خريف وشتاء 2011.. ما بين هندسة الإيطاليين وانسيابية العرب

في دورتها الـ 19.. «ألتا روما» للأزياء الراقية تطعم أسبوعها بالفنون والمعارض

TT

مرة أخرى، تألق المصممون العرب في دورة «ألتا روما» التاسعة عشرة الذي شاهد فعالياته في الاسبوع الماضي. نعم، فما إن انتهى أسبوع الأزياء الراقية، الـ«هوت كوتير» في باريس حتى انطلق بعاصمة الفنون مطعما بمجموعة من المعارض الفنية التي ترعاها كلها من غرفة الموضة الرومانية وغرفة التجارة لمزيد من الجذب، خصوصا أن الموسم موسم إجازات وسفر. من المعارض التي افتتحها أسبوع الموضة الإيطالي، معرض للمصور العالمي ماريو تيستينو بعنوان «تودو أو نادا» (Todo O Nada) المقام في «فوندازيوني ميمو» ما بين الثامن من شهر يوليو (تموز) إلى الـ23 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. هناك أيضا عدة معارض تحتضنها العاصمة الإيطالية تستعرض في بعضها إمكانياتها في مجال الأزياء الراقية والحرفية التي ترتبط بها، علما بأن هذا التزاوج بين الفن والموضة أصبح أمرا بديهيا لدى الرومانيين، وتحديدا بعد أن تحمل السنيور دييغو ديلا فالي، مالك شركة «تودز» للأحذية والمنتجات الجلدية، مسؤولية ترميم الكولوسيوم بالكامل. ولا ننسى أن معالم روما القديمة كانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ من عروض الأزياء، يتسابق المصممون لاختيار أجملها وأكثرها عراقة لخلق خلفية مثيرة لتشكيلاتهم. ويلاقي تسابقهم رضا وتشجيعا من قبل وزارة السياحة ما دام لا يؤثر على المكان، من باب أن أي دعاية تصب في صالح المدينة ومستقبلها، مرحب بها.

لكن على الرغم من الاهتمام الإيطالي، عموما والروماني خصوصا، بأسبوع الموضة الراقية، فإن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هو أن أسبوع روما الذي انطلق في الثامن وانتهى في الـ11 من الشهر الحالي، عرف عدة تذبذبات. وهو يحاول منذ سنوات أن يحقق مكانة خاصة به في برنامج الموضة العالمي، ويستعيد مكانته القديمة حين كان ينافس باريس ويفوق بأهميته أهمية ميلانو. حينها كان يشارك فيه أمثال جيورجيو أرماني وفالنتينو وغيرهما من الذين سرقتهم أضواء ميلانو ثم باريس. وعلى الرغم من أن جذوة أسبوع روما لم تنطفئ، فإنها عرفت برودا ملحوظا، بسبب مجافاة وسائل الإعلام والمصممين الكبار لها مفضلين أضواء ميلانو، وما تقدمه من فرص تسويقية أكثر. ومع ذلك ظلت حرفية معاملها وخبرتهم التاريخية في مجال الـ«هوت كوتير» حاضرة بقوة تحتاج إلى من يبث في أوصالها بعض الحرارة وينشط دورتها لكي يبدأ مشوار المنافسة القوية. وبالفعل نجحت، في السنوات الأخيرة، في أن تجذب الانتباه إليها كعاصمة موضة وعاصمة فن في الوقت ذاته واستقطبت لها مجموعة من المصممين الكبار المحليين والعالميين، خصوصا من العرب، ممن أضافوا إليها الكثير، وعلى رأسهم اللبناني عبد محفوظ والسوري الأصل المقيم في دبي رامي العلي. وتجدر الإشارة إلى أن روما تحاول أيضا أن تقوم بما لم تقم به أي عاصمة أوروبية أخرى، باستثناء لندن، وهو البحث عن وجوه جديدة ومواهب صاعدة يمكن أن تضخ الحياة في موضة أصبح الكثير من وجوهها مجعدا وهرما، وذلك من خلال برنامج «من المقبل؟» (who is on Next?)، وهو برنامج يشارك فيه شباب من كل أنحاء العالم، ما داموا يتمتعوا بالموهبة والخيال الخصب، وتدعمه كل من منظمة «ألتا روما للموضة» ومجلة «فوغ» النسخة الإيطالية.

وعلى مستوى عروض الأزياء، فقد كان برنامج هذا العام حافلا كالعادة، شاركت فيه باقة من أهم بيوت الأزياء الرومانية مثل: فوستو سارلي، و«غاتينوني»، وأنطونيو غريمالدي.. وغيرهم، إلى جانب باقة من المصممين العرب على رأسهم عبد محفوظ، وتوني ورد، وجاك غويسو، ورامي العلي. والحقيقة أن الفريقين أظهرا انتماء إلى مدرستين مختلفتين؛ فبينما اعتمد المصممون الرومانيون الأسلوب الهندسي والمحدد إلى جانب ألوان داكنة وأخرى تغلب عليها زخارف «الآرت ديكو»، فإن المصممين العرب اعتمدوا الأسلوب الانسيابي من خلال أقمشة منسابة وخفيفة وألوان هادئة بتطريزات وزخرفات أقل مما رأيناه منهم في السابق.

عبد محفوظ، مثلا، الذي يعتبر من الوجوه المألوفة في أسبوع روما، اختار لتشكيلته الخاصة بخريف وشتاء 2011 - 2012، عنوان «الفينتاج العصري»، وعاد فيها إلى حقبتي العشرينات والسبعينات ليستلهم منها بعض خطوطه. وفي ما عدا ذلك فهي في غاية العصرية، حيث لعب فيها على أقمشة مثل الموسلين والحرير والتول والساتان، ليخلق أشكالا منسابة تتراقص على ألوان تتباين بين البرتقالي والأصفر والبيج والبني والأزرق والليلكي. حتى التطريزات البراقة التي غلبت على تشكيلاته الأخيرة غابت رغم إيحاءات فترة السبعينات التي اشتهرت بالبريق والورود الضخمة، وحلت محلها تفاصيل أنيقة من الدانتيل والتطريزات التي ترى بالكاد نظرا لقوة التصاميم والألوان.

من جهته قدم رامي العلي، تشكيلة مستلهمة من روما نفسها، ومن هنا كانت الفساتين الرومانية بكتف واحدة، بأقمشة منسابة وتصاميم رومانسية بألوان عميقة مثل البنفسجي والأحمر الداكن والبني والأخضر مع زخات ذهبية برونزية، أحيانا في فستان يقطر خرزا، وأحيانا أخرى من خلال حزام عريض.

الأجواء كانت مختلفة في عرض «فيوستو سارلي»، لأنها كانت أكثر هندسية وتعقيدا في تفاصيلها، بحكم أن منبع الإلهام هنا كانت فن «الآرت ديكو» وفن «الأوريغامي» الذي زين الأكتاف وبعض التنورات. التشكيلة التي صممها كل من كارلو ألبرتو تيرانافو وروكو باليرمو للدار، ركزت على موتيفات مربعة وما يشبه الأمواج المتلاطمة على الصخور بالتواءاتها والتفافها حول الجسم. الأبيض والأسود كانا هما الغالبين، حيث عمد المصممان على خلق خدع بصرية زادت من عمقها وقوتها سواء تعلق الأمر بفساتين المساء والسهرة أو التايورات الخاصة بـ«الكوكتيل» أو المناسبات العادية. إلى جانب الأبيض والأسود كانت هناك ألوان أخرى مثل الليلكي والأخضر وغيرهما، لكنها كانت قليلة بالمقارنة.

دار «ريناتو باليسترا» قدمت تشكيلة هوليوودية بكل المقاييس، قالت الدار إنها موجهة لامرأة واثقة، لكنها في الحقيقة يمكن أن تزيد من ثقة أي امرأة، خصوصا إذا كانت هذه المرأة تتمتع بأسلوب كلاسيكي وتحن إلى أناقة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. قالت أيضا إن الورود كانت ملهمتها، الأمر الذي يفسر أشكالها الضخمة المرسومة على التنورات وجوانب الياقات أو على معطف بالكامل، بينما جاء بعضها الآخر ملفوفا على شكل طيات في فساتين طويلة. لكن تبقى هذه التشكيلة أكثر قوة في أزيائها الموجهة لمناسبات «الكوكتيل» والنهار، لا سيما التايورات التي اعتمدت التفصيل على الطريقة الكلاسيكية المتميزة، حتى عندما لا تتقيد بتحولات الموضة وإملاءاتها. فالجاكيت جاء أكثر طولا يغطي نصف التنورة أو الفستان والتنورات مستقيمة كذلك الفساتين.

حين تلتقي الموضة بالثقافة والفن

* تحاول «ألتا روما» للموضة أن تعود إلى ماضيها لكي تنطلق إلى المستقبل، في محاولة منها لإيجاد مكانة راسخة لها تجمع فيها الموضة بالفنون والتاريخ. مشروع يمكن تسميته «نيو كوتير» ويتحدد فيه أسلوب موضة جديد يجمع بين حرفية توارثها الرومانيون جيلا بعد جيل من عصور النهضة، وأسلوب جديد تفرضه تطورات الألفية بتقنياتها الحديثة التي أصبحت ضرورة في عالم الأزياء من تقطيع بأشعة الليزر وغيرها، بيد أن المهم هنا هو أن يكون لكل شيء، مهما كان عصريا، علاقة أو جذور بالماضي وبتاريخ العاصمة. ومن هنا ولد مشروع «ليمتد/ ليمتد» (Limited/ Limited) الذي يشارك فيه 40 مصمما لإبداع فستان أو إكسسوار أو قطعة مجوهرات.

- إطلاق كتاب جديد بعنوان «la Donna su Misura-Roma» وهو عبارة عن دراسة تزور معامل روما ومحلاتها لتتبع ولادة فستان على المقاس من الألف إلى الياء، مع معلومات وافية عن بداية الموضة مع تسليط الأضواء على الأنامل الناعمة، أو بالأحرى الحرفيين، الذين يسهرون على إنجازها.