عطور الرجال تسجل ارتفاعا بنسبة 30% الحالي

بعد أن أصبح يشتري عطوره بنفسه عوض أن ينتظر من يهديها له في المناسبات

TT

رغم تزايد قوة أسابيع الموضة الرجالية وإقبال الرجل على جديدها بنهم، فإنها لا ترقى بعد إلى قوة العطور وتأثيرها عليه وعلى السوق. صحيح أنه أصبح أكثر استعدادا وتقبلا لفكرة تغيير أزيائه حسب تغيرات الموضة وأهوائها، وإن على مضض بالنسبة للبعض، إلا أنه لا يتوانى عن تغيير عطره، في رحلة بحثه عما يرفع معنوياته ويناسب شخصيته وأسلوب حياته، بغض النظر عن مركزه أو عمره أو جنسيته. فحتى الذي يميل إلى الكلاسيكيات ولا يؤمن بتغيرات الموضة، لا يرى مانعا في تجربة عطور جديدة واكتشاف روائح بخلاصات لم يتعود عليها من قبل، لأنها قد توقظ بداخله ذكرى بعيدة أو ترفع معنوياته في ثانية. وعلى ما يبدو فإن بحثه عن عطور متميزة يزيد عاما عن عام، والدليل أن عام 2010 كان عام العطور الرجالية بلا منازع، مما يشير إلى أننا سنرى إصدارات جديدة في عام 2011. فالمبيعات في هذا المجال تشهد، منذ عام 2008، ارتفاعا ملموسا وصل أوجه بداية هذا العام، مرده حسب بعض المراقبين إلى أن الرجل أصبح يشتري عطوره بنفسه ويختار ما يطيب له منها عوض أن ينتظر من يهديها أو يشتريها له في المناسبات. وحسب الأرقام أيضا، فإن الشطر الثالث من عام 2010، شهد زيادة تقدر بـ30 في المائة رغم الأزمة المالية، مما حدا بعدد من بيوت الأزياء وشركات العطور والتجميل أن تعمل جاهدة لكي تضمن لنفسها نصيبا من الكعكة. وهذا ما يفسر طرحها الكثير من العطور المتميزة بخلاصات مترفة وجديدة، تتمازج بشكل محسوب لا يزكم الأنف، لأن عهد العطور النفاذة قد ولى. فدار «شانيل» التي لا تطرح عطورا رجالية كل سنة، مثلا، قدمت هذا العام عطرها «بلو دو شانيل» Bleu De Chanel بعد مرور 11 عاما على طرح عطرها الرجالي «الير بور أوم» الرياضي، لأن الكيف بالنسبة لها أهم من الكيف، وحتى تضمن منتجا فريدا يضمن الحفاظ على صورتها ومكانتها. وبالفعل جاء عطرها يضج بأحاسيس يتمازج فيها المنعش بالقوي، والأناقة الكلاسيكية برغبة في التمرد والانعتاق، بفضل خلطته المكونة من الأخشاب الثمينة والمعطرة التي تفتح الأبواب لنغمات أخرى مثل الحامض والغريب فروت، والفلفل الوردي، والزنجبيل، والنعناع، وجوز الطيب، والفيتفير، والياسمين، والبخور، والبتشولي، وخشب الصندل. ورغم هذه الخلطة الغنية والمتنوعة، فإن الجميل فيه أنه لا يزكم الأنف في أية لحظة من اللحظات، بل يتغلغل بالتدريج إلى الحواس ليصيب بحالة إدمان تجعل الاستغناء عنه صعبا. الأمر نفسه يمكن أن يقال على عطور أخرى، مثل «بلاي دي جفنشي» الذي يمثله المغني والممثل جاستين تيمبرلايك، والذي يتميز بحيوية منعشة، وعطر «لويفي 7»، الذي يلعب بدوره على التناقضات، مثل مفهومي القوة والنعومة، ومفهومي الروحاني والحسي. الأول من خلال البخور والأخشاب الثمينة، والثاني من خلال الأزهار المنعشة، مثل الورد وزنبق الوادي وعشبة «نيرولي» المغربية. فالمهم بالنسبة لمعظم عطور السنوات الأخيرة أنها تتميز بخلاصات خشبية شرقية وقارورات مبتكرة تستهدف عين الرجل وقلبه قبل أنفه أحيانا، حتى عندما يكون العطر نسخة جديدة عن عطر قديم. فـ«أكوا دي بارما» مثلا يعتبر تجديدا للعطر الأصلي الذي ظهر في عام 1916، لكن قارورته تطورت، كما أن حملته الدعائية التي صورها جيوفاني غاستيل، جعلته أكثر إغراء ومناسبا للعصر، بقارورته المستوحاة من الآرت ديكو التي تظهر وكأنها تلبس توكسيدو أسود.

ثم هناك مجموعة رالف لوران «بيغ بوني» التي تتضمن 4 عطور مختلفة تخاطب شريحة الشباب أكثر، بعد أن تبين أن هؤلاء يميلون إلى التغيير وتجربة كل جديد، مما جعل منحهم أربعة عطور مختلفة، الأول أزرق رياضي، والثاني أحمر للجاذبية، والثالث أخضر للمغامرة، والرابع برتقالي يوحي بالأناقة، فكرة صائبة حتى لا يجد الشاب أي عذر يتحجج به.

أما عطر «فان كليف أند أربلز» «ميدنايت إن باريس»، الذي أطلق في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وأول عطر رجالي للدار منذ عشرين عاما، فهو يخاطب رجلا ثلاثينيا أو أربعينيا، يعرف ما يريد، ويعرف أن دار المجوهرات العريقة تخاطب الذوق الرفيع أولا وأخيرا.

من العطور التي نجحت قديما وتمت إعادة تركيبها من جديد لتناسب الذوق العصري عطر «فاهرنهايت أبسوليت» Absolute Fahrenheit من «ديور»، الغني بالعود والعنبر فضلا عن توابل جعلته ساخنا حينها. نسخته الجديدة «أكوا فاهرنهايت» Aqua Fahrenheit في المقابل هو لقاء الحرارة بالبرودة، بفضل نغماته الأولى التي تضج بالحمضيات قبل أن تتكشف نغمات أخرى من الأخشاب الثمينة والتوابل الغنية والبنفسج تغلف المسك والعنبر والفيتفير والجلد في خلطة منعشة وقوية في الوقت ذاته. ولا يقل تصميم زجاجته عما تحتويه من عطر، بشكلها العمودي وخطوطها الواضحة المضاءة بتدرجات اللون البرتقالي الأحمر اللامع، لتوحي بدفئها.

ولا شك أن اللائحة طويلة والآتي أعظم، خصوصا أن محلات «سيلفريدغز» تتوقع زيادة في مبيعات عطور الرجال في محلاتها البريطانية، تقدر بـ20 في المائة هذا العام. فالرجل أصبح يعرف ما يريد، كما أن بيوت الأزياء وشركات العطور باتت تعرف نفسيته وطريقة تسوقه، مما جعل اصطياده وإغراءه عملية أسهل مما كانت عليه في السابق.