القميص ينتعش في عصر التأنيث

حتى في رسميته يضج بالغموض والإثارة

TT

أي شابة اليوم تعرف أن القميص تغير كثيرا عن ما كان عليه في طفولتها وصباها. فهذه القطعة التي كانت ولا تزال ترتبط في أذهان البعض بالزي المدرسي، لا علاقة لها في كثير من التفاصيل والخامات بما نراه اليوم في المحلات وعلى منصات عروض الأزياء. فقد نضجت هي الأخرى وأصبحت أكثر بساطة ورشاقة عن ما كانت عليه في الثمانينات والتسعينات، كما اكتسبت أنوثة من دون أن أي تنازلات في ما يتعلق بكلاسيكيتها وقوتها. ما فعّل هذه القوة أكثر، طرحها في الموسمين الماضيين كمكمل للمظهر الذي يزاوج الرجالي بالأنثوي. وهو المظهر السائد في الوقت الحالي، ولا شك سيرافقنا لعدة مواسم مقبلة بالنظر إلى النهم الذي يتناوله به المصممون وإقبال الأنيقات عليه. بساطة القميص الأبيض، تجلت في عروض البريطانيات الثلاثة، ستيلا ماكارتني، حنا ماغيبون، مصممة دار «كلوي»، وفيبي فيلو، مصممة دار «سيلين»، إلى جانب الإيطالي ستيفانو بيلاتيس، مصمم دار «إيف سان لوران» وغيرهم، بينما تجلت أنوثته في عدة عروض أخرى نذكر منها «ديسكارد 2» وبول سميث وغيرهما. في عرضيْ هذه الأخيرين مثلا كان تجسيدا لما قاله سيغموند فرويد في كتابه الشهير «ذي إنتربريتايشن أوف دريمز» (ترجمة الأحلام) الذي تطرق فيه إلى القميص ودلالاته بطريقة قد تكون قديمة بالنسبة للبعض إلا أنها تبقى مهمة، على الأقل من ناحية تأكيده على أنه ليس موضة جديدة وأنه كان دائما يتضمن عناصر أنوثة مثيرة وغامضة. كتب فرويد: «استشارة قمت بها في العام الماضي أخذتني إلى عالم فتاة ذكية وجريئة في الوقت ذاته. كانت طريقتها في ارتداء ملابسها مقلقة، ففي حين كانت النساء ينتبهن لكل صغيرة وكبيرة تتعلق بمظهرهن، تركت هي جواربها المصنوعة من النايلون غير مشدودة إلى أعلى، كما كان زرّان من قميصها مفتوحين». تفسير فرويد للقميص المفتوح متوقع، فقد رأى أنه يمثل اللاوعي والغوص في أدق أجزاء جسم المرأة وما تمثله من تناقضات وبدائل في عالم الأحلام. لكن القميص اليوم ليس بكل هذه التعقيدات التي طرحها فرويد، فهو مجرد قطعة أنيقة أصبحت المرأة العصرية مؤمنة بأنها جزء لا يتجزأ من أناقتها، من جهة، وأنه بمقدورها أن تمنحها عنصر الإبهار سواء تركتها مفتوحة أم لا. أما علاقتها بالأحلام، فلا تتعدى الحلم بقطعة من مصمم بارع استعمل فيها أفخم أنواع الأقمشة وتنسدل على الجسم بشكل طبيعي لتخفي معالمه من دون أن تخفي جمالياته.

فمنذ أن فككه المصممون من تعقيدات وكشاكش الثمانينات، وهو يعتبر من القطع الأساسية، بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء، وفي الوقت ذاته، مكملا للأناقة ولموضة كل المواسم، خصوصا بعد أن سرقه المصممون ضمن ما سرقوه من قطع رجالية أخرى مثل التوكسيدو والبنطلون الواسع والحذاء المربوط بأشرطة ليقدموه للجنس الناعم على طبق مفروش بالحرير والساتان والشيفون، ومتبل ببهارات كان هدفهم منها التخفيف من نكهته الذكورية ورسميته. وكانت النتيجة جد عصرية، بغض النظر عن لونه وتصميمه. عروض الأزياء الأخيرة أكدت لنا أنه بكل بساطته ينجح دائما في إضفاء مظهر أنيق على صاحبته، ويزيد الأمر حين يخرج عن المفهوم الكلاسيكي والرسمي إلى عالم الموضة المنفتح على التقنيات والأفكار الجديدة. فما لا يختلف عليه اثنان أن ما خدمه كثيرا استعمال الأقمشة المنسابة التي جعلت تطويعه سهلا، وتفصيله مميزا، وليس أدل على ذلك من القمصان التي يطرحها بول سميث. كل هذه العناصر تجعله في هذا الموسم، يضاهي الفستان الناعم في أنوثته وجاذبيته ومرونة تنسيقه، حتى عندما يأتي بياقات عالية وأزرار تخفي الرقبة. يكفي تنسيقه مع بنطلون واسع أو تنورة مستقيمة لتحصل صاحبته على مظهر متميز يفوح بالعصرية والحيوية.

* همسات جانبية:

- أهم شيء اختياره بتصميم بسيط من دون تفاصيل، حتى يسهل ارتداؤه بأساليب مختلفة: مع بنطلون جينز للمناسبات العادية، أو مع تنورة أو بنطلون مستقيم في أماكن العمل، أو تنورة طويلة ومنسابة، أو تايور كوكتيل في المناسبات.

- اختاريه هذا الموسم بأقمشة مترفة تنسدل بسهولة على الجسم مثل الساتان والشيفون والدانتيل والحرير، حتى تتمكني من تطويعه حسب المناسبة والمظهر الذي تتوخين، إضافة إلى أن هذه الأقمشة خفيفة ومنعشة في الوقت ذاته. تجدر الإشارة إلى أن اختياره بقماش جيد أمر ضروري إذا كان باللون الأبيض. فعلى العكس من الألوان والنقوشات الأخرى التي يمكن أن تموه على نوعية سيئة أو رخيصة، يفضح الأبيض كل خطأ، خصوصا بعد غسله بضع مرات. إذا كان من القطن، من المهم أن تكون خيوطه ملتصقة بعضها ببعض بطريقة متماسكة جيدا وفي الوقت ذاته ناعمة الملمس، لكن في هذا الموسم، يفضل أن تختاريه مخلوطا بالحرير أو من الشيفون.

- الراحل جيانفرانكو فيريه، كان أول من نقله من قطعة للنهار إلى قطعة فخمة تناسب المساء والسهرة، بتنسيقه مع تنورات طويلة تزينها أحزمة مبتكرة، معتمدا على ألوان الفضي اللؤلؤي والبيج والبني بدرجاته كأساس يبني عليه تنوراته الرائعة. للمساء، ينصح تنسيقه مع بنطلون من الساتان، أو تنورة مستديرة وطويلة، وإضافة سلاسل أو عقد بعدة صفوف، للحصول على إطلالة درامية.

- بالنسبة للمرأة العصرية، بما في ذلك شريحة سيدات الأعمال، فإن القميص بشكله الحالي أسهل طريق يحملهن من لقاءات العمل بالنهار إلى دعوات العشاء. فبإمكان كل واحدة أن تطوعه حسب أسلوبها، فالمحافظة مثلا يمكنها أن تستعمله بأسلوب كلاسيكي مع تايور، والجريئة يمكنها أن تنسقه مع تنورة «ماكسي» وأن تتركه مفتوحا عند الصدر لتظهر قلادة مبتكرة وهكذا.

- إذا كانت الفكرة أخذ موضة الموسم التي تلعب على الرجالي بشكل جدي، فيمكن ارتداؤه على طريقة النجمة الراحلة كاثرين هيبورن، مع بنطلون واسع.

- هذا الصيف أنت لست مقيدة بلونه الأبيض، فالموضة الحالية كرنفال من الألوان المتوهجة، لهذا يمكنك اختياره بالبرتقالي أو الأصفر الموزي، أو الأخضر الفستقي أو الفوشيا وغيرها من الألوان.

* القميص المزين بتفاصيل سخية يعود إلى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. فقد استعمل فيها الدانتيل بشكل واضح في الحواشي، مثل الياقات والأكمام. فكلما كانت الكشاكش كثيرة والتفاصيل لافتة، كان القميص يشير إلى مكانة صاحبه الاجتماعية العالية. هذا القميص من ماركة «ألكسندر ماكوين»، مثلا، يتميز برابطة يمكن عقدها على شكل وردة أو تركها مفتوحة. وهو تصميم يتكرر كثيرا على منصات عروض الأزياء ويعتبر من التصاميم التي توازي القميص الأبيض البسيط أهمية.

ففي عام 2004، أعاده المصمم النيويوركي مارك جايكوبس بشكل يحتفل بمظهر السكرتيرة الجادة، قائلا حينها إن المرأة الحديدية، مارغريت ثاتشر هي من ألهمته، مما ألهب سوق الموضة وجعل هذه الموضة تستعيد ألقها. لكن مارك جايكوبس لم يكن أول من أعادها إلى الواجهة ولعب على ما تتضمنه من جدية وإغراء يكمن في غموضها، فقد سبقه الراحل إيف سان لوران إلى ذلك في عام 1970، وظلت لصيقة باسمه طوال السبعينات والثمانينات.

كل ما قام به مارك جايكوبس أنه حقنها بجرعة أكبر من الأنوثة والعصرية بأن نسقها مع بنطلون الجينز، بمعنى أنه أدخلها إلى الحياة اليومية.