الهنود يفضلون البيضاوات

الهنديات غاضبات بسبب تحيز سوق الإعلانات والموضة ضد بشرتهن

TT

تطل وجوه الرجال والسيدات ذوي البشرة البيضاء، وأكثرهم من أوروبا الشرقية، من لوحات الإعلانات ومراكز تجارية ذات واجهات زجاجية ساحرة ومجلات موضة في الهند، الأمر الذي يثير حفيظة البعض. فقد سلطت وسائل الإعلام العالمية الضوء مؤخرا على شكاوى عارضات الأزياء الهنديات بسبب تفضيل مسؤولي الإعلانات والمصممين البيضاوات عليهن. وأشارت الكثيرات من أشهر عارضات الأزياء إلى ما تلاقيه كل منهن من اضطهاد وتمييز في الدولة التي تتخذ فيها أكثر الجهات المعلنة وعالم الأزياء موقفا معاديا من السمراوات. تقول ديبانيتا شارما، وكارول غراسياس، إنهما يفقدان فرص عمل هامة بسبب اختيار عدد من المصممين الهنود للعارضات البيضاوات.

وما يمكن أن يثبت هذه المزاعم أسبوع لاكمي للموضة، وأسبوع ويلز للموضة اللذان أقيما خلال الشهرين الماضيين، حيث لم يكن هناك سوى 7 عارضات هنديات من بين 250 عارضة أزياء، وهو ما يشير إلى تحيز على أساس لون البشرة. وفوجئت نيكول فاريا، التي فازت بلقب «ملكة جمال الأرض لعام 2010»، من التجاهل الذي تلاقيه الهنديات في الهند، حيث تقول: «أينما أذهب أجد الإعجاب بلون بشرتي. فبينما نستخدم كريمات تفتيح البشرة في الهند، تستعمل نساء العالم مستحضرات (التسمير) ليتكسبن لون بشرتنا»، وتشير إلى أنه نادرا ما يتم الاهتمام بلون بشرة العارضات في عالم الأزياء على عكس الحملات الإعلانية، وبخاصة تلك التي تعنى بكريمات التجميل ويركز فيها على أن تكون العارضات ببشرة فاتحة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر أثار جدلا بين عارضات الأزياء والعاملين في مجال الأزياء ومتابعي الموضة، فإنه لم يتم حسم الأمر بشكل يرضي حتى الآن.

من جهتهم، يقول مصممو الأزياء المشاركون في أسبوع الموضة الهندي ومنظموه: «تقدم عارضات الأزياء الأجنبيات أداء أفضل في اختبارات الأداء. فهن أكثر دراية بالعمل في هذا المجال». ويقول سونيل سيثي، رئيس مجلس تخطيط الموضة: «عارضات الأزياء الأوروبيات أقل تحفظا من العارضات الهنديات، وبخاصة حينما يتعلق الأمر بعرض الملابس الداخلية».

وهناك الكثير من الأسباب التي تفسر زيادة الطلب على عارضات الأزياء الأجنبيات؛ من أول تلك الأسباب أن العارضة الأجنبية تمنح العلامة التجارية فرصة أكبر في تحقيق شهرة عالمية، لأن الاختلافات الثقافية تجعل من الصعب على تلك العلامات غزو السوق الأوروبية من خلال العارضات الهنديات. ويشهد مجال الإعلانات ازدهارا كبيرا، حيث يستثير الحواس، وهذا ما يجعل من الصعب على العارضات الهنديات الجميلات أن يكن على طبيعتهن ومثيرات في الوقت نفسه بسبب تحفظهن. ويعلق أنيل تشوبرا، الرئيس التنفيذي لشركة «لاكمي ليفير»: «تشهد عروض الأزياء حضورا كبيرا لمشترين عالميين وتساعدهم العارضات العالميات على تقدير موقف المشتري».

أما رينا داكا، مصممة الأزياء الهندية الشهيرة، فتقول إن السمعة ترتبط بالعملة، حيث توضح قائلة: «يمكنك بالأجر الذي تحصل عليه عارضة الأزياء الهندية الحصول على عارضتي أزياء من الخارج، فضلا أن العارضات الأجنبيات لا يمانعن في ارتداء أي نوع من الملابس». وتقول وكالات توظيف العارضات إن التوجه نحو الاستعانة بعارضات أجنبيات ازداد خلال الـ3 سنوات الماضية بنسبة 40 في المائة نظرا لتوفرهن، على حد قول بانكوري سينغ، من وكالة «إيليت». لكن يقول بعض المحللين إن عولمة الاقتصاد من أسباب الولع بذوات البشرة البيضاء، حيث انجذبت الكثير من عارضات الأزياء من أوروبا إلى مدن مثل مومباي، عاصمة الهند الثقافية.

تقول إناكشي تشاكرابورتي، رئيسة وكالة «إسكيمو إنديا» لتوظيف العارضات، التي تأتي بعارضات أزياء من دول أوروبا الشرقية: «يتوق الهنود إلى البشرة البيضاء النقية الجميلة. إن هذا جزء أصيل من تركيبتنا النفسية. فالجهات المعلنة عن علامات تجارية هندية تتصل بي وتطلب عارضة أزياء بيضاء ذات شعر داكن اللون. والبعض الآخر يطلب فتيات ذوات بشرة بيضاء لكن ملامحهن هندية، فهم يريدون فتيات بجمال يناسب أذواق الهنود». يوضح هذا التوجه أن تفضيل ذوات البشرة البيضاء له جذور في ثقافة الهند التي أكثر سكانها يتميزون ببشرة سمراء. من الشائع في الثقافة الهندية أن يرى الرجال النساء ذوات البشرة البيضاء أكثر جاذبية مما يجعل فرص زواجهن أكبر؛ نتيجة لذلك تنشأ الفتيات على فكرة أن السمراوات أقل جاذبية وجمالا. يقول نيروباما سينغ، الخبير في اتجاهات الموضة: «تهتم النساء في الهند كثيرا بلون البشرة. وهناك تقدير كبير للبشرة البيضاء».

كما يقول غاغان جين، رئيس شركة «ديوك فاشونز إنديا» في لوديانا: «يمكن لعالم الأزياء والموضة أن يسهم في إحداث تغيير كبير في الهند. لقد رأينا تجربة الاستعانة بعارضات أجنبيات للإعلان عن علامات تجارية هندية التي بدأت منذ نحو 3 سنوات، وتم الترحيب بهذه التجربة. فالعارضات الأجنبيات يتوافقن مع غرائز مستهلكينا. وينظر الكثيرون إلى الوافدات من الدول الغربية بإعجاب في ما يتعلق بمظهرهن. لهذا تلعب تلك الفتيات على تلك النقطة». وكشف جين عن أن أجر العارضات الأجنبيات اللاتي يستعان بهن ليس أكبر كثيرا من أجر العارضات الهنديات.

وتقول ريا راي، عارضة هندية سمراء تبلغ من العمر 23 عاما، وهي تضحك: «تفضل العقلية الهندية البشرة البيضاء، إذ يتم تعديل الصور الفوتوغرافية التي يتم التقاطها لي بحيث تبدو بشرتي أفتح. لكن عندما أعمل في بريطانيا وفرنسا يتم تقدير لون بشرتي باعتباره ميزة فريدة. فالطريف أن العارضات الهنديات مطلوبات في الخارج، بينما العارضات الأجنبيات مطلوبات في الهند».

تقول ديبال شاه، إحدى أشهر عارضات الأزياء: «لقد كانت بشرتي داكنة أكثر من شقيقاتي، وكانت جدتي قلقة من أن لا يجدوا لي عريسا بسبب ذلك. وخلال عملي كعارضة كنت أستعمل مساحيق تجميل تجعل بشرتي تبدو أفتح، رغم أن المصممين كانوا يستعينون بي لكفاءتي، ومع ذلك أتفق مع فكرة أن الهنود مهووسون بالبشرة البيضاء». لكن لا يعتقد براساد بيدبا، مصمم الأزياء الشهير في وجود أي نوع من التمييز العنصري ضد عارضات الأزياء الهنديات، موضحا بأن: «الكثيرات منهن يبلين بلاء حسنا في الخارج مثل لاكشمي مينون وبادما لاكشمي وأوجالا راوت، بل ووصلت بعضهن إلى القمة. وبعضهن سمراوات». ويرى براساد أنه إذا لم تكن دولة ما ترحب بعمل عارضات أزياء ملونات في مجال الإعلانات، فهذا بسبب السوق، «على المعلنين أن يختاروا العارضة التي يتوحد معها المشاهد. فإذا كانوا يحاولون الوصول إلى جمهور من المشاهدين من أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأشقر، فعليهم أن يختاروا عارضة بهذه المواصفات». لكنه يعتقد أن العنصرية انتهت منذ زمن، قائلا: «كل مصمم أزياء لديه ملهمته ويحدد عارضات الأزياء اللاتي يختارهن بحسب المظهر الذي يريده دون أن يكون للأمر علاقة بالعرق أو اللون». وتتم الاستعانة بأكثر عارضات الأزياء البيضاوات من أوكرانيا وروسيا واتحاد الدول المستقلة، وأحيانا من أوروبا أو البرازيل، خصوصا لتشابه العارضات البرازيليات مع الهنديات.

تقول بريتي نير، مديرة الابتكار التنفيذية في شركة «لوي»: «استعنت خلال السنوات الأخيرة بعارضات أجنبيات في حملات إعلانية عن علامات تجارية مثل (إكس آند ليريل) الشهيرة العالمية لمزيل عرق رجالي. تم تسويق العلامة على وعد بأن لا يكون هناك ضرورة لأن يغوي الرجل في الإعلان السيدات. وتتطلب الحملات الإعلانية قدرا من إثارة الغرائز، ولا تجد العارضات الأجنبيات حرجا في ذلك، على عكس العارضات الهنديات. هناك تضاد كبير بين لغة الجسد لدى العارضات الهنديات وتلك التي لدى العارضات الأجنبيات عندما يتعلق الأمر بالعري وإثارة الغرائز». ويقول روني دي كولا، مصور فوتوغرافي للأزياء: «العارضات جيدات هنا وأجرهن لا يختلف كثيرا عن أجر العارضات الأجنبيات. وبهذه الطريقة نقدم لعملائنا مجموعة فريدة من العارضات والأماكن وأنماط الحياة».

وكثيرا ما تقدم مجلات الأزياء العالمية في الهند مثل «كوزموبوليتان» و«إيل» و«ماري كلير» و«فوغ» نساء بيضاوات في أعدادها. لكن المثير للاهتمام أنه في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي وقعت مجلة «إيل» في مشكلة عندما تلاعبت بصورة إيشواريا راي، ملكة جمال العالم السابقة ونجمة بوليوود، التي نشرت على الغلاف وجعلت بشرتها أفتح، كما زُعم.

وبحسب التقارير الإخبارية كانت النجمة الهندية الشهيرة، التي تبلغ من العمر 37 عاما، تفكر في رفع دعوى قضائية ضد المجلة بسبب ما اعتبرته «تزييفا عنصريا». لم تعلق النجمة على الأمر، لكن أصدقاءها قالوا إنها كانت «غاضبة» ولم تصدق في البداية، وكانت تظن أن مثل هذه الأمور لا تحدث في عصر يتم فيه تقييم النساء بحسب صفاتهن الشخصية لا لون بشرتهن. بعد ذلك اتخذت طبعة الهند من مجلة «فوغ» موقفا ضد التمييز العنصري على أساس اللون في الهند من خلال وضع صورة عارضة سمراء على غلاف عدد من المجلة بعنوان «فجر الغسق» الذي يقدم 5 عارضات ذوات بشرة داكنة، أملا في تغيير ذلك التوجه في دولة تقدر النجمات والعارضات ذوات البشرة الفاتحة.