موطئ قدم في باريس

مساحته لا تتعدى 19 قدما.. وعناء تحويله إلى مكان معيشة كان حلما لمصمم الديكور كين كروس

يضفي السرير ذو الطابقين في الطابق الثاني من المنزل الطابع الرومانسي الذي يتسم به النوم في القطار
TT

بصفته مصمم ديكور، فإن كين كروس يجيد تقدير المساحات؛ لهذا عندما وقعت عيناه على المنزل الذي يعود إلى القرن الـ18 في باريس في أحد الإعلانات، كان يعرف أن مساحته صغيرة تتراوح بين 9 و10 أقدام فقط، لكن عند دخوله إياه في أحد أيام شهر يناير (كانون الثاني) الممطرة، أدرك أن تقديراته كانت متفائلة كثيرا. وصف، فيما بعد، عرض المنزل لأصدقائه في نيويورك على أنه يشبه الحظيرة، بمساحة إجمالية لا تتعدى 19 قدما، وطول لا يتعدى 6 أقدام ونصف القدم. كانت مساحة غرفة المعيشة مجتزأة منها مساحة السلم الداخلي أقل من 4 أقدام، وكان كروس يستطيع أن يقف بها ويمد ذراعيه ليلمس الجدارين بمنتهى السهولة. أما مساحة المطبخ فكانت صغيرة للغاية؛ بحيث لم يسمح المكان بفتح باب الفرن.

ماذا كان رد فعل كروس؟

يرد كروس بحماس: «رائع، وكأن الله أرسله إليَّ على الرغم من صغر مساحة المنزل، يتكون من طابقين وسلم؛ لذا من الممكن أن تصنع إضاءة ومساحة خاصة بك. لقد كنت في غاية السعادة، حتى إنني أخبرتهم بأنني سأدفع إيجار 3 سنوات مقدما».

استطرد كروس الذي لديه شقة في غرينويتش فيليدج قائلا: «لقد كان بحاجة لي، فهو جوهرة غطاه الغبار لا أقل ولا أكثر. أعتقد أنني تخيلت كيف سيكون حاله بمجرد دخولي، وهذا هو ما حدث بالفعل. لم يكن ليصبح بهذا الحال لولاي. ما الذي يمكن أن يكون أكثر إثارة من قضاء شهر في تصميم منزلك؟». تنبغي ملاحظة أن كروس من الذين ينجذبون نحو الأماكن غير التقليدية، فشقته المكونة من طابقين في نيويورك، التي قام بالعمل عليها منذ عامين، بها شباك آلي لتقديم الطعام مساحته 3 أقدام مربعة وحوله حمام. يسافر كروس، البالغ من العمر 49 عاما، كثيرا إلى باريس بحكم عمله وكان يدير متجر «لا ميزو مودرن» لمستلزمات المنزل في تشيلسي لعدة سنوات. لقد كانت الإقامة في باريس حلما يراوده منذ أن كان في الواحدة والعشرين. وقال: «كنت سأعيش في نيويورك لمدة عام، ثم أنتقل إلى باريس، لكن تأخرت هذه الخطوة لـ26 أو 27 عاما». وكان ما دفعه في النهاية لاتخاذ هذه الخطوة هو وفاة أحد أصدقائه.

يشرح كروس: «اشترى مساعدي برايان منزلا في مراكش ليعيش فيه، وكان يتحدث عن الانتقال للإقامة هناك. وكنت في باريس في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وعندما عدت لم أستطع الاتصال به، ثم اتصل بي شقيقه وقال إنه أصيب بسكتة قلبية توفي إثرها. غير هذا طريقة تفكيري وأدركت أنه عندما يفكر المرء في القيام بشيء عليه ألا يؤجله، فلا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يحدث العام المقبل».

وهكذا بدأ كروس رحلة البحث في العام الحالي، وسرعان ما عثر على منزل يبعد بضع بنايات عن نوتردام. كان المنزل مدمرا من الخارج وبه نافذة مسدودة بقوالب من الطوب، وكان يوجد في المطبخ سخان مياه قديم بارز مثل إصبع كئيبة وكان الحمام قذرا. لم يصدق صاحب المنزل أن يجد من يسكنه، وكان من السعادة بحيث سمح لكروس بالقيام بكل ما يريده. لم يرغب كروس في الإفصاح عن قيمة الإيجار، لكنه أوضح أنها كانت نصف القيمة السوقية.

كانت الميزانية التي خصصها لتجديد المنزل 25 ألف دولار، والتزم بها؛ حيث اعتمد على التخفيضات والقدرة على إدخال تغييرات على المفروشات لتتغير استعمالاتها. كذلك استعان بمقاول عمل معه من قبل، وتقاسم الاثنان المنزل لأسبوعين هدموا خلاله الجزء الأكبر من المطبخ. يقول كروس: «من الذي يستخدم فرنا؟ فقد استعضت عنه بموقد ذي شعلتين سطحه أسود واشتريت آلة رائعة لصنع القهوة بحجم الموقد. لا يحتاج المرء إلى فرن إلا إذا أراد أن يصنع المخبوزات، وأنا لم أقم بذلك منذ أن كنت في تركيا عام 1986».

كانت الخزانات الجديدة أسفل سطح الموقد والجزء الذي يقع في منتصف المطبخ من الكماليات التي توضع في الحمام. واستعاض كروس عن أبواب الخزانة التي توجد بالقرب من أحد الجدران بأبواب مطلية بورنيش أبيض مأخوذ من خزانة توضع في حمام اشتراها ووضع تحتها حامل إفريز ليكون مثل مكتب. واستخدم قطع الخشب المتبقية من خزانة الحمام في صناعة مظلة فوق الحوض. بلغت التكلفة الإجمالية لكل ذلك، بالإضافة إلى صندوقين تخزين دوارين استخدمهما كمقاعد للجلوس، نحو 3400 دولار. كانت هناك قطع غير ضرورية تنم عن بذخ مثل التمثال النصفي لباخوس، كان سعره 2800 دولار. استخدم كروس ثلاثة ألوان، هي الأبيض والرمادي والأسود، خاصة خطوط الأبيض والأسود التي يشتهر بها. وأخفى سخان المياه بطلائه، والجدار الذي خلفه باللون الرمادي الداكن، ثم طلاء المظلة الخشبية التي فوقه بالخطوط البيضاء والسوداء.

كانت غرفة المعيشة صغيرة للغاية، بحيث لم يكن هناك متسع لأريكة أو حتى زوج من المقاعد. صنع كروس ما سماه سرير الباشا، وقال: «أي شيء يمكن أن يوضع في مساحة صغيرة ضيقة وعليه وسائد يجعله مكانا للاسترخاء». وانتهى به الحال إلى وضع أريكة مكونة من أجزاء مختلفة بلغت تكلفتها نحو ألف دولار. مثلت غرفة النوم تحديا آخر، فقد كان يأمل أن يضفي عليها الطابع الرومانسي للنوم في القطار، لذا اشترى سريرا بمستويين بحشية قطنية تنفتح لتناسب مساحة السرير المزدوج. لكن لم تكن الحشية مريحة؛ لذا تخلص منها واشترى بدلا منها حشية كبيرة من قطعة واحدة. ومع ذلك كانت غرفة النوم مريحة؛ حيث كان الطابق العلوي من السرير مغطى بورق حائط مخطط وبه وسادة مقابلة للجدار.

واشترى حوضا ومرآة جديدين للحمام، وملأ الفراغ الموجود بين البلاط الأبيض الذي يكسو الجدار واستخدم أبوابا زجاجية لمكان الاستحمام مقابل 69 دولارا، وأضاف صفين من البلاط الأسود وطلا المغطس بخطوط من المينا سوداء اللون.

تم عمل أكثر التجديدات سحرا وجاذبية من خلال المرايا؛ حيث غطى كروس الجهة الخارجية من النافذة المسدودة بالطوب في الطابق الثاني من المنزل بزجاج عاكس، ثم لصق قطعا خشبية لمحاكاة عمدان ألواح الزجاج وزود النوافذ بالشيش رمادي اللون وصناديق زهور. ووضع مرآة أخرى مقابل الباب الأمامي جعلت مساحة المدخل تبدو أكبر من حقيقتها. كذلك وضع مرايا على جدران المطبخ وغرفة النوم. في الحقيقة كانت المساحة الفاصلة بين سرير كروس والجدار صغيرة، بحيث كان يضطر إلى دخول الحمام من خلال ممرات جانبية؛ لذا كان عليه استبدال الباب الذي لم تكن المساحة تسمح بفتحه بقطعة قماش. لكن كان الأمر يستحق العناء بالنسبة إليه، فقد كان في منزل أحلامه في باريس.

* خدمة «نيويورك تايمز»