«لويفي» تلعب على الجلود و«سونيا ريكييل» على التارتان.. وغوتييه يحتفل بالنضج

حيدر أكرمان.. المصمم المرشح لدور باريسي كبير يقدم تشكيلة كبيرة

TT

إذا كان هناك شيء تعشقه الموضة وتعيش عليه، إلى جانب التغيير، فهو الإشاعات والنميمة، وإن كانت الإشاعات غالبا ما تتحول إلى حقائق. لهذا يمكن القول إنه من الطبيعي أن تولد قضية جون غاليانو، بما فيها فصله من دار «ديور» ومحاكمته في المستقبل بسبب تفوهه بكلمات معادية للسامية، الكثير من الشائعات ثم التكهنات، وعلى رأسها، من سيخلفه في الدار الفرنسية العريقة؟. من أكثر الأسماء المتكررة في هذا الشأن اسم حيدر أكرمان. وما زاد من تأجيج هذه الشائعة أنه لم يحاول أن ينفي احتمالية انتقاله إلى بيت أزياء كبير في المستقبل القريب، من دون أن يوضح إن كان يعني «ديور»، «جيفنشي» أو «إيف سان لوران». يتحدر حيدر أكرمان من أصول كولومبية أفريقية لكنه تربى وكبر في بلجيكا حيث إنه مستقر في مدينة أنتويرب، ويعتبر اسما مألوفا في سماء باريس، حيث يعرض منذ سنوات. تشكيلته الأخيرة لخريف وشتاء 2011 قدمها في «باليه دو طوكيو» وقوبلت بحفاوة كبيرة لأنه أكد فيها أن من حقه أن يدخل مصاف الكبار وأن الوقت قد حان لكي تنصفه أوساط الموضة. افتتح العرض بشكل درامي لعبت فيه دقات طبل وحيد دورا مؤثرا وكأنه دقات قلب قبل أن ينتقل إلى موسيقى كلاسيكية ثم مقطوعة حب رومانسية. ثم ظهرت العارضات بتسريحات مشدودة إلى الوراء بشكل مقبب وأزياء مثيرة، استوحى بعضها من الكيمونو الياباني، وبعضها الآخر من الجلابية العربية، التي حددها بأحزمة عريضة من الجلد، وقفازات وأحذية عالية الساق. التفصيل كان أيضا قويا هنا، من خلال معاطف بياقات كبيرة، وجاكتات بأكتاف واسعة. كانت هناك أيضا تصاميم منحوتة ورشيقة من الجلد أو الساتان أو الشامواه أو الحرير بدرجات ألوان تتباين بين الأحمر الخمري والأخضر الغامق والبنفسجي والأسود والأبيض، من دون أن ينسى زخات قليلة من المعدن البراق. لم تكن هذه هي الألوان المتوقعة، فبعد أن استعمل في الموسم الماضي ألوانا متوهجة صادمة بشكل لذيذ، اعتقد الجميع أنه سيغير النغمة باعتماد ألوان هادئة للموسمين المقبلين، لكن بعد مجموعة من المعاطف باللون الأسود واسعة وطويلة، أرسل مجموعة أخرى بالألوان مثل العاجي، الذي لم يعودنا عليه من قبل، فضلا عن قطع خرز مغطاة بمعدن وردي أتبعها بمجموعة بألوان المجوهرات. لكن الألوان لم تكن وحدها اللافتة هنا، فطريقة لفه الأقمشة ليصنع منها معاطف تعانق الجسم رغم اتساعها، وترويضه الجلود والشامواه لتتماوج مع كل حركة وكأنها حرير كانت تحسب له، وتؤكد لماذا يستحق أن يرشح ليقود دار أزياء عالمية إلى المستقبل.

في الخيمة المنصوبة بالقرب من ساحة «لاكونكورد» على أبواب حديقة التويلريز، كانت النغمة مختلفة في عرض ملكة الصوف «سونيا ريكييل» أو بالأحرى ابنتها، ناتالي، التي تسلمت المشعل منها منذ بضع سنوات. ككل عروض هذه الباريسية، فإن الموعد كان يعد بالمرح والشقاوة. لأنها دائما تحرص على أن تحكي لنا قصصا بالصوت والصورة بطريقة تبتعد فيها العارضات عن الجدية ويملن إلى الابتسام أو الرقص أكثر. ولم يختلف الأمر هذه المرة، فعلى منصة تم تصميمها من قبل الفنان الاسكوتلندي مارتن بويس، بأسلاك وأضواء، تهادت العارضات بخفة ساعدهن عليها أحذية غير عالية، ليقلن إنهن من بنات المدن، وأسلوب حياتهن يحتاج إلى كل ما يسهل عليهن حياتهن ويزيدها حلاوة وانطلاقا وليس تعقيدا، وهذا ما قدمته لها المصممة من خلال أزياء يمكنها أن تختار منها ما يحلو لها لتلعب بها لعبة الطبقات والمزج لتحصل على خلطتها الخاصة.

فأجمل ما في امرأة ريكييل أنها تتمتع بجرأة عندما يتعلق الأمر بمزجها الخامات المتناقضة والأحجام المختلفة، كما تريد موضة غير معقدة وتخلصها من كل القيود. لم يكن التركيز كبيرا هذه المرة على الصوف، ورغم أن الأناقة الباريسية هي الغالبة دائما، فإنها توارت قليلا لتعطي مكانا خاصا لأناقة إنجليزية، تجلت في كم قماش التارتان الاسكوتلندي المستعمل فيها إلى جانب الصوف المحبوك على طريقة إنجليزية متوارثة من الصيادين، هذا عدا أن المنصة تم تصميمها من قبل الفنان الاسكوتلندي مارتن بويس.

من حيث تنسيق القطع، فقد تم اعتماد الطبقات المتعددة التي من شأنها أن تضفي الكثير من الدفء والأناقة على فتاة سونيا ريكييل في الخريف والشتاء المقبلين. أما للمساء فتم التخفيف من الإطلالة لتظهر فساتين بسيطة أضفت عليها التفاصيل المبتكرة تميزا وأنوثة تجعل الفتاة الشقية تتحول إلى امرأة ساحرة.

عرض جون بول غوتييه، في اليوم نفسه، خلف عدة تساؤلات: هل كبر شقي الموضة ونضج إلى حد أنه بدأ يتخلى عن بعض شقاوته، أم أنه يريد فقط أن يحتفل بكل الأعمار؟. والمقصود هنا ليس غياب الكورسيه الذي اشتهر به منذ الثمانينات من القرن الماضي، بحيث لم يظهر هذه المرة البتة، بل ظهور امرأته بشخصية رزينة ومحتشمة على غير العادة. كان واضحا فيها أنه يخاطب امرأة ناضجة، إن لم نقل وصلت سنا معينا. فالفنانة الفرنسية فاليري لوميرسييه، البالغة من العمر 46 عاما، هي التي افتتحت العرض واختتمته، كما ظهرت العارضات بشعر مستعار غزاه الشيب تماما. لكن إذا كانت هناك شقاوة متبقية، فقد ظهرت في تلاعبه على مفهوم الذكورة من خلال تايورات وبنطلونات واسعة مستوحاة من الزي الرجالي، بما في ذلك أقمشته مثل التويد والكشمير المقلم بخطوط طولية. الطريف أنه حتى الفساتين القصيرة نسقها مع بنطلونات واسعة وجاكتات، حتى لا يظهر أي جزء من جسم المرأة، عدا أن الياقات كانت بدورها عالية جدا. لكن رغم حشمتها الزائدة على اللزوم، فقد كان واضحا فيها أن جون بول غوتييه سلحها بالأنوثة ووظف فيها كل العناصر التي تتطلبها طبقة مخملية بدءا من الأسلوب إلى أنواع الأقمشة مرورا بالتفاصيل من فرو وروح نكتة أيضا. فمهما حاول المصمم تغيير جلده، فإن الطبع غالب، وبالتالي كان لا بد أن تظهر شخصيته بين الفينة والأخرى.

في الساعة الثامنة مساء من نفس اليوم كان الموعد مع عرض «لويفي». رغم البرد والوقت المتأخر واليوم الطويل، فإن الدار الإسبانية العريقة اضطرت لتنظيم عرضين. الأول في الثامنة والثاني في التاسعة مساء حتى يتمكن كل المعجبين بالماركة من الحضور ومعاينة جديدها القادم. وكالعادة، قدم مصممها الفني ستيوارت فيفرز، تشكيلة متوازنة تجمع بين الكلاسيكي والعصري. العصري تجلى في مزجه الفرو بصوف الخرفان، مثلا، والكلاسيكي في تطعيمها بأنوثة مثيرة تلعب على قوة الجلود وإرث الدار العريقة. فتنورة مستقيمة بأزرار من الجانب مثلا تم تنسيقها مع بلوزة بياقة عالية، وفساتين من الجلد ناعمة ومستقيمة هي الأخرى بأزرار على طول الظهر نسقها مع «بوتات» عالية وحقائب يد بألوان قوس قزح. كما أن الاستعمال السخي للجلود جعلها تكتسب قوة سواء تعلق الأمر بتصاميم المعاطف المنفوخة أو المفصلة أو التايورات المكونة من تنورات مستقيمة وجاكتات قصيرة وواسعة بعض الشيء. ورغم بريطانية ستيوارت فيفرز، أو بالأحرى تأثره بأسلوب لندن، فإن مدريد مقر «لويفي» روضت بعض جنوحه البريطاني، بدليل هذه التشكيلة التي تضمنت كل الأناقة الكلاسيكية الإسبانية، بما في ذلك استعماله الحرير في بعض القطع المنفصلة ليخفف من قوة الجلد والخامات الشتوية الأخرى مثل الصوف. ولا يمكن أن نتجاهل دور حقائب اليد في هذا العرض، فقد كانت مكملا أساسيا لدار بدأت أساسا كدار لصناعة الجلود وحقائب السفر، ونجح ستيوارت في طرح تصاميم لا شك أنها ستحقق نجاحا تجاريا تستحقه.