، كما أرساها السيد كريستيان ديور. تقول لورانس: «فقد شعرنا بأن الوقت حان لكي تكون لنا ساعة (ديور) مائة في المائة، تعكس روح الدار وشخصيتها بكل أوجهها من دون تأثيرات أو بصمات مصمم أي كان». وتشرح أن الفكرة كانت العودة إلى جذور الدار قائلة: «مثلا كان السيد كريستيان ديور مولعا بالهندسة، لهذا كانت التعليمات أن تكون الساعة مصممة، وهذا الولع نصب العين، لهذا فإن الناظر إلى هذه الساعات سيرى أشكال مثلثات رشيقة وأنيقة، لكن محسوبة بدقة شديدة». نظرة إلى هذه الساعات، ثم لمس تعرجاتها وطريقة قولبة المثلثات، لا تترك أدنى شك بأن عشق السيد ديور لمجال الهندسة واضح فيها، رغم أنه لم يدرسها أو يعمل فيها. فبحكم أنه ولد لأسرة برجوازية، كان والده يريده أن يدرس الاقتصاد حتى يتولى إدارة شركاته، بينما كانت أمه تريد أن يصبح دبلوماسيا، وكان دخوله الهندسة مستبعدا للغاية ومستهجنا، خصوصا أن الأسر البورجوازية الفرنسية آنذاك، كانت ترى العمل في هذا المجال لا يتوافق مع مستواها، ويخص طبقات أقل. ولأن الشاب كريستيان كان فنانا حساسا فقد حول هذه الرغبة الموؤدة إلى شعلة تحفزه وتلهمه، لتكون النتيجة، تصاميم فصلها وكأنه مهندس معماري محترف. وهذا ما راعته مجموعة «Dior VIII»، التي استلهمت قالبها المثلث من الأهرامات. وهو ما تعلق عليه لورانس بقولها: «نريدها أن تكون مجموعة أيقونية، وهذا يعني أن تتحدى الزمن والموضة، تماما مثل الفستان الأسود الناعم. بمعنى أن تكون سهلة وأنيقة حتى تكسب ود المرأة وتصبح صديقتها في كل الأوقات والمناسبات، وفي الوقت ذاته تبادل المرأة هذا الود بألا تفقد وهجها للأبد».

وبالفعل فرغم أن المتعارف عليه أن صناعة الساعات مزيج بين العلم والفن، لكنها في هذه المجموعة الجديدة أكثر من ذلك، فهي أيضا أناقة راقية وانتباه إلى تفاصيل دقيقة. فالدار التي توجهت للمرأة منذ تأسيسها وأهدت إليها منذ عام 1946 إلى اليوم أجمل الأزياء وأكثرها تفردا، مؤسسة قائمة بحد ذاتها، لا يمكن أن يذكر موسم «الهوت كوتير» الباريسي من دون أن يذكر اسمها، ولا يمكن أن يذكر اسمها من دون أن تتبادر إلى الذهن التايورات الأنيقة بجاكيتاتها المحددة على الخصر، وفساتين السهرة السخية بأقمشتها المترفة. صحيح أن جانب الساعات لا يزال طفلا بالمقارنة مع تاريخها في عالم الأزياء، إلا أنه فرض نفسه بجيناته الوراثية وعدم تنكره لأصوله، التي يمكن أن تكون المنبع الذي يستمد منه قوته وخصوصيته.

فكريستيان ديور دخل التاريخ بابتكاره ما أصبح يعرف في قاموس الموضة بـ«ذي نيو لوك» أو المظهر الجديد، الذي أعطى الشرارة لثورة جديدة في عالم الأزياء، كسب ود المرأة، وأثار حفيظة الرجال الذين خرج بعضهم في أميركا في مظاهرات احتجاجية على إسرافه في استعمال الأقمشة بعد سنوات الحرب القاسية التي لم يكن معظم الناس قد تجاوزوا مآسيها. لكن الجنس اللطيف رحبن بالتصميم الجديد، فقد أعاد إليهن أنوثتهن وخصرهن الذي اختفى لسنوات في تصاميم واسعة. ويبدو أن التاريخ سيعيد نفسه من خلال «ديور VIII»، الموسومة بالترف والأنوثة في الوقت ذاته، وأيضا بتجاهلها الرجل، وإن كانت ستستوقفه، خصوصا إذا كان من محبي الساعات المتميزة.

الطريف أن إطلاق رقم 8 على المجموعة لم يأت اعتباطا، فالرقم ثمانية له معان كثيرة لدى «ديور» أولها وأهمها أنه كان رقم الحظ بالنسبة للمسيو ديور، الذي كان معروفا باهتمامه بعلوم الفلك والأرقام وتأثيراتها. وبالفعل فإن المتتبع لمسيرة الدار يشعر بأن رقم 8 كان ولا يزال جزءا منها، بما في ذلك تصميماتها، فـ«ذي نيو لوك» مثلا بخصره المشدود وتنورته التي تزداد اتساعا وانسيابا، يمكن أن يفسر وكأنه مستوحى من هذا الرقم، لكن يبقى هذا مجرد تأويل خاص مقارنة بمعطيات أخرى. فقد تأسست الدار في يوم 8 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) 1946، وأول تشكيلة قدمها في فبراير (شباط) عام 1947 كانت بعنوان «أون إيت» أي على ثمانية، لقيت نجاحا كبيرا أثلج صدره وجعله يتعلق بهذا الرقم أكثر، وعندما تم افتتاح محل المجوهرات والساعات الراقية في «بلاس فاندوم» الباريسية الشهيرة، فإن العنوان، سواء كان صدفة أو عن دراسة يحمل رقم 8 بلاس فاندوم. لهذا ليس غريبا أن تتميز كل ساعة في هذه المجموعة بـ8 حواف حفر على ظهرها هذا الرقم لجلب الحظ والنجاح للابسها أيضا.

تنقسم مجموعة «ديور VIII» إلى ثلاث مجموعات. الأولى للنهار (جاهزة)، وإن كانت الكثيرات سيستعملنها في المناسبات المهمة أيضا، لأنها فعلا أيقونية لا تعترف بوقت أو مناسبة. والثانية «هوت كوتير» وهي للمساء والسهرة، تخاطب المرأة التي لا تقبل إلا بالماس والصفير وغيرها من الأحجار الكريمة لتزيدها بريقا في المناسبات، فكل ما فيها من تفاصيل مستوحاة من الفساتين المفصلة على المقاس والفخمة، مع فرق بسيط أنها من السيراميك والأحجار والمعادن عوض الحرير والتافتا والأورغنزا. تقول لورانس: «مثل فساتين (الهوت كوتير) هي أيضا أنجزت من قبل حرفيين مهرة في معامل سويسرية، سهروا على إكمال شكلها الجميل بتقنيات وتعقيدات تحملها إلى مصاف الساعات التي تهفو إليها نفوس هواة الاقتناء. من ميزاتها أيضا، وهذه ميزة تشترك فيها كل المجموعة، أنها خفيفة الوزن رشيقة من حيث السمك. أما المجموعة الثالثة، فتحمل اسم «غران بال» أو (الحفل الكبير)، وهي أيضا أخذت في عين الاعتبار عشق السيد ديور للحفلات الفخمة والحفلات التنكرية. فقد كان معروفا عنه حبه للحياة وكان يشارك في إحياء الكثير من الحفلات الراقصة، بصفته مصمما يبدع للضيفات فساتين تعود بهن إلى عهد القصور والبلاطات في العصر الذهبي، وضيف خفيف الروح. فقد حضر حفل الملوك والملكات (Kings and Queens Ball) عام 1949 مثلا متنكرا بزي «ملك الحيوانات»، وفي حفل الفنانين (Bal des Artistes) عام 1956 اختار لباس «الداندي» عدا انبهاره في باريس بمسرحيات «أوبرا باليه» والباليه الروسي، وغيرها. أما كيف تمت ترجمة هذا الحب في الساعات، فكان بترصيع الميناء بأشكال متحركة يبدو فيها الماس وكأنه دانتيل أو كشاكش تنورة لفستان فخم أو عقد مرصوص وغيرها من الأشكال. وتجدر الإشارة إلى أن الحصول على هذه الحركة من التقنيات معقدة وصعبة تحتاج إلى وقت طويل لإنجازها، لأنها تجمع الفن والعلم والحساب والابتكار في ميناء بحجم صغير مقارنة بلوحة فنية، لهذا ليس غريبا أن تكون هذه المجموعة بعدد محدود، ولن تتوفر في المحلات العالمية حتى بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

القاسم المشترك الآخر بين كل هذه الساعات، هو السيراميك الذي تلون بالرمادي الداكن، وتعيد لورانس السبب إلى جمالية هذه المادة وعكسها الضوء، فضلا عن كونها غير قابلة للخدش، وهذا يصب في رغبة الدار في ساعة تقول الوقت، لكن تتحداه لتكتسب حقها كساعة أيقونية. كذلك هو ناعم الملمس ويوحي بالترف، رغم صعوبة التعامل معه عند الصنع، كونه ينكمش بنسبة 20% إلى 30% عند صياغته.