الثورة البيضاء تهز عالم الرجل

بين الموضة والسينما.. قصص حنين ورومانسية

بدلة عصرية مخلوطة بالكتان والحرير بتصميم مفصل وأنيق من «ريتشارد جيمس» متوفرة على موقع «net-a-porter.com»
TT

عالم الموضة يعيش حالة من الحنين إلى فترة العشرينات من القرن الماضي منذ مدة، لكن شعلة هذا الحنين زادت في هذا الموسم بشكل لا يمكن تجاهله. فمارك جايكوبس، مثلا، عاد إليها في تشكيلته الأخيرة لدار «لوي فيتون»، وهذا وحده يكفي لأن يلتفت أي متابع للموضة إلى الوراء متوقعا قطعا مطبوعة بفنية الـ«آرت ديكو» وغيره من الفنون التي ولدت في تلك الحقبة إلى جانب تصاميم ثورية، إن صح القول، لا سيما أن هذه هي الفترة التي شهدت تحرر المرأة من جهة، وخروج العالم من حرب خلفت الكثير من الآثار النفسية نتج عنها رغبة محمومة في الغرف من كل متع الحياة؛ من جهة أخرى. أكثر من عبر عن هذه الموجة الكاتب الأميركي سكوت فرانسيس فيتزجرالد في رائعته «ذي غريت غاتسبي»، التي تحولت إلى فيلم كلاسيكي جسده روبرت ريدفورد، أمام ميا فارو. هذه الأخيرة ظهرت في فساتين منسدلة بخصور منخفضة وإكسسوارات أنيقة، أما روبرت ريدفورد، فتألق في بدلات باللون الأبيض على وجه الخصوص. كان لا يزال وسيما في ريعان الشباب، يثير في نفوس عشاقه ما يثيره الآن النجم براد بيت في نفوس عشاقه، فقد صور الفيلم في عام 1974، وكانت الشخصية التي جسدها تتمتع بكل عناصر الإثارة برومانسيتها وتناقضاتها وسط عالم يفهم لغة المال أكثر من المثاليات، ويستعذب رنين الذهب أكثر من أي شيء آخر. هذه الحالة الاجتماعية والاقتصادية بكل تبعاتها، تجلت أيضا هذا الموسم في الأزياء الرجالية المنمقة، وعلى رأسها البدلة المفصلة ذات اللون الأبيض. ورغم أن هذا اللون ظهر في عدة عروض منذ بضعة مواسم كلما بدأت درجات الحرارة في الارتفاع، فإن صورة بطل الرواية، جاي غاتسبي، هي التي تلح على الأذهان منذ أن أعلن المخرج باز لوهرمان، مؤخرا نيته في إعادة تصوير نسخة جديدة من الفيلم، سيكون كل من ليوناردو دي كابريو وكاري موليغان بطليه. الخبر لم يثر حماس محبي السينما فقط، بل أيضا عشاق الموضة، مما سيجعل اللون الأبيض يتصدر الواجهة مرة أخرى، ويذيب كل الشكوك التي ارتبطت به سابقا وربطته بالمافيا أو بحقبة الثمانينات. من «بوتيغا فينيتا» والثنائي «دولتشي آند غابانا»، إلى «لوي فيتون»، و«هيرميس» مرورا بـ«زيغنا»، «غوتشي» وغيرهم، طرحت عدة اقتراحات لن تجد صعوبة في إغراء الرجل بمعانقة هذا اللون بكل مشتقاته، علما بأن قماش الكتان، الذي طالما أثار الخوف في النفوس بسبب عدم عمليته وسرعة تجعده، لن يكون البطل الوحيد، بعد أن استعمل المصممون أنواعا أخرى من الأقمشة، تراعي الانتعاش الذي يتطلبه الصيف والأناقة التي يتطلبها الرجل والمناسبات التي سيحضرها. بعبارة أخرى، فقد ضخوا فيه الكثير من الحيوية والعصرية مع رشات هنا وهناك من الابتكار. لكن تبقى العلاقة بين ما يظهر على منصات العروض من جماليات وأناقة وما يناسب أرض الواقع موضوعا شائكا في أغلب الأحيان عندما يتعلق الأمر بموضة لم تدخل حياة الرجل اليومية ورسمياته بشكل كبير إلى حد الآن.

صحيح أنه يقبل عليها في فترة الإجازات حيث الشمس والبحر وما يوحيان به من انطلاق وتحرر من القيود الرسمية، لكن ما عدا ذلك، فهي نخبوية أو موسمية بالنسبة له. ويزيد هذا الشك لدى شريحة الرجال ممن كانوا أطفالا في السبعينات ولم تلمسهم رومانسية العشرينات كما جسدها روبرت ريدفورد، مما يعني أنهم قد يربطونه بفترة الثمانينات وبالنجم جون جونسون بطل سلسلة «ميامي فايس» أكثر. لكن مع ذلك، فإن خبراء الأزياء متفائلون ويقترحون أن تكون البداية تجربة قطعة واحدة، مثلا سترة «بلايزر» مع بنطلون من الجينز بلون غامق، أو من القطن المغزول بالصوف الخفيف بقصة مستقيمة وعصرية وقميص أبيض أو منقوش لأناقة «سبور» كما ظهر في عرض «غوتشي» مثلا، مع إمكانية إضافة رابطة عنق. كما يؤكدون أن الثقة والشخصية يلعبان دورا كبيرا في نجاح هذه الإطلالة أو العكس. ماركة «إي توتز» التي يوجد مركزها في «سافيل رو» وأصبحت تشارك في أسبوع الموضة بلندن، في محاولة منها لمخاطبة شرائح الشباب وإظهار عدم تقيدها بالآباء والعارفين فحسب، كانت تقدم في السابق بدلات كاملة باللون الأبيض من الكتان، لكنها في الآونة الأخيرة اتجهت إلى القطع المنفصلة. تفسيرها كان أن هذه الأخيرة أكثر عملية وتتيح للرجل إمكانية التلاعب بها وتنسيقها بالشكل الذي يراه مناسبا لأسلوب حياته وشخصيته. يقول باتريك غرانت، المدير الفني للماركة أن القاعدة الذهبية هنا تتمثل في تنسيق الأبيض بألوان حيادية مع تجنب أي درجة من درجات الأصفر، مشجعا على اقتناء بدلة متكاملة تقتصر على المناسبات وعلى الإجازات، وفي الأيام العادية يمكن تفكيكها لتنسيق قطعها بقطع أخرى، مثلا البنطلون الأبيض مع سترة بلون داكن أو رصاصي، أو العكس. ما يقصده غرانت، ويسهل على الرجل الاقتناع به عموما، هو أن الألوان الداكنة تفرض نفسها في أماكن العمل، وتعكس شخصية جادة، فيما قد يعطي اللون الأبيض من الرأس إلى أخمص القدمين، الانطباع بأن لابسه دون جوان، في أحسن الحالات، أو بأنه من مخلفات الماضي إذا لم تكن البدلة أنيقة ومفصلة عليه بشكل عصري. لكن هناك من يبسط الأمر أكثر ويؤكد أن الكتان كان السبب، وبأن إدخال أقمشة أخرى حل المشكلة وخلص البدلة البيضاء من سلبياتها. فعندما تكون البدلة بخليط من الصوف أو أي خامات أخرى، فإنها تبتعد عن الخطر، خصوصا إذا تم تنسيقها مع إكسسوارات أنيقة، مثل رابطة عنق حريرية بلون غامق أو كلاسيكي.

* ما المناسبات الخاصة بالأبيض؟

- هو لون الصيف دون شك، وارتداؤه عندما تكون درجات الحرارة منخفضة أمر غير منصوح به على الإطلاق.

- لا ينصح به في أماكن العمل، سوى إذا استعمل من خلال قطع منفصلة: السترة وحدها أو البنطلون وحده.

أين؟

- يناسب الأماكن المفتوحة والمناسبات الكبيرة، بما في ذلك حفلات الزفاف، على العكس من المرأة التي يجب أن لا تلبس الأبيض في الأعراس إلا إذا كانت هي العروس.

- لأنه لا يناسب أماكن العمل، فإن تصميمه يجب أن لا يكون رسميا. في هذه الحالة يجب أن يخضع لمعايير الموضة أولا وأخيرا؛ كأن يكون مفصلا على الجسم بزرين، عاليا عند الأكتاف ومحددا عند الخصر.

- قماش الكتان أكثر من ارتبط بالبدلة البيضاء وبموسم الإجازات، لهذا لا يمكن إلغاؤه تماما من قائمة مشترياتك، وإذا كان تجعده هو سبب عزوفك عنه، فكل ما عليك هو أن تعلقه في الخارج أو داخل حمام وأنت تأخذ حمامك اليومي، لأن البخار سينعشه ولن تضطر إلى كيّه. والملاحظ في الآونة الأخيرة أن العديد من المحلات تركز على هذا القماش حتى في البدلات المخصصة للعرسان، من باب أن العديد منهم أصبح يعقد قرانه على الشواطئ وفي الهواء الطلق.

* همسات وخيارات - رغم أنه ما من رجل إلا وراودته الرغبة في التغلب على هذا الخوف والقيام بثورة بيضاء، لكن يبقى الأبيض، على العكس من اللون الأسود وغيره من الدرجات الداكنة، متطلبا يحتاج إلى دراية أكبر بأصوله وأسراره.

- يفضل تجنب قماش الكتان في أماكن العمل، والاكتفاء به في الإجازات الصيفية وفي النهار.

- بالنسبة لتنسيقه مع باقي الألوان، فإن بعض الرجال يقعون في مطب الاعتقاد بأنه مثل الكانفاس يمكن استعماله مع أي لون أو نقوشات، وهذا يعطي نتيجة غير موفقة في كثير من الأحيان. يفضل دائما أن يكون القميص بلون باستيلي خفيف، مثل الأزرق السماوي أو الليلكي على أن لا تكون به أي تفاصيل وزخرفات؛ فالبساطة هي مفتاح الأناقة حتى بالنسبة للإكسسوارات الأخرى مثل الحذاء، الذي يمكن أن يكون بلون بني أو أسود، أو رابطة العنق التي يفضل أن تبتعد عن النقوشات أو الألوان المتضاربة.

- ما يؤخذ على اللون الأبيض خصوصا، والألوان الهادئة عموما، أنها تتعرض للاتساخ بسرعة وتتطلب غسلها باستمرار، مما يفقد القماش كثيرا من رونقه ولمعانه. وفي هذه الحالة ينصح الخبراء بتجنب كيّها بالبخار وإعطاء هذه المهمة لخياط ماهر لديه ماكينة ضغط.

- في الأيام العادية ولمظهر «سبور»، يمكن تنسيق السترة مع قميص أبيض وبنطلون جينز وحذاء أسود.

- السينما ليست الملهم الوحيد للمصممين هذا الموسم، فبحكم أن البدلة البيضاء تثير في المخيلة صور السفر والمنتجعات والسافاري، سواء كانت في أفريقيا أو جنوب أميركا أو على الكاريبي أو البحر الأبيض المتوسط، فإنها كانت مادة مناسبة لهم، خصوصا أن السفر كان تيمة العديد من العروض هذا العام.

- يعتبر البيج، من الألوان التي يمكن أن تعطي الإطلالة العصرية نفسها والانتعاش في فصل الصيف، كذلك الرمادي الفضي، كما ظهرا في تشكيلة «جيورجيو أرماني» و«غوتشي» وغيرهما.