فندق «بلغاري» جوهرة من 5 نجوم في قلب ميلانو النابض

تصميمه يجمع الراحة بالأناقة والداخل بالخارج

TT

«بلغاري» اسم ارتبط بالمجوهرات والأحجار الكريمة، أي بكل ما هو نفيس وغال سواء كان على شكل زمرد أو ياقوت أو زفير أو ماس. لكن ما لا يعرفه العديد من الناس، أن الاسم يرتبط أيضا بجواهر لا تخطر على البال للوهلة الأولى؛ جواهر تتمثل في سلسلة من الفنادق النخبوية، تم اختيار مواقعها بدقة حتى تحافظ على خصوصيتها وتميزها، منها فندق بجزيرة بالي وآخر بميلانو وفي المستقبل القريب ستتفتح مولودا جديا في منطقة نايتسبريدج الراقية بلندن.

طبعا عندما تذكر بالي، فإن الصور التي تتراءى للعين هي لواحة من الرومانسية تسترخي بين أحضان طبيعة غناء وشواطئ لازوردية على مرمى العين.. صورة لا يتخيلها المرء عندما تذكر ميلانو، لأن أول ما يتبادر إلى الذهن عاصمة صناعية ذات إيقاع سريع أكثر ما يشفع لها أنها عاصمة موضة ومركز تسوق مهم لعشاق الأسلوب الإيطالي. لكن كل هذا سيتبخر بزيارة واحدة إلى جوهرة «بلغاري» الواقعة في منطقة بريرا الراقية.. ففندقها هنا واحة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رغم أنه يقع في قلب المدينة النابض؛ فطوال الرحلة إليه من المطار أو من أحد شوارع التسوق المحيطة به، لن يخامرك أدنى شك بأنك في مدينة عصرية ذات إيقاع سريع ينبض بالحياة تعدك برحلة تسوق لا تُمل.. لكن ما إن تدخل السيارة الطريق المؤدي إليه، حتى تشعر بأنك انتقلت إلى عالم آخر.. مكان فسيح بديكور عصري هادئ وحديقة شاسعة بأثاث يتزاوج بحميمية مع حداثة المكان ككل.. تخفت كل الأصوات ويتحول الضجيج إلى سكينة لا تسمع فيها إلا حفيف الأشجار وهي تتمايل مع النسيم.. الداخل يتناغم مع الخارج بانسيابية لذيذة، خصوصا أن مطعم الفندق الشهير الذي يشرف عليه الطباخ الشاب، آندريا فيريرو، هو نقطة التقائهما. ولا شك أن الشيف فيريرو وجد في هذا التزاوج العجيب بين فخامة المكان وأجوائه المنطلقة دون تعقيدات، متنفسا له لإبداع كل ما لذ وطاب من المأكولات ذات الطابع العالمي المُطعم بالذوق الإيطالي ونكهة البحر المتوسطي.

فندق «بلغاري» الميلاني يفخر بثلاثة عناصر: موقعه المتميز، وديكوره الحديث، والخدمات المتنوعة التي يقدمها؛ فموقعه بمنطقة بريرا التي لا تبعد عن شوارع التسوق المعروفة، مونتينابليوني، وديلا سبيغا، فضلا عن قربه من مسرح «لاسكالا»، يجعله مغريا لعشاق التسوق والثقافة. أما وجوده وسط حدائق تبلغ مساحتها 4000 متر مربع، فيجعله واحة بكل المقاييس لكل من يسعى إلى السكينة والهدوء دون أن يشعر بأنه مقطوع عن العالم الخارجي. قبل الوصول إلى المدخل، يمكن رؤية الحديقة المترامية، التي يمكن دخولها من دون حاجة إلى دخول الفندق، وهو أمر مقصود ومحسوب.. الفكرة منذ البداية أن يكون المطعم عنوانا مهما للنخبة الميلانية تلتقي فيه لقضاء سهرات ممتعة أو لقاءات عمل، بدل أن يقتصر على الضيوف فقط.

أول ما تطأ قدماك مدخل الفندق سيغمرك إحساس بأنك في بيتك، أو على الأقل في مكان ترتاح فيه، رغم أن كل قطعة أثاث هنا وكل زخرفة، مصنوعة على المقاس، ونفذت على يد حرفيين مهرة، وجلبت خاماتها من أماكن بعيدة. سبب هذا الإحساس ديكوره الذي يعتمد على الرقي وليس البهرجة، وهذا مما يجعل الزائر يشعر بالانتماء وليس بالغربة كما هي الحال بالنسبة لفنادق أخرى قد تكون من خمسة نجوم أو أكثر. الألوان الغالبة هنا هي البني والبيج ومشتقاتهما، فيما تحمل قطع الأثاث بصمات إيطالية يجسدها حجمها الكبير المتناسب مع اتساع المكان وقاعات الاستراحة التي منها تصل إلى المطعم يمينا أو المصعد يسارا. هذا الأخير يمكن أن يأخذك إلى الغرف أو إلى المنتجع الصحي الواقع في الطابق الأرضي.

مصمما هذه الجوهرة هما أنطونيو سيتيريو وباتريشيا فييل، اللذان حرصا على أن يجمع الراحة بالأناقة. لهذا الغرض استعملا الرخام المستورد من زيمبابوي وخشب الساج والسنديان في كل الغرف والقاعات. أما بالنسبة لقطع الأثاث الإيطالية العصرية التي تغطي كل ركن من أركان الفندق فهي من تصميم سيتيريو. كان لا بد للمصممين، سيتيريو وفييل، أن تشتمل كل غرف الفندق الـ58 على الفخامة العصرية، وأن يطل أغلبها على الحديقة، حتى تأتي مريحة للعين والروح والجسد. كان من المهم أيضا بالنسبة لهما، خلق توازن بين التصميم القوي والطبيعة المحيطة مع الاستفادة من المساحات، ومن هنا كان استعمال مواد قوية من الوزن الثقيل مثل الرخام الأسود والبرونز، مع الاحتفاظ باللون الأبيض في الواجهة حتى لا تبدو طاغية، من خلال استعمال الرخام الأبيض. الفكرة هنا هي الحفاظ على مظهر راق وهادئ بالمقارنة مع البنايات القديمة المحيطة به والمبنية من الحجر.

لكن حتى في هذه الواجهة البيضاء، لعب الرخام الأسود دورا وإن خفيفا، حيث جاء على شكل إطارات حول النوافذ والجوانب.

النوافذ المطلة على الحديقة في الطابق الأرضي وباقي الغرف تتميز بعلو يعكس الضوء ويخلق ذلك الامتداد المطلوب بالفضاءات الخارجية، علما بأن الرخام الأسود لم يقتصر على الداخل فحسب، بل كان عنصرا مهما يجمع بين الحديقة وقاعة الجلوس التي ترامت عليها كنبات واسعة وطاولات ضخمة مع مكتبة صغيرة تضم الكثير من عناوين الكتب والمجلات والصحف والإيطالية والأجنبية بما فيها جريدة «الشرق الأوسط». وفي ركن من القاعة توجد مدفأة ضخمة يشتعل لهيبها لتدفئ المكان في ليالي الشتاء الباردة. من هنا يمكن الدخول إلى المطعم، الذي تغلب عليه طاولات وكراس أنيقة لكن داكنة هي الأخرى في تناقض مدهش مع خضرة الحديقة والشمس الساطعة التي تخترق أشعتها المطعم فتزيد أحجار فينسيا الذهبية دفئا وحميمية. يتكرر الأسود والأبيض والبني والبيج في الردهات من خلال خشب السنديان والساج وكذلك من خلال الأقمشة المستعملة في الكراسي المنجدة والحيطان والأبواب. هذه الأخيرة مثلا كانت أقرب إلى الأبواب الخارجية منها إلى أبواب غرف نوم أو استراحات، لأنها كانت سميكة وقوية، والغرض منها كان واضحا وهو أن توفر للضيوف الهدوء التام؛ وبالفعل فسيشعر الضيف هنا بأنه في جزيرة نائية أو في عالم آخر لا يمت بصلة لمدينة معروف عنها أنها صناعية ومن أهم مراكز سياحة التسوق في العالم.

بداخل الغرف، يغلب أيضا خشب السنديان الذي تكسر المفارش ذات الألوان الهادئة والطبيعية حدته، ليعود الرخام والغرانيت الأسود والخشب البني الداكن مرة أخرى في الحمامات التي هي أقرب إلى منتجعات مصغرة منها إلى حمامات عادية. هي الأخرى استعملت فيها الأحجار الطبيعية مثل الغرانيت والرخام، والتقنيات العالية حيث يمكن أن تشغل كل شيء هنا بزر كهربائي. لكن رغم أن كل غرفة تعتبر واحة بحد ذاتها، فإن جناح «بلغاري» الواقع في الطابق الأعلى، يبقى الأكثر تميزا وطلبا؛ فهو الأكثر اتساعا وانفتاحا رغم أن الوصول إليه صعب بعض الشيء، مما يزيده من عنصر التشويق.. يتوفر على شرفة تمتد على ثلاثة أمتار تطل على الحديقة وعلى مناظر المدينة من كل الجوانب، لا سيما أنها مبنية من زجاج تقريبا مما يزيد من انفتاحها على الخارج. كانت الفكرة عند تصميمها أن تأتي عبارة عن فيلا عصرية يتمازج فيها الداخل بالخارج، وهذا ما كان؛ فغرفة الجلوس مصنوعة من أحجار بريرا المعروفة، كما هي الحال بالنسبة للمدفأة التي تتوسطها، بينما يتميز حمامها بديكور حديث يطغى عليه حوض مصنوع من قطعة واحدة من حجر «بيهارا» المستورد من تركيا ويستحضر منظره الحمامات التركية في المنتجعات العالمية.

كل شيء هناك مزيج من الخامات الإيطالية والعالمية التي تتناغم مع روح المكان وثقافة «بلغاري». المصممان أنطونيو سيتيريو وباتريشيا فييل أشرفا على كل صغيرة وكبيرة وأرادا أن يكون الفندق الميلاني واحة من الجمال والراحة تعكس الذوق الإيطالي الرفيع ونجحا في خلق أجواء عصرية بمساعدة حرفيين إيطاليين مهرة الروح الإيطالية تفوح من الكثير من الجوانب هنا، من خلال الألوان التي يتناغم فيها البني الداكن مع البيج ومع خضرة الحديقة الممتدة على مساحة 4000 متر مربع لا يغرنك موقع الفندق الخفي الذي لا يعرفه سوى العارفين من النخبة، فهو يتوجه لطالبي السكينة والهروب من إيقاع الحياة السريع، لكنه أيضا يشكل نقطة انطلاق للحياة الصاخبة وبالعودة إليه يمكن التقاط الأنفاس وشحذ الطاقة بين أحضانه من الصعب أن تجد في أي مكان بميلانو مطعما تختلط فيه المواد الطازجة والإيطالية بلمسات الشيف آندريا فيريرو العالمية.. فإلى جانب أطباقه الشهية والطازجة التي تخاطب محبي الأكل المتوازن، فهو أيضا مكان لقضاء أمسيات ساحرة بفضل أجوائه المفتوحة.