فريدة خلفة.. غزالة جزائرية لمعت في سماء باريس

عارضة الأزياء السابقة والممثلة الحالية التي شهدت على عرس كارلا وساركوزي

.. وترافق كارلا ونيكولا ساركوزي في رحلة إلى تونس
TT

حين ظهرت فريدة خلفة على منصات عروض الأزياء في باريس، في ثمانينات القرن الماضي، لم يكن النادي الضيق للموضة الراقية قد عرف عارضات من أصول جزائرية أو صومالية أو لبنانية. وكانت فريدة، مع زميلتيها إيمان وخدوجة، من أوائل اللاتي شاركن في تلك الثورة السمراء الساخنة على الجمال الأشقر الفاتر المتمثل في سيطرة السويديات والألمانيات على مهنة عرض الأزياء في مواسم باريس ولندن وميلانو. لكن بما أن عمر عارضة الأزياء قصير وخاطف، مثل عمر زهرة النرجس، فقد اعتزلت فريدة خلفة المهنة وانتقلت للتمثيل في السينما. ما شجعها على هذه الخطوة أنها اقترنت بالمهندس الفرنسي هنري صيدو، نجل أحد رؤساء شركة «باتيه» للإنتاج والتوزيع السينمائي.

بعد سنوات من الغياب والظهور المتقطع على الشاشة، وقبل سنتين بالتحديد، عاد اسم فريدة إلى صدارة الأخبار حين اختارتها العارضة الإيطالية السابقة كارلا بروني لتكون شاهدة عقد زواجها بالرئيس نيكولا ساركوزي. فقد ربطت بين الاثنتين صداقة قوية منذ أن كانتا تظهران معا في عروض عز الدين علايا، وجان بول غوتييه، وغيرهما من سادة الموضة الباريسية المتمردة. وما زال هذا الأخير يذكر بداياتها حين رآها لأول مرة وأدرك، منذ الوهلة الأولى، أنها ذات حضور طاغ، وأنها جميلة جمالا مختلفا عن الشائع، خصوصا مع أنفها المقوس الذي لا ينطبق على المواصفات الجمالية المعروفة. إنها بالضبط ما كان يبحث عنه غوتييه: الاختلاف. أما هي فقد ذكرت في مقابلة نشرت معها أنها ما زالت تذكر أول تجربة للثياب، أي أول اختبار خضعت له مع المصمم الشهير بارتداء بلوزة البحارة المخططة بالأسود والأبيض، فقد كانت يومها في الثامنة عشرة من عمرها، فتاة فقيرة تشتري ثيابها من محلات الملابس المستعملة لكي تذهب للسهر مع مجموعة من الأصدقاء في مراقص باريس.

جاءت فريدة خلفة إلى باريس هاربة من الفقر ومن عائلتها التي قطنت حي منغيت الشعبي في ضواحي مدينة ليون. لقد نشأت في أسرة دفعها الفقر إلى الهجرة إلى الغرب من العاصمة الجزائرية، إلى فرنسا، بحثا عن لقمة العيش. عمل أبوها، الذي كان مناضلا في صفوف جبهة التحرير الجزائرية، حارسا ليليا في محطة صغيرة للقطارات. أما والدتها فكانت ربة بيت، تحاول أن تنقل لأبنائها ما تعلمته في البلد الأم. لكن البنت فريدة، التي ولدت في فرنسا، كانت مرصودة لمصير مختلف. إنها تذهب إلى المدرسة في ضاحية يتولاها عمدة شيوعي، وتتعلم القراءة وتتحول إلى عاشقة للكتب. حياتها في المنزل لم تكن ترضي طموحها، فقد سبقتها شقيقاتها في الرحيل بحثا عن مستقبل أفضل، أما الأشقاء فقد كانوا خارج البيت في أغلب الأوقات، وهي عندما لملمت حاجياتها القليلة ووضعت قدميها في باريس، بطول قامتها وجمالها المتوحش وشعرها الأجعد الطويل، كانت تلبي نداء غامضا، واستقبلتها العاصمة بالوعود. فقد شكلت مذاقا جديدا على المألوف والمكرر، لكنها لم تكن تدرك سطوتها على من يراها، منذ اليوم الذي دعيت فيه إلى مرقص «بالاس»، أشهر نوادي الرقص في باريس، آنذاك، وملتقى النخبة البوهيمية من الروائيين والفنانين ومصممي الأزياء. وفي تلك السنوات، كان الحزب الاشتراكي قد تسلم الحكم في فرنسا بعد عقود من الغياب، وكان عهد الرئيس ميتران يبشر بفرنسا رافضة للعنصرية ومنفتحة على الثقافات الأخرى وقابلة لتشجيع أبناء المهاجرين. ولم تكن البنت السمراء الطويلة تملك ما تقتحم به العاصمة سوى حريتها وشخصيتها المتميزة وبراعتها في الحديث.

وبسرعة، لفتت فريدة الأنظار منذ أول ظهور لها على منصات العرض. فقد كانت تلك المرحلة تسمح للشارع بأن يبتدع الموضة، قبل أن تسيطر رؤوس الأموال على دور الأزياء وتحولها إلى «بيزنس». وهي اليوم لا تتمنى لولديها إسماعيل وعمر أن يمرا بما مرت به، فهي تسكن في حي باريسي راق لكنها ما زالت تحاول أن تتصالح مع طفولتها وحياتها السابقة في الضواحي الفقيرة والصعبة. وحتى مفهومها للأناقة قد تغير، وصارت أكثر معرفة بالعالم العربي بفضل علاقاتها وأسفارها، وهي تعتبر الشيخة موزة، قرينة أمير قطر، من النساء ذوات الأناقة المميزة في العالم، وكذلك الملكة رانيا العبد الله ملكة الأردن.

كانت فريدة خلفة قد بدأت «حياتها الثانية» في السينما عام 1987 مع المخرجة جوزيان بالاسكو في فيلم «ليه كوف»، وهي مفردة مستعارة من اللغة الشبابية وتعني رجال الشرطة. لكن العارضة السابقة التي طلقت مواسم عروض الأزياء منذ 1995 لم تتوقف كثيرا عند تلك التجربة السينمائية الأولى وأعادها الحنين لتعمل مديرة للخياطة مع غوتييه وعز الدين علايا. إنهما المصممان اللذان تحمل لهما أعلى درجات التقدير والإعجاب. ثم عادت السينما لتصطادها من جديد، وهذه المرة مع المخرج والكاتب الكبير ألان روب غرييه الذي اختارها للظهور في فيلم «غراديفا» عام 2006، ومن يومها وهي تواصل مهنتها السينمائية وتجد فيها سعادتها. لقد كبر أبناء الجيل الثاني من المهاجرين المغاربة وجاء دور أبناء الجيل الثالث للظهور في الواجهة، وهكذا شاهدنا فريدة تقوم بدور والدة الممثلة الشابة الصاعدة حفصية حرزي في فيلم «فرنسية» للمخرجة سعاد بوحاتي، كما تقوم بدور في الفيلم التلفزيوني «عايشة»، قبل أن تشارك في فيلم «نويي أمك» الذي كتبت عنه الصحافة كثيرا.

ومن السينما قفزت الغزالة الجزائرية السمراء إلى خشبة المسرح، وكان ذلك، في البداية، من خلال قراءات من مسرحية «الكراهية» قدمتها أثناء مهرجان مدينة مونبلييه أمام النجم جيرار ديبارديو.. وهي الآن تدرك أنها أضاعت سنوات كثيرة من شبابها مشغولة بأشياء كثيرة بعيدة عن الفن، لكن العمر ما زال أمامها وفيه متسع لمغامرات جديدة مدهشة.