الموضة عبر عدسة كارل لاغرفيلد.. في معرض بروما

صوره مستوحاة من الأدب والسينما وتاريخ التصوير وعارضات الأزياء

TT

تصادف منذ عشر سنوات في ناد بمدينة مونت كارلو أنني التقيت بشخص طويل بالغ النحافة والأناقة يضع نظارة شمسية في منتصف الليل ويرافق نجمات السينما الجميلات المعروفات كاثرين دونوف وإيزابيل أدجاني. حين سألت صديقي عن هوية الرجل وهل هو مصور النجوم، أجابني مبتسما: «إنه مصمم الأزياء كارل لاغرفيلد الذي يفتن الحسناوات بابتكاراته وأثوابه وبقدرته الخارقة على استيعاب الفنون والآداب والثقافة والذوق الرفيع، رغم أنه لم يتم دراسته الثانوية». وتابع: «إنه شخص متميز يسهل التعامل معه ويمتاز بالدقة مثل أغلب بني جلدته من الألمان ويعطيك دائما نتائج جيدة وكأنها تنساب من بين أياديه بشكل طبيعي دون تكلف».

اكتشفنا اليوم في معرض للتصوير الفوتوغرافي، الذي افتتح في روما أن لاغرفيلد فنان شامل، فهو أيضا مصور ضوئي موهوب. ويشتهر لاغرفيلد أكثر بأنه مصمم أزياء لدى «دار شانيل» ودار «فندي»، بدأ حياته المهنية في باريس كمساعد للمصمم بالمان عام 1955 وأكد مع الوقت أنه من طراز خاص من المصممين ذو ذاكرة غنية بالتجارب وثقافة عالية اكتسبها بالمطالعة، يستدعيها حين يلتقط الصورة فتظهر وكأنها لوحة من كتاب في الأدب الألماني أو صورة تمثل مشاعر أبطال الأفلام الصامتة أو رسم إبداعي يشبه تحف الفن ولوحاته الخالدة. هو أيضا فنان انتقائي يستمد أفكاره من مصادر متنوعة ويختار الأفضل في جميع الأنظمة. رأينا 600 صورة بالأبيض والأسود والألوان اختارها بنفسه يتراءى بعضها كلوحات الفن التشكيلي لأنه يستعمل تقنية حديثة غير معروفة للعامة في تحويل الصورة إلى رسم جمالي يجمع بين الكلاسيكي القديم والفن الحديث لعله الأسلوب المفضل لديه في تصميم الأزياء ودراسة جسم المرأة وجسم الرجل والعودة إلى مجوهرات الإغريق وأساطيرهم.

ولد كارل لاغرفيلد في هامبورغ بألمانيا عام 1938 ودرس ثلاث لغات في المدرسة الثانوية الفرنسية واشتهر في باريس ثم أضاف إلى أمجاده في تصميم الأزياء مهنة التصوير الفوتوغرافي منذ عام 1987 فحاز جوائز كثيرة في هذه الهواية بدأت عام 1993، وأكمل مشواره في العام الماضي بإنشاء دار للنشر تختص بالأدب الألماني وغيره من المواضيع الثقافية والفنية.

في المعرض الذي يقام ملاصقا لكنيسة تحتوي على لوحات الرسام الخالد رافايل في كيوسترو ديل برامانته قرب ساحة نافونا الشهيرة في قلب العاصمة الإيطالية حتى العاشر من أبريل (نيسان) المقبل، نجد مجموعات من الصور مثل مائة صورة لرجل واحد من كافة الزوايا بما فيها صورته وكأنه العاشق فالنتينو في الأفلام القديمة. كما نرى حين أطلق لخياله العنان مجموعة صور حديثة لأبطال الأساطير الإغريقية، مثل أبوللو، إله الفن والشعر والموسيقى وراعي الماشية، متوجا، وأثينا إلهة الحرب الشجاعة التي اخترعت آلة المزمار تلتف في ثوب فضفاض منسدل حتى قدميها إنما نراها كفتاة جميلة وعلى رأسها خوذة حربية وكأنها ترمز للنصر. فهي مثل الباسل أجاكس في حروب طروادة، وأرتيميس ربة الصيد عارية تمسك بقوس وسهم، وأفروديت إلهة الجمال ومارس إله الحرب وهيرميس إله الخطابة والبلاغة الذي انقلب إلى حورية عارية تلبس حذاء بشرائط ملفوفة حتى أعلى ركبتها. وفي الصور الفردية نشاهد أدراج الحريق في أبنية نيويورك وقصر فرساي قرب باريس بالمقلوب كما تنعكس صورته على الماء وصورا نادرة لمونت كارلو وباريس بعين فنية ثاقبة تبرز أحاسيس عاطفية وذكريات غابرة. أما صور عارضات الأزياء اللواتي تعاون معهن، فهناك مجموعة للعارضة الحسناء ليندا ايفانجاليستا على طريقة تشبه أسلوب الرسام وورهول بطريقة تجديدية مبتكرة، وصور فنية لعارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر وصورة كبيرة للعارضة كريستي تورلينغتون التقطها عام 1997. صور لاغرفيلد تدل على أسلوبه في الحركة الدائمة بشكل لا يترك مجالا للتوقف والتحليل أو التعليق فالشاعرية الدفينة التي تحيط بصوره تبهرك بجمالها وباللقطات الخالدة التي ترسخ في الأعماق.

يبدو فن لاغرفيلد التصويري متأثرا بأسلوب عدد من عمالقة فن التصوير في القرن العشرين، منهم، أندريه كيرتيش، الهنغاري الأصل الذي عاش في الولايات المتحدة وتوفي في نيويورك عام 1985. كذلك المصور الأميركي إدوارد ستايكن المهاجر من لوكسمبورغ المتوفى عام 1973 وصاحب الصورة المعروفة للممثلة مارلين ديتريتش، وأول مصور حديث للموضة الذي صور أزياء المصمم القديم بول بواريه، فضلا عن المصور والمخرج السينمائي السويسري الأصل روبرت فرانك المولود في زيوريخ عام 1924 الذي قدم صورا فنية رائعة وأفلاما تعكس وجهة نظر نقدية للمجتمع الأميركي كما يراها بعين أجنبية ومن أهم أفلامه فيلم عن المجموعة الغنائية «رولنغ ستون» في السبعينات.

وصل لاغرفيلد إلى روما في اليوم الأول لافتتاح المعرض قادما من باريس، حيث عرضت نفس الصور قبل أشهر للمرة الأولى في الدار الأوروبية للتصوير الضوئي. أما هنا في روما فستقوم دار «فندي» للأزياء باستقباله والاحتفاء به فهو يعمل معها منذ عام 1965 وله فضل كبير على ابتداع منتجاتها الجلدية مثل الحقيبة بشكل الخبز الفرنسي الطويل الباغيت والحقيبة النسائية بعلامة F والطريقة الجديدة لمعالجة الفرو وصباغته بحيث يخف وزنه ويتعاظم جماله. فبفضل عبقريته وأفكاره الحديثة انتقلت «فندي» في عهده من ماركة صغيرة للجلود والفرو عام 1918 سنة إنشائها في روما إلى شركة ضخمة تملك مائة محل في كافة أرجاء العالم. وسيجلب لاغرفيلد معه التصاميم الجديدة لموضة عام 2011 و2012 التي يقال إنها ستؤكد أهمية اللونين الأبيض والأحمر وكذلك مخطط وصور للحملة الدعائية وترويج منتجات «فندي». أما فهو فيقول عن هواية التصوير: «لم أعد أتمكن من رؤية الحياة دون تخيلها عبر عدسة المصور.. أصبحت أرى الموضة عبر العدسة».