أسبوع باريس للأزياء الراقية ينطلق اليوم من دون جون غاليانو

«ديور» تحكم إغلاق الباب في وجهه.. ومستقبله يتأرجح بين كف عفريت ويد صديقته كيت موس

TT

انطلق أسبوع الـ«هوت كوتير» الباريسي لخريف وشتاء 2011 - 2012 صباح هذا اليوم، وفي عز الصيف. وجوه كثيرة ستحط في العاصمة الفرنسية للتمتع بما سيقدمه المصممون من تحف فنية، منسوجة من أقمشة أو من أحجار كريمة، ذلك أن اليوم الأخير من الأسبوع سيكون مخصصا لدور المجوهرات، من «بوشرون»، و«فان كليف أند اربلز» إلى «شوميه»، و«ديور»، وغيرهما.

ورغم زحمة الوجوه والحضور، سيغيب وجه مهم تعودنا عليه إلى حد الإدمان، هذا الموسم، ألا وهو جون غاليانو، المصمم الفني السابق لدار «ديور». نعم السابق، لأن الأمل الذي كان يداعب البعض برجوعه إلى الدار مات ودفن بعد إعلان برنارد أرنو، الرئيس التنفيذي لمجموعة «إل في إم إتش» المالكة لـ«ديور» أن المصمم المغضوب عليه لن يعمل في أي دار تابعة للمجموعة. اليوم، نحو الساعة الثانية والنصف ظهرا، ستقدم «ديور» أول تشكيلة لها من دون بصماته بعد 12 سنة تقريبا من الإبداع والعطاء. تشكيلة ستكون من تصميم فريق عمل كامل وليس مصمما واحدا، كما قالت الدار، تاركة الباب مفتوحا للمنافسة على المنصب، بعد أن أقفلت كل أبواب الرجعة في وجه غاليانو.

سقوط المصمم النجم سببه معروف، وتداولته صحف العالم بنهم، ويعود إلى تفوهه بآراء وشتائم ذات طابع معاد لليهود أثناء وجوده في مقهى بوسط العاصمة الفرنسية. حادثة مرت عليها أربعة أشهر تقريبا لكن تداعياتها لا تزال مستمرة، لأنها لم تنه مستقبله مع الدار الفرنسية العريقة فحسب، بل يتخوف الكثير من المتابعين أن تنهي مستقبله ككل. طبعا هناك أمل يراود البعض، خصوصا محبيه، بأن هناك حالة قد تعيد له بعضا من اعتباره، بحيث تبهت صورة الإنسان العربيد الفاقد للوعي، وتركز في المقابل على قدراته الفنية كمصمم، مما قد يشفع له ويزعزع التكاثف القوي للمعادين له. هذه الحالة ستكون إذا قررت العارضة كيت موس أن تلبس في حفل زواجها المنتظر قريبا فستان زفافها من تصميمه. صحيح أن الأمر غير مؤكد مائة في المائة، لكنها منذ أن أعلنت أنه مصممها المفضل قبل كبوته وسقوطه، وأوساط الموضة تضج بالتوقعات بأنه مصمم فستان زفافها. ما يزيد من حجم هذه الاحتمالية أنها من صديقاته المقربات وتمتد صداقتهما لعدة سنوات، عندما كانت هي صبية مبتدئة في مهنة عرض الأزياء، وكان هو حينها أيضا مصمما شابا بدأ يسطع نجمه في سماء باريس منتشيا بالنجاح وسطوة الشباب ومقبلا على الحياة قبل أن يعيش عدة أحداث شخصية حزينة، بدأت بموت والده في عام 2005، ثم موت واحد من أقرب أصدقائه وشريكه في العمل في عام 2007. قبل ذلك كان وكيت موس يتقاسمان الكثير من الطباع والميول، وهذا ما يجعل احتمالية استغنائها عنه وعن خدماته في مناسبة مهمة من حياتها وفي هذا الوقت بالذات مستبعدة، إن لم نقل غير لائقة، إذا كانت فعلا قد تعاقدت معه على تصميم فستانها.

السبب في هذا الاستبعاد لا يعود إلى صداقتها القديمة به فحسب، بل أيضا لأنها هي الأخرى جربت الإحساس بالإهانة العلنية وصدمة السقوط من أعلى، حين تصدر اسمها صفحات الفضائح إثر ظهور صور لها وهي تستنشق غبار الكوكايين في استوديو لتسجيل الموسيقى منذ بضع سنوات. وكاد الأمر يودي بمستقبلها لولا وقوف أصدقائها معها ودعمهم لها في محنتها. صحيح أن بعض الأسماء ابتعدت عنها، وهناك بيوت أزياء ألغت تعاقداتها معها، لكن الأزمة مرت كسحابة صيف بفضل أصدقائها. هذا الإحساس لا بد أنه يخالجها وهي ترى مستقبل صديقها عرضة للضياع. فرغم أن الخيارات أمامها كثيرة، لا سيما أنها وجه عالمي وأي مصمم سيعتبر نفسه محظوظا فيما لو أنها اختارت تصميما بتوقيعه، ورغم أن البعض سيكون ضدها، فإنها سيحسب لها وقوفها معه في محنته، لأنه تعبير عن شخصية وفية في عالم الموضة المتغير في كل موسم، عدا أنها ستجني من وراء هذا الاختيار تغطية إعلامية عالمية قد تضاهي تلك التي حصلت عليها كيت ميدلتون بارتدائها فستان سارة بيرتون. أما جون غاليانو فلا بد أن يستفيد من هذه الضجة الإعلامية، لأنها ستعيد للأذهان عبقريته الفنية في وقت خسر فيه الكثير: وظيفته مع «ديور»، ومفاتيح داره الخاصة «غاليانو» التي تملك مجموعة «إل في إم إتش» نسبة كبيرة من أسهمها، 91%. وفي أحسن الحالات، ومع ما في الأمر من تفاؤل كبير، فإن اختيار كيت موس له قد يعبد له قد يعبد له طريق العودة إلى عالم الأزياء بعد انتهاء المحاكمة في شهر سبتمبر، لا سيما أن حفل زواج، أيا كان شكله، يعتبر مناسبة سعيدة تستدعي الفرح والتفاؤل والتطلع للمستقبل وليس محاكمات ومحاسبات على أخطاء الماضي.

محاكمات لا مهرب لغاليانو منها، وسترافقه إلى شهر سبتمبر (أيلول) القادم، عندما يصدر الحكم في القضية المثارة ضده. وحتى في حالة نجا من دخول السجن لمدة 6 أشهر، فإن مجموعة «إل في إم إتش» المالكة لـ«ديور» مصرة على عدم منحه فرصة ثانية، وأكدت هذا الإصرار بعد أن نشرت محررة الأزياء في «نيويورك تايمز» كاثي هورين أنها تحدثت مع مسؤولين كبار في المجموعة أخبروها بأن هناك إمكانية لعودته لدار «غاليانو» على الأقل.. ولم يمر يوم واحد على نشر الموضوع، وبعد انتهاء عرض مجموعة «ديور أوم» للصيف المقبل التي قدمت خلال موسم الأزياء الرجالية بباريس مؤخرا، سارع الرئيس التنفيذي للمجموعة، برنارد أرنو، لنفي الخبر نفيا قاطعا قائلا إن خط العودة مقطوع تماما. وصرح أيضا بأن مساعد غاليانو لـ23 سنة، البريطاني بيل غايتون، سيخلفه كمصمم فني في دار «غاليانو»، لكنه لم يطرح اسما لـ«ديور» بعد، مما يجعل لائحة الأسماء المقترحة طويلة، تشمل حيدر أكرمان، ريكاردو تيشي، مصمم دار «جيفنشي» التي تملكها مجموعة «إل في إم إتش» أيضا وتخرج فيها كل من غاليانو والراحل ألكسندر ماكوين، وهادي سليمان، المصمم المفضل لكارل لاغرفيلد، الذي عمل سابقا في «ديور أوم».

لم يكتف برنارد أرنو بإغلاق بابي «ديور» و«غاليانو» في وجهه، بل أضاف أنه ليست هناك أي إمكانية لعمله مع أي دار تملكها المجموعة، مما يدل على حالة غضب كبيرة. فأرنو كان الرجل الذي منح المصمم فرصة العمر في عام 1996 رغم كل ما قيل حينها من أن قيادة دار فرنسية عريقة مثل «ديور» يجب أن تكون بيد مصمم فرنسي وليس شابا بريطانيا. كان غاليانو حينها مدعوما من قبل أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية وعرابة صناعة الموضة، التي زكته بقوة، ومسلحا بخياله الخصب ولمساته الفنية، التي جعلت أرنو يتصدى للدفاع عنه مشبها إياه بالمؤسس كريستيان ديور في رومانسيته وفهمه للأنوثة والجمال ورغبته في التطوير.

وبالفعل لم يخيب المصمم البريطاني الآتي من جبل طارق من أم إسبانية وأب إنجليزي الآمال، وانتقل بالدار من نجاح إلى آخر، تجاريا من خلال إكسسوارات ناجحة وخطوط جديدة تخاطب أسواقا نامية جديدة، وفنيا من خلال شطحاته السريالية في موسم الـ«هوت كوتير» تحديدا.

واعتبارا من عام 1998، أصبح المسؤول عن كل الخطوط المتعلقة بالموضة النسائية لدى الدار، من الملابس إلى الحملات الإعلانية، وفهم لغة المجموعة وحقق لها أرباحا كبيرة تعززت بافتتاح متاجر جديدة في كل بقاع العالم. وعلى امتداد سنواته مع «ديور» نجح في تأجيج الحلم وأسهم في الإبقاء على مفهوم الـ«هوت كوتير» حيا كجانب فني للموضة وحلما مشتعلا في قلوب كل عشاق هذا الجانب منها. ولا يختلف اثنان على أنه منذ التحاقه بالدار، والزبونات ووسائل الإعلام ينتظرون عروضه بشغف، لأنها كانت أقرب إلى المسرحيات بإثارتها وتشويقها وجنونها الفانتازي. هذا الجنون والشطحات والإثارة هي التي سيفتقدها عالم الموضة هذا الأسبوع، وسيصعب على أي أحد مضاهاته فيها.

محاكمة غاليانو

* حضر غاليانو، الذي يقال إنه قضى شهرين في مصحة أميركية للعلاج من إدمان الكحول، إلى المحكمة في 22 من يونيو (حزيران) الماضي للدفاع عن نفسه من الاتهامات الموجهة له، مبررا السبب بأنه يعود إلى إدمانه. وإذا كان مصيره سيتقرر في شهر سبتمبر، فإن تاريخ الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الماضي لن ينمحي من ذاكرته، لأنه كان اليوم المشؤوم الذي نزل فيه من عل إلى أسفل. ففي مساء ذلك اليوم، وكعادته جلس لتمضية الأمسية في مقهى «لابيرل» القريب من شقته في منطقة «لوماريه» بباريس، لكن نشبت بينه وبين رجل وامرأة كانا يجلسان إلى الطاولة المجاورة له مشادة كلامية، تطورت إلى سب وقذف انتهى بتقدمهما بشكوى ضده. وما زاد في الطين بلة أنه لم يمر يومان حتى تقدمت امرأة ثانية تعزز قول الأولى، بأنه سبق أن شتمها بالأسلوب العنصري نفسه. ورغم أنه حاول نفي تهمة العنصرية ومعاداته للسامية في ما بعد على أساس أنه يصمم لكل نساء العالم بغض النظر عن بيئاتهن وثقافتهن وأعراقهن، فإن المس بالسامية ولو من بعيد ليس بالأمر الذي يمكن التنصل منه بسهولة، لا سيما بعد أن نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة «الصن» الشعبية البريطانية شريطا مصورا يظهر فيه المصمم وهو يسب بلسان ثقيل، تحت تأثير الكحول، قائلا «أنا أعشق هتلر». كان الشريط القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي دفعت دار «ديور» للتنصل منه وفصله من علمه. في 22 من شهر يونيو الماضي بنى دفاعه على إفراطه في الشراب وفي تناول العقاقير المهدئة التي أدمنها بسبب ضغط العمل وحجم التوقعات المنتظر منه كل موسم، وإلى التراجيديات الشخصية التي عانى منها في السنوات الأخيرة، إلا أن مستقبله لا يزال على كف عفريت وفي يد كيت موس.

بيل غايتون

* خليفة جون غاليانو في دار «غاليانو» عمل معه كمساعد قرابة 23 عاما، ويتميز بقدراته الهائلة على التفصيل والابتكار خصوصا في ما يتعلق بالدرابيه. وإذا كان أحد لم يسمع باسمه من قبل، فإن صناعة الموضة لا بد أن تتوقف الآن وتراقب تطوره وصعوده.