«سونيا ريكييل» تؤكد أنها «سبور».. وأكرمان يتفنن في البنطلون ويتفوق على جون بول غوتييه

موجة الحر المفاجئة تعكر مزاج باريس.. وموجة الإبداع تنقذ الموقف

TT

موجة الحر التي اجتاحت باريس منذ بضعة أيام أثرت على مزاج الحاضرات وعكرت صفوهن بشكل واضح. والحقيقة أنه من الصعب لومهن على تذمرهن المستمر، لأنه من الصعب أن تكتمل المتعة عندما تجد نفسك في قاعة معتمة من دون تكييف لنحو ساعة تقريبا، وأنت لا تعرف ما إذا كان عليك مسح قطرات العرق السائلة على الوجه، أم الحفاظ على ماكياج قضيت وقتا كبيرا في وضعه. فهذا ما حصل في الكثير من العروض، مثل عرض «جون بول غوتييه» الذي تأخر نحو ساعة، وقبله عرض «لانفان»، وهلم جرا. لكن أحوال الطقس المرتفعة بطريقة لم تشهدها باريس في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من قبل ليست التغيير الوحيد هنا، فالكثير من بيوتها تعيش تغييرات مصيرية هذه الفترة.

والحديث هنا ليس فقط عمن سيخلف جون غاليانو في دار «ديور»، ومن سيحل محل هذا الخليفة في الدار التي سيغادرها وهكذا، بل أيضا عن بيوت أزياء أخرى مثل دار «أونغاور» التي افترقت عن البريطاني جايلز ديكون بعد موسمين فقط، و«كنزو» التي قدمت أول تشكيلة لها من دون أنطونيو ماراس، كذلك دار «كلوي»، وأخيرا وليس آخرا دار «سونيا ريكييل» التي أعلنت أول من أمس تعيين مصممة فنية جديدة هي الاسكوتلندية ايبريل كريشتون، خريجة معهد «سنترال سانت مارتن» الشهير.

أول من أمس، ونحو الساعة العاشرة والنصف صباحا، كان عرض حيدر أكرمان، أول اسم تداولته الشائعات ورشحته كمصمم فني لـ«ديور». وفي هذا اليوم، أي السبت، برهن على سبب هذا الترشيح، وأيضا لماذا أعجب به المخضرم كارل لاغرفيلد إلى حد التصريح بأنه يعتقد أنه الأنسب لكي يخلفه في دار «شانيل» فيما لو تقاعد بعد عمر طويل. ما فعله أكرمان أنه أكد أنه قادر على أخذ قطعة واحدة والتفنن فيها بعدة أشكال وأساليب من دون أن يشعرك بالتكرار أو الملل. هذه القطعة كانت التايور المكون من الجاكيت والبنطلون، الذي قدمه مرة مفصلا بشكل يجمع بين الكلاسيكية والعصرية، ومرة حداثيا فضفاضا عند منطقة الفخذ. بيد أنه في كل المرات جاء من الحرير ومن قماش الساري أو البروكار بألوان شهية، أضفت على التشكيلة والعرض ككل طابعا شاعريا وفنيا. وبينما كان البنطلون هو الغالب والحاضر دائما، فإن الجاكيت غاب أحيانا لتحل محله قمصان شفافة وأخرى بياقات «داندية» لافتة. نقطة ضعف هذه التشكيلة، إذا كان لا بد من الانتقاد، هي الأزياء الأنثوية، أي الفساتين والتنورات التي لم ترق إلى فنية وروعة الطابع الذكوري المؤنث في تايوراته، التي نسقها مع أحذية رجالية لتكتمل الفكرة والصورة معا.

الحديث عن الفني لا يكتمل من دون الحديث عن عرض الثنائي «فيكتور آند رولف» اللذين قدما عرضهما نحو الساعة الواحدة والنصف. صحيح أن جنونهما الفني جاء خفيفا مقارنة بما قدماه في الماضي، فإن الأزياء بقيت وفية للمرأة خصوصا تلك التي تريد التميز. فقد كانت هناك الكثير من الفساتين المحاكة بطريقة واضحة والكشاكش على الأكتاف، فضلا عن فساتين أنثوية تميل إلى الكلاسيكية بتنورات تميل إلى الاستدارة. بالنسبة للإخراج المسرحي الذي عودانا عليه، فقد اقتصر على عارضة افتتحت العرض بفستان بتنورة ضخمة بأمتار وأمتار طويلة تحولت إلى ما يشبه الباب الذي تطل منه العارضات على الحضور، وكأن المصممين يريدان أن يذكرانا بأنهما لا يزالان قادرين على الدراما، لولا رغبتهما التركيز على تسويق التشكيلة في زمن الأزمة. تشكيلة الأسترالي الأصل مارتن غرانت كانت من أكثر التشكيلات واقعية من الناحية التسويقية، وبشكل طبيعي. فكل قطعة تبدو وكأنها تناديك لكي تمتلكها، بدءا من بنطلونات الجرسيه المنسدلة أو القمصان ذات الياقات المبتكرة والنقوشات الهندسية، إلى الفساتين الطويلة ومعطف من التافتا بحزام يمكن أن يغني عن فستان أو حتى عن تايور، إذ إنه يبدو من الأمام كما لو أنه جاكيت وتنورة. الألوان هنا أيضا كانت قوية، خصوصا الأصفر الذي استعمله بسخاء يُشكر عليه، بحيث جعله يبدو مقبولا في كل المناسبات.

تعيين «سونيا ريكييل» مصممة جديدة وهي لا تنتمي للعائلة، يعني بداية صفحة جديدة في كتاب الدار التي أسستها سونيا ريكييل ذات الشعر الأحمر المتوهج منذ أكثر من أربعين سنة. فهذه الأخيرة، على ما يبدو، باتت تفضل الجلوس في الصفوف الأمامية كمتفرجة على أن تعمل وراء الكواليس، بكل ما تعنيه من ضغوط لم يعد العمر يتحملها. لهذا كان لافتا في العرض غياب روحها، على الأقل من ناحية الإخراج وتعامل العارضات مع الأزياء وتفاعلهن مع الحضور. ففي السابق كن يقفزن مثل الفراشات، يغنين حينا، أو يلقين أبياتا شعرية عفوية حينا آخر، وفي كل الحالات ينتهي العرض وهن يرقصن والسعادة تكاد تقفز من عيونهن وابتساماتهن. هذه المرة، كانت الابتسامات خفيفة، والمشية متهادية بشكل تقليدي، رغم أن الطابع الغالب على الأزياء كان «سبور». ويبدو أن «السبور» واحد من أهم التيمات التي شهدناها في عروض باريسية عدة، منها «لانفان» و«إيزابيل ماران» وغيرهما. في عرض «سونيا ريكييل» تشبع هذا الأسلوب بشخصية قوية، حيث هيمن على تنورات ببلسيهات بأطوال مختلفة وبنطلونات واسعة ومريحة، وإن لم تخل من نكهة رجالية واضحة، خصوصا في بداية العرض. فقد افتتح بعارضة تلبس بنطلونا وقميصا أبيض وربطة عنق باللون الأسود، تلتها مجموعة من التايورات المريحة قبل تقديم تشكيلة من التنورات المنسابة والفساتين ذات الخصور المنخفضة أو «الماكسي». طبعا كان الصوف هو سيد الأقمشة هنا، رغم وجود أقمشة أخرى، وهذا ليس غريبا، بحكم أن الدار متخصصة في الصوف أولا وأخيرا، إلى حد أنه يرتبط بها ويشكل جزءا من جيناتها. فالمخضرمة سونيا ريكييل هي التي جعلت الصوف يكتسب في الكثير من الأحيان ملمس وخفة الحرير، وهو لا يزال واضحا في هذه التشكيلة خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الصوف هنا يتوجه إلى الربيع والصيف.

جون بول غوتييه، بدوره، عاد إلى ما يتقنه أكثر، اللعب على الازدواجية بين الذكورة والأنوثة، من خلال تقديم تايورات بعضها مفصل وبعضها واسع، وإن لم يسهب في هذا الجانب مثل حيدر أكرمان. فقد قدم أيضا فساتين وقطعا في غاية الأنوثة تتمثل في فساتين وقمصان شفافة وغيرها من القطع المنفصلة التي لا تستغني عنها أي امرأة أنيقة. بدأ العرض متأخرا في قاعة نصبت عليها سقالة صيانة ضخمة. الفكرة منها أنها كانت بمثابة الكواليس، إذ بدت العارضات فيها وهن يحضرن أنفسهن لمواجهة الجمهور، وكأن غوتييه أراد أن يدخلهن هذا العالم ويعطيهن لمحة على ما يجري خلف الكواليس من جلبة وفوضى، لكن للأسف كل ما فعله أنه خلق بلبلة لم يكن هناك أي لزوم لها، خصوصا أن الكل كان قد أخذ في التململ قبل العرض بسبب التأخير ودرجة الحرارة العالية. لحسن الحظ أن الأزياء شفعت له في التأخير وعدم استعمال أي موسيقى. فقد كانت كل عارضة تخرج وهي تحمل رقما خاصا بها، يصاحبها صوت في الخلفية وهو يشرح ما تلبسه، على طريقة أيام زمان، وإن كانت الأزياء في أي مكان أو جو آخر كانت ستبدو أكثر إثارة. ما قام به المصمم أنه أعاد إلى الذاكرة أيقونات قديمة مثل الأزياء المستوحاة من ملابس البحارة وثقافة الشارع، مثل موضة الوشم (التاتو) التي كان قد قدمها في عرض قديم، 1992، لكنه أضفى عليها هذه المرة صبغة عصرية أكثر، لا سيما أن الوشم لم يعد لصيقا بالبانكس أو سائقي الدراجات النارية والطبقات العاملة فقط، بل أصبح إكسسوار النجوم وفتيات المجتمع المخملي أيضا. فالعديد من النجمات، من أنجلينا جولي وريهانا وتشارليز ثيرون وغيرهن يستعرضن أشكالا منه بنسب متفاوتة وفي أجزاء متفرقة من الجسم. كذلك في عرض غوتييه، فهو لم يقتصر على الجوارب النايلون فحسب، بل امتد إلى فساتين المساء والسهرة في تصاميم طويلة أو في كم واحد من فستان كوكتيل أو معطف من الجلد. لكن ما بقي عالقا في المخيلة هو تلك البنطلونات الواسعة من الجيرسيه والقمصان التي اتخذت أشكالا متنوعة من رجالية إلى أخرى متفاوتة الطول من الأمام بكسرات مبتكرة أو شفافة والجلود الموشومة.