فتيات استبدلن معسكرات لتعلم الموضة بالمخيمات الصيفية

طالباتها من الولايات المتحدة وتايوان وكولومبيا ونيوزيلندا وبريطانيا

تقوم الفتيات أيضا بعرض ما صممن من كل ما تقع عليه أياديهن من خامات، منها أكياس البلاستيك
TT

حرب الألوان من التسالي التي اعتاد الأميركيون قضاء وقتهم فيها لم تكن هي اللافت هذا الصيف، بل الحرب الودية التي دارت داخل مبنى صغير في إيست 53 ستريت في مانهاتن في أحدا أيام الثلاثاء القريبة، والتي كان لها طابع أكثر أناقة وجاذبية.

فحول طاولة لتناول الطعام مستطيلة الشكل جلست ساره مولالي (16 عاما) بجوار تسع فتيات أخريات انهمكت كل منهن في مطالعة مجلة للموضة ـ «فوغ» و«إنستايل» و«إل» وغيرها، للعثور على صور تمثل ملابس المساء التي يحلمن بها. وعلى الطاولة، كانت هناك حزمة من صفحات المجلات المقصوصة وألوان ملونة وزجاجات ماء أضيفت إليه فيتامينات وقطع كعك محلى. وكانت هناك تسع طاولات أخرى تحتشد حولها فتيات، بلغ مجمل عددهن 50 فتاة كن يبحثن عن الإلهام لمشروعاتهن. ولم يكن بالغرفة سوى رجلين، الأول مراسل والثاني مستشار.

بلهجة حاولت أن تكون دبلوماسية تسألهن سارة مولالي: «هل تعتقدن أن علينا الاعتماد على مجموعة ألوان متناغمة؟ إنني أحب الأسود والذهبي، لكن».

وهنا قاطعتها فتاة أخرى صائحة بينما تعلقت عيناها بمجلة تطالعها: «أحب الأسود والذهبي. إنهما متناغمان وظهرا في عرض برادا».

وحاولت إيلي ويبر، زميلة سارة في نفس المدرسة الثانوية في أتلانتا، دفع القضية قائلة: «أشعر أن لوحة الألوان ستضم..». وهنا تدخلت فتاة أخرى في الحديث قائلة: «ستضم الأحمر والأخضر والأبيض».

وبدا من العسير التوصل لأي إجماع في الآراء حتى رفعت فتاة صورة للممثلة داكوتا فاننغ في زي شديد الأناقة. وصاحت سارة: «يا للروعة!» وأضافت أخرى بحماس: «استمري. هذه هي الفتاة التي نبحث عنها».

بالنسبة لهذه المجموعة من الفتيات على الأقل، أصبحت دروس السباحة والرماية وسرد قصص مرعبة حول نار المخيم ضربا من الماضي. فقد استبدلن تلك النشاطات التي كن يقمن بها عادة في الصيف، بمعسكر موضة بمدينة نيويورك، من خلال برنامج يستمر خمسة أيام ويقام داخل «إل آي إم كوليدج» في ميدتاون مانهاتن للعام الرابع. يتضمن البرنامج المقام في المعسكر التعرف على الأسماء التجارية اللامعة في عالم الموضة، والتجول في المتاحف وتعلم كيفية إنشاء مدونات بالإضافة إلى المشاركة بمحاضرات يلقيها مصممو أزياء ومحررون بمجلات الموضة وزيارة محلات مثل «بارنيز». وتبلغ تكلفة التجربة برمتها 1295 دولارا، وهي تكلفة لا تشمل الإقامة والوجبات، إذ يقيم معظم المشاركين في المعسكر من خارج المدينة في فندق مع أحد الوالدين.

عن ذلك تقول ماديسون سنيدر (16 عاما)، من أتلانتا، بنبرة تعبر عن الاستياء والضيق: «اعتدت المشاركة في المعسكرات الصيفية، والآن، ينصب اهتمامنا جميعا على الموضة ونعلم أننا بحاجة لتحقيق شيء ما في هذا الاتجاه في فترة لاحقة من حياتنا. لذا، عندما عرفنا بأمر هذا المعسكر فكرنا في استغلال الفرصة للتعلم».

جاء ظهور فكرة معسكر الموضة بمدينة نيويورك على أيدي فريق عمل مؤلف من زوج وزوجة، وهما: غوردن جوزي، مدير معسكر للسباحة، وفران ديلا باديا، نائبة رئيس دار «كوتش» للإكسسوارات وحقائب اليد. وقرر الزوجان الجمع بين مجالي عملهما بعدما أعرب آباء وأمهات أطفال يشاركون بالمعسكر الذي يشرف عليه جوزي، «توين غريكس» في ويست فيرجينيا، عن حيرتهم إزاء ما ينبغي أن يفعلوه في الصيف مع بناتهم اللائي يفضلن التسوق على تعلم السباحة.

وتقول فران ديلا باديا، التي تحضر خلال اليومين الأول والأخير من كل دورة، علما بأن كل صيف يضم ثلاث دورات: «عاد غوردن ذات ليلة وقال لي: لقد طرأت لي فكرة تنظيم معسكر للموضة».

واستطردت بأن الفكرة راقت لها لأنها «رغبت دوما في التواصل مع» الشابات اللائي يجهلن كيفية بدء حياة مهنية في عالم الموضة.

وتشير إلى أنها وزوجها لم ينظرا إلى «معسكر الموضة» كمشروع لجني الربح: «عندما بدأنا المشروع، لم أكن أعلم أنه سيحقق ما حققه الآن. حينها اتصلت بعدد من أصدقائي العاملين بمجال الموضة وسألتهم: هل تودون المشاركة؟، فوافق الجميع».

من بين الذين يشاركون بإعطاء محاضرات في «معسكر الموضة» مصممة فساتين الزفاف جيني يو، ومصممة الأزياء ستيسي ماييش، وديفيد دوبلانتيس الذي يترأس الشؤون الرقمية داخل «كوتش». أما الفتيات المشاركات في المعسكر اللائي يفدن من شتى أرجاء الولايات المتحدة، إضافة إلى تايوان وكولومبيا ونيوزيلندا وبريطانيا، فإنهن يضعن نصب أعينهن أسماء أكثر إشراقا، من وجهة نظرهن، في عالم الموضة.

مثلا، قالت أريزونا سيمونز (12 عاما)، من صن فالي في إيداهو بعدما فرغت لتوها من تصفح إحدى المجلات: «أتمنى أن أصبح كوكو شانيل التالية لأنها تأتي على رأس إمبراطورية الموضة». والواضح أن أذواق أريزونا الراقية لا تقتصر على الموضة فحسب، فلدى سؤالها عن المكان الذي تناولت فيه عشاءها اليوم السابق، أجابت: «لدينا مطعم مفضل يدعى نوبو». وذكرت والدتها، سوزان دسكو، أنها تناولت الطعام بهذا المطعم أربع مرات من قبل.

ولا يعد معسكر مدينة نيويورك للموضة المعسكر الوحيد الذي يرمي لتلبية احتياجات الشباب الصغير المهووس بالموضة، ففي الصيف الماضي، على سبيل المثال، تعلمت أريزونا الحياكة لدى «بالي أدفنتشرز»، وهو معسكر فني في رننغ سبرينغز في كاليفورنيا، يتضمن برنامجا بمجال الموضة يستمر ثلاثة أسابيع مقابل 3145 دولارا. (واختارت معسكر الموضة هذا العام لرغبتها في تعلم الموضة كنشاط تجاري وتسويقي، حسبما ذكرت).

وتنظم جامعة تكساس التقنية معسكرا للموضة يستمر أربعة أيام مقابل تكلفة تتراوح بين 200 و600 دولار، وتبلغ تكلفة برنامج مشابه في معسكر ديفيدسون الفني في دنفر نحو 200 دولار. وعلى امتداد معظم يوليو (تموز)، بمقدور طلاب المدارس الثانوية والإعدادية حضور دورات تمهيدية لدى معهد الموضة والتكنولوجيا في مانهاتن.

إلا أنه على خلاف الحال مع دورات معهد الموضة والتكنولوجيا، يمزج معسكر الموضة بمدينة نيويورك المرح والتسلية في برنامجه الهادف للتنمية المهنية. وتتمثل النقطة المركزية للبرنامج في العلامة التجارية التي تبنيها كل فتاة كجزء من فريق عمل. يختار أعضاء الفريق معا منتجا، مثلا، مجموعة ملابس للسهرة لطلاب جامعيين بأسعار معقولة)، ويبنون تصورا للقاعدة الأساسية للعملاء المفترضين. وتشرع الفتيات إما في تخيل شكل المنتجات أو اقتطاع صور من المجلات تمثل رؤيتهن. وفي نهاية الأسبوع، يجري عرض العلامات التجارية وإخضاعها للتحليل النقدي، بجانب عقد «الزيارات السوقية». من جانبها، قالت باديا: «ينتاب الآباء والأمهات بعض الضيق أحيانا عندما يرون ذلك، ويبدو وكأنهم يتساءلون: هل ندفع كل هذا المال كي يخرجوا للتسوق؟»، لكنها شددت على أن هذه الرحلات تعليمية.

وأوضحت: «يخرج الأطفال للمتاجر لأن تلك هي الأماكن التي يجري بها النشاط التجاري. نحن ندخل المتاجر ونسأل: من أين ينبغي أن نبدأ؟ وما الذي يوجد على الطاولة الأمامية؟ وهل هو ملائم للموسم؟».

في الحقيقة، عندما زارت سارة ومجموعتها الذين أطلقوا على العلامة التجارية الخاصة بهم «ديكلارسيو»، محل «هيرميس» في فيفث أفنيو للاطلاع على أمثلة على التيارات السائدة في الموضة، أصبح المشهد أشبه بعملية جاسوسية وليس مجرد أصدقاء مشاركين في معسكر يقومون بجولة تسوق.

وبعد نزولهن سلما دائريا إلى الطابق الثاني من المتجر، استخدمت الفتيات هواتف «آي فون» الخاصة بها في التقاط صور للقطع المرغوبة.

وهمست إلى ويبير معلقة على طقم من قميص وتنورة، قائلة: «كل قطعة بمفردها جميلة، لكن يبدوان غير مناسبين معا».

بينما صاحت سارة مشيرة إلى سترة كبيرة الحجم: «أعشق هذه السترة!».

داخل غرفة العمل في المعسكر بعد الظهيرة، شرحت كريستي إلينا، المدونة الرئيسية لدى «سن غلاس هوت»، كيفية استغلال الصور التي التقطنها في مدونة. يذكر أن الفتيات كن على معرفة بالفعل بعمل المدونات، فسارة وإيلي مثلا تتناوبان إدارة مدونة تركز على أحدث صيحات الموضة داخل مدرستهما.

في اليوم الأخير من المعسكر، قدمت الفتيات - وهن في أوج أناقتهن، مرتديات كعوبا عالية وتنورات ضيقة، أمام حشد من الآباء والأمهات - تصوراتهن عن مشروع الموضة الخاص بهن ويحمل اسم «بروجكت رانواي». ووقفت باديا لتقدم الدعم لهن.

كانت أول علامة تجارية يجري تقديمها عبارة عن مجوهرات تحت اسم «نايتشر»، وهو خط من الحلي والمجوهرات الصديقة للبيئة ترمي لاجتذاب النباتيين الذين يعيشون في فيرمونت وكولورادو. وقالت ماريانا ميليتيلو (15 عاما): «سيجري تخصيص 10 في المائة من العائدات لجهود مكافحة القسوة ضد الحيوانات». واستخدمت كل المجموعات صورا لشهيرات مثل بلايك ليفلي وجيسيكا سزهور والتوأم أولسن كأمثلة استدللن بها أمام عملاءهن المثاليين.

وبعد 90 دقيقة، تناول الجميع الحلوى المثلجة معا للمرة الأخيرة في المعسكر وودع المشاركون بعضهم البعض.

وفي شارع 53، كانت سارة وإيلي وماديسون وآباؤهم وأمهاتهم يحضرون الطاولة لتناول العشاء، استعدادا للاحتفال بليلتهم الأخيرة في مانهاتن. وعن العنصر المميز للاحتفال، قالت ماديسون بحماس: «سنذهب للسينما لمشاهدة هاري بوتر».