صفاء الست لـ «الشرق الأوسط» : تصاميمي تؤكد أن للحذاء إسقاطات نفسية كبيرة

يطلقون عليها الفتاة الحديدية لعشقها تصميم الأحذية بمادتها المفضلة.. الحديد

عندما تكون صفاء الست في ورشتها تنسى العالم الخارجي وكل همومها
TT

قد يبدو الأمر طبيعيا عندما يشاهد أحدنا في أحد المحلات الخاصة ببيع الأحذية، حذاء عملاقا مصنعا من الجلد أو من الخشب كنوع من الدعاية أو حتى الدعابة، لكن عندما نجد أنفسنا أمام أحذية بمختلف الأشكال والأنواع والألوان بكعوب دقيقة ورفيعة، والأهم من هذا مصنوعة من الحديد القاسي وليس من الجلد، فهنا يتعدى الأمر ما هو معهود ومتعارف عليه إلى ما هو فني. فأنت هنا ستكون في متحف وليس في محل، خصوصا أن المكان لا يقتصر على الأحذية الضخمة بل يشمل أيضا أخرى بأحجام صغيرة جدا لها ما يبررها. فهي مرصعة بالأحجار الكريمة والذهب. مصمم ومنفذ هذه الأحذية المعدنية الضخمة والصغيرة الثمينة ليس حدّادا لكنه امرأة مبدعة، هي الفنانة التشكيلية السورية، صفاء الست. ولأنها لا تكتفي بالتصميم بل تقوم بإنجاز هذه الأحذية وتركيبها ولحمها بالأوكسجين وبأدوات الحدادة العادية، يطلق عليها البعض، الفتاة الحديدية أحيانا أو الفولاذية أو ست الحدايد أحيانا أخرى. أقامت صفاء مؤخرا معرضا في «غاليري تجليات» بضاحية المزة جنوب دمشق لعرض هذه الإبداعات الفنية، وفي لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» قالت إن حكايتها مع الأحذية العملاقة المصنوعة من الحديد الصلب بدأت منذ الصغر. توضح: «فأنا أحب فن الكولاج وتلصيق الأشياء ببعضها البعض، وبعد تخرجي في كلية الفنون الجميلة بدمشق قبل نحو 14 عاما وتخصصي في مجال الغرافيك والتصميم، عملت على تقديم أعمال تركيبية من الحديد، حرصت فيها على أن تكون على شكل منحوتات». وتتابع: «استفدت من دراستي للغرافيك في تحقيق هذه الأعمال واستخدمت الحديد رغم قساوته، لأنني شعرت أن هذه المادة الوحيدة التي تساعدني في إنجاز الأفكار التي أريد إظهارها للجمهور. ورغم أنه صلب فإنك عندما تفهم التعامل معه، يصبح لينا مطواعا بين يديك. مع الوقت أصبحت لي ورشة حدادة قرب دمشق أعمل فيها مثل أي حداد عادي». تضيف ضاحكة: «على الرغم من أنها مهنة ذكورية، لكنني اقتحمتها من باب الفن. فعندما أدخل للورشة أنسى كل شيء خارجها وأنسى حتى حالتي النفسية سواء كنت حزينة أو سعيدة، لأنني أندمج مع العمل وأعيش مع الحديد حتى أنني لا أرغب في مغادرة الورشة أحيانا». وتضيف صفاء أنها تحضر كل صغيرة وكبيرة بنفسها: «فبعد أن أحضر المواد الأولية الخام والتي هي عبارة عن قضبان وألواح صاج وخردة، أبدأ العمل بتقنيات الحداد وأدواته المعروفة مثل الشلمون والمقص، فبعد أن أقص الألواح وأهندسها حسب تصاميمي وأثنيها، حتى تتحول إلى ما يشبه المعجون تماما. بعد تلحيم القطع تأتي مرحلة الجلخ والتنظيف بورق الزجاج، تليها عملية الأكسدة من أجل تحديد الألوان ومن ثم المرحلة الأخيرة وهي البخ. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تلوين الحديد له طريقة خاصة، فلأن لون الحديد يتغير بسبب العوامل الطبيعية، من صدأ أو تأكسد، أضع الحديد أحيانا في الماء حتى يصدأ أكثر وأحيانا ألونه من منطلق أن الفكرة لتصميمي المقترح تحتاج للتلوين. لكن في النهاية يبقى للحديد جمالياته عندما يوضع في مكانه الصحيح والمعبر. مثلا يصبح مرة قماشا ومرة تشعر أنه ورق أشجار أو ورود، وهذا يؤكد أنه مادة جميلة».

منذ سنتين، أقامت صفاء معرضا بـ«غاليري الآرت هاوس»، عرضت فيه أيضا أعمالا ضخمة من الحديد يزيد ارتفاعها على المترين والنصف، وكانت لأشكال بشرية حضرت فيها الأنثى بقوة وبشكل رمزي. أما في عرضها الجديد، فاختارت تقديم الأحذية النسائية، الأمر الذي تشرحه بقولها: «من وجهة نظري فإن الحذاء مهم جدا في الحياة للمرأة والرجل، ويعود تركيزي على الكعوب العالية، إلى أني أحب الكعب العالي شخصيا، وأعتبره امتدادا للجسم كما أنه يغير من مشية المرأة. فهو يجعلها أكثر ثقة وأنوثة، حيث يمنحها نقطة ارتكاز». وتوضح: «لك أن تتخيل أن هذه النقطة حاملة لكل هذا الجسم البشري؟ إنه، برأيي، اختراع مذهل. وحتى في علم النفس يقال إن ظهور الكعب العالي في الأحلام له تفسير معين، ومنذ اختراعه من قبل الإنسان وهو دائم التطور ويأخذ حيزا كبيرا من اهتماماته في كل العصور».

عن التصاميم المعروضة، تعلق صفاء: «عرضت 28 تصميما فقط، من بين 35 عملا منفذا وجاهزا، لكن صغر حجم صالة العرض لم يمكنني من عرضها كلها، ويمكنني أن أقول إن كل هذه التصاميم تعكس شخصيتي وتشبهني إلى حد كبير، كما أن لكل حذاء قصة أو رمزية معينة. فمثلا الحذاء الذي يشمل جنازير يدل على كيف أن المرأة قد تكون مسجونة داخل حذائها ويدل على سادية الحذاء. هناك حذاء آخر يتضمن ورودا ونباتات وهو ناعم وشفاف وهذا له علاقة بالطبيعة أكثر مما له علاقة بالمرأة، وهناك أيضا نموذج يمثل التصاق المرأة بحذائها وأنها تحولت لكعب فيه، وآخر عبارة عن حذاء يحتوي على راصورات وهذا يدل على القفز والحرية والرشاقة. أما الحذاء المصمم على شكل سمكة فهو يشير إلى أن المرأة عندما تنتعل كعبا عاليا تصبح مشيتها رشيقة جدا وتسير مثل السمكة». تضحك صفاء وتضيف: «يسألني بعض الزوار أحيانا ألا يوجد تصميم لحذاء سندريلا، والجواب: كل تصاميمي هي لسندريلا، لأنها جميعها مكونة من فردة واحدة، باستثناء تصميم واحد جاء بفردتين كونها حوارية. وهذا أيضا له دلالة خاصة، فعندما تدخل المرأة منزلها، فإنها تخلع حذاءها حسب مزاجها. إذا كانت غاضبة، مثلا، نلاحظ أنها ترمي كل فردة في اتجاه مختلف، أما إذا كانت هادئة وسعيدة، فهي تضعه على الأرض بعد خلعه بشكل متناسق يتناسب مع هدوئها. ولذلك أؤكد من خلال تصاميمي أن للحذاء إسقاطات نفسية كبيرة».